شهر رمضان ، شهر عبادة الصّوم التي أكرم بها الخالق هذه الأمّة ، هو أيّام معدودات فرض فيهنّ الله على عباده المسلمين هذه العبادة الرّوحيّة / البدنيّة على النّحو الذي جاء به الوحي و فصّلته و بيّنته السنّة المحمّديّة . هذا الشّهر فيه يصفى معين المادّة و ترتقي فيه وشائج الرّوح ، و هو بذلك يكون بمثابة ورشة عمل يتفقّد فيها المسلم حاله ليصلح ما بطل ، يقوّم ما حصل ويطلب الأفضل ، كما أنّه دورة أكاديميّة يجتهد فيها المسلم ليقدّم أفضل الأعمال و يتفانى طوعا و محبّة لتجميل و تحسين أداء مختلف العبادات و القُرُبات ... أيضا للشّهر المعظّم خصوصيّة بالغة الأهميّة و الفائدة - و من يُعظّم شعائر الله فإنّها من تقْوى القُلوب - لكنّنا في أغلبنا نتجاوزها أو نتغاضى عنها أو حتّى نهملها وهي أنّ شهر رمضان هو بالأساس (( شهر القرآن)) ، هو شهر القرآن تلاوةً ، قراءةً ، تدبّرا و خصوصا تفعيلا في إطار واقع الحياة الشخصيّة و العامّة . القرآن الذي اتّخذه بعضنا مهجورا ، و يقرأه بعضنا آليّا ، و انحدر مفهومه و مقصده عند آخرين ليتّخذوه تعاويذ و تباريك أو ليقرؤوه على الموتى ...! القرآن الأصل فيه أنّه دستور حياة ، أنزله الله لهذه الأمّة ليكون نبراسا لها و هدْيا ربّانيّا يستلهم منه علماء كلّ عصرو كلّ مصر ما يبصّرهم و يرشدهم إلى الحياة القويمة ، و ليستنبط منه الحاكم الأحكام الشّرعيّة ، كذلك هو معين هداية للإنسانيّة فرادى و جماعات حتى تفهم كنْه الحياة لاستجلاب المصالح و درء المفاسد وبسط العدل و الرّفاه و نبذ الجهل و الظلال و الجوْر .... فالقرآن ليس للتبرّك و لا للزينة و لا للتعويذات ، القرآن منهاج حياة يتحتّم على كلّ مسلم مدارسته في فهم عميق و تدبّره في اعتناء و خصوصا تنزيله على واقع معاشه و مناحي حياته . و ما شهر رمضان إلا فرصة سانحة لإصلاح ما فسد من مفاهيم حصلت لدينا عن كتاب الله الكريم ، فرصة لتدارك التراخي ، فرصة للنّهوض و الإستنهاض لملامسة الفكر القويم و السلوك السّليم . و هو كذلك أمانة – يتحمّلها – كلّ فرد في الأمّة للوقوف بهمّة على آيات الله الكريمات و تفعيلها و تسهيل و تأهيل العمل بها و رفع أيّ التباس أو جهل مترسّب عنده . القرآن دعوة للحياة و التعايش و الإقبال على الله عين الكمال و الجمال و العدل المطلق فهل لبّينا النداء و سرنا في طريق الله بمُراد الله لإرضاء الله ..؟؟