بعد خروج النظام السوري من محافظات كثيرة وخصوصا في الجنوب، عادت الروح إلى معاهد تحفيظ القرآن، التي كان يطلق عليها اسم "معاهد الأسد لتحفيظ القرآن"، حيث كانت ترعاها أجهزة الأمن، لمتابعة ومعرفة مرتاديها ومن تستقبل ومن تخرج، لاعتقال أي شخص تظهر لديه ميول دينية. ومع تحرر المناطق السورية، اتجهت الأفواج من طلبة العلم والمشايخ إلى معاهد التحفيظ لمتابعة لبث الروح فيها وإبقائها منبراً مضيئاً، يخرج الطلاب الحفظة وطلاب العلوم الشرعية وخاصة من الأطفال والناشئة. الشيخ أدهم الملقب ب"أبو عبد الله" والحاصل على إجازة في القراءات العشرة للمصحف الشريف، يقول في حديث ل"الإسلام اليوم": "كانت معاهد تحفيظ القرآن إبان حكم نظام بشار الأسد، مقتصرة على بعض المساجد الكبيرة والمدعومة من قبل الدولة، وكان إعطاء الدروس فيها ممنوعا إلا بعد الحصول على ترخيص من وزارة الأوقاف، ما حرم الكثير من الطلاب وخاصة الأطفال من الذهاب إلى المساجد، وتعلم العلوم الشرعية وحفظ كتاب الله". وأشار أبو عبد الله، إلى الملاحقات الأمنية للكثير من طلبة العلم الشرعي، بسبب اتهامهم بالحض على الجهاد، وتناول مواضيع كانت محرمة من قبل الدولة، لافتا إلى أن منابر المساجد من أكثر الأمور متابعة بشكل دقيق، ليقين أجهزة الأمن بدورها في إحداث الثورات، وهذا ما حصل في مساجد درعا مع خروج أو تكبيرة في آذار/2011. وأضاف الشيخ أبو عبد الله "تم إغلاق المعاهد والمساجد مع بداية الثورة، في المناطق التي سيطر عليها الجيش ولمدة تجاوزت أربع سنين، حتى تم تحريرها منذ عام تقريبا وعادت حلقات العلم تزدهر فيها، وهناك إقبال كبير جداً، وأنا شخصياً قمت بتخريج أكثر من 10 أطفال، اتموا ختم القرآن الكريم وحفظوه بالكامل ولله الحمد". وفي ذات السياق، وبعد تحرير المناطق وسيطرة الثوار، أصبحت هناك جمعيات أهلية تعنى بشؤون العلم الشرعي، وتوفر دورات شرعية وتخرج حفظة القرآن الكريم، ومن هذه الجمعيات "أنصار الهدى"، التي تقوم بتأهيل الكوادر الشرعية المشرفة على تخريج طلبة العلم الشرعي. أحد المسؤولين في الجمعية وهو الشيخ طلال والملقب ب"أبو محمد"، قال في حديث ل"الإسلام اليوم" إن "مشروعنا يقوم على تأهيل الكوادر القادرة على إعطاء الدروس الشرعية، وعلى رأسها تحفيظ القرآن الكريم، وبعض الأساسيات الدينية مثل فقه الصلاة والوضوء والصيام، لأن اغلب المقبلين هم من فئة الأطفال ما بين 5 أعوام إلى 12 عاما". ويبين الشيخ أبو محمد أنه "تم حصر الدروس الشرعية في مسجدين فقط، وذلك بسبب الواقع الأمني الخطير، حيث يعمد النظام إلى استهداف المساجد، فنحن نريد أن يتعلم أبناؤنا العلوم الشرعية ونريد أيضا الحفاظ على سلامتهم". ويضيف "نقوم بتشجيع الطلبة على القدوم للمساجد، من خلال تقديم وجبات خفيفة وحلويات وبعض الجوائز النقدية الرمزية، ما يشجع الأطفال على الاستمرار والمثابرة على طلب العلم الشرعي وحفظ القرآن". وبين أن "أنصار الهدى"، تقيم حفلاً في كل فترة يتم فيه دعوة الدعاة وأهالي الطلاب ووجوه البلد، لتكريم الأطفال المتفوقين والحفاظ، وتكريم الكوادر التدريسية، في لفتة لتشجيع الطلاب على منافسة بعضهم البعض، والنهل من العلم الشرعي. والد أحد الطلاب والملقب ب"أبو منهل" قال في حديثه ل"الإسلام اليوم": "لحرصي الزائد على أبنائي، كنت أخشى أن يحصلوا على العلوم الشرعية في المساجد، في حقبة النظام، لأن المعاهد التي كانت مفتوحة، ما هي إلا فخاخ يتم فيها اصطياد الشباب المؤمن والمهتم بالشؤون الدينية". ويضيف "هناك حالات اعتقال كثيرة وقعت من قبل أجهزة الأمن التابعة للنظام قبل الثورة، وخاصة لحلقات الجامع العمري في درعا البلد، وبعضهم مكث في السجن أكثر من 10 سنين بدون تهمة واضحة". وبين أبو منهل، أنه حريص على إرسال أبنائه ليتعلموا علوم دينهم ويحفظوا القرآن الكريم، مشيرا إلى أنه يثق بشكل كبير بالكوادر التدريسية، التي تعطي كل ما يلزم للطفل ليتم تنشئته تنشئة دينية صحيحة. ويضيف "حالي كحالي الكثير من الأهالي، إذ ندعم هذه المعاهد بكل ما نملك، على الرغم من الوضع الميداني الصعب الذي نعيشه، من قصف وتدمير وخاصة استهداف المساجد بشكل دائم". ومن الجدير بالذكر، إن آلة النظام العسكرية، ولعدم قدرتها على إغلاق هذه المعاهد بالمناطق المحررة، قامت باستهداف أحد المساجد في محافظة درعا بلدة (الغارية الشرقية)، أثناء خروج طلاب العلم، لتحدث مجزرة راح ضحيتها أكثر من 25 طفلاً وطفلة، والمصاحف بين أيديهم، ليمنع الناس من إرسال أولادهم لتعلم القرآن وحفظه، في صورة قاتمة لاستمرار أداة الأسد الإجرامية في حصد الأبرياء حتى ولو كانوا من الأطفال.