يتّضح يوما بعد يوم منذ تكليف شاهد الفساد في الحكومة السابقة بمقاومة الفساد في الحكومة اللاحقة ، أنهم لا يتاجرون فقط بالموضوع بل يستهدفون تمييعه باثارة نوع من فوضى فساد ، بدأت تنحصر تدريجيا في جزئيات أخلاقية مما يمكن تصنيفه في الفساد الأصغر والذي رغم أهميته في التأثير على خزينة الدولة المادية والمعنوية (ثقة الناس ) ، الا أن المقصود به التلهية والتهميش عن فساد أكبر وقضايا وطنية أخرى لا تزال عالقة.الخطير أن يستدرج الناشطون لذلك عن غير علم بردة فعل "وطنية" اقرب الى الانفعال الغريزيى ليزيغوا عن المواضيع الحارقة. منذ ثلاثة أيام هجم عشرات المسلّحين ليلا على منزل احد المواطنين في المناطق المتاخمة لجبال ورغة بالكاف وغير بعيد عن وسط المدينة لنهب ما للعائلة من قوت والاعتداء على بعض افرادها بالعنف الشديد وتهديدهم بالقتل،ورد الخبر في وسائل الاعلام ومر مرور الكرام فيما كنا نتلهّى باخبار الفساد الآصغر ،وتفاصيل " الخمار والرياضة"،لا احد تابع الأمر، وكل العائلات المتاخمة لجبال ورغة تبحث عن محلاّت للكراء بازقة مدينة الكاف ، ثمة من رحل فعلا الى المدينة تاركا منزله ومورد رزقه من المواشى ، سكّان الريف الحدودي أصبحوا بين المطرقة والسندان ، فلا الدولة تحمي ظهورهم وتوفّر لهم سبل المقاومة والاستقرار الآمن .. ولا تركهم الارهابيون يعيشون في أمان ، الآخيرون يمارسون عليهم نوعا من " الصعلكة " فينهبون ارزاقهم ويهددونهم بالقتل ... والدولة تتركهم لحالهم ولا توفر لهم حتى فرصة مسك سلاح مرخّص للدفاع عن انفسهم ، ثم نطلب منهم الوفاء للوطن والذود عنه ، لا يمكن الذود عن الوطن بصدر عار وظهر غير مسنود . مواطنوا هاته المناطق كالجريدي الذي يقول لزوجته في الخريف حول المطر " اذا صبت اندبي واذا ما صبتش اندبي " خوفا عن تلف صابة التمر بالمطر جنوبا وموت الزرع في الشمال من شحّه . لا لافراغ تلك المناطق من سكانها ،المسألة استراتيجية لأمننا ، لابد من ايجاد حل عاجل وآخر جذري ليبقوا صامدين هناك . حرق الغابة ليس حلاّ ..ويحقق نفس غاية الارهابيين : اخلاء المنطقة وتهجير السكان من ديارهم وتحويلهم الى لاجئين في بلدهم ..وبالتالي خلق ازمة لجوء شبيهة بازمات الحروب الأهلية العربية.