يعود تكتل النقابات المستقلة في الجزائر إلى الإضراب مجدداً لمدة ثلاثة أيام، ابتداءً من يوم الأحد المقبل، مع تنظيم اعتصام وطني أمام مقر البرلمان، وذلك على خلفية الانسداد الذي يعرفه ملف التقاعد بين النقابات والسلطات، التي لم تبد أي نية للتفاوض، في ظل إصرارها على تمرير إصلاح نظام التقاعد، دون أي إمكانية للتراجع عن موقفها، تحت ضغط الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد. وينتظر أن تدخل النقابات التي تمثل قطاعات التعليم والصحة والوظيفة العمومية في إضراب جديد لمدة ثلاثة أيام، مع تنظيم اعتصام أمام مقر البرلمان، في الوقت الذي يكون فيه النواب يناقشون مشروع قانون العمل، وهو الأمر الذي يهدد بصدام بين المضربين وبين قوات الأمن التي ستعمل غالباً على منع المحتجين من تنظيم هذا الاعتصام أمام البرلمان، خاصة أن الأمر يتعلق باعتصام وطني يشارك فيه عمال وموظفو القطاعات الثلاثة من كل ولايات الوطن، مع العلم أن التظاهر ممنوع في العاصمة منذ 2001، وأن السلطات أحياناً تغض الطرف، وأحياناً تعمل على تفريق تلك الاحتجاجات بالقوة. وكانت النقابات المستقلة قد نددت بالطريقة التي تعاطت بها الحكومة مع الحركات الاحتجاجية التي شرعت فيها منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، من خلال الدخول في إضرابات عن العمل لمدة يومين، قبل أن يرفع عدد أيام الإضراب إلى ثلاثة في شهر تشرين الثاني/نوفمبر، دون أن تلتفت السلطات إليها، بل أغلقت كل أبواب الحوار، معتبرة أن التراجع عن إلغاء التقاعد المبكر غير ممكن، وأنها إذا لم تطبق هذه الإصلاحات على نظام التقاعد، فإنها ستجد نفسها غير قادرة على دفع معاشات المتقاعدين في المستقبل القريب، في حين أن النقابات تصر على ضرورة تراجع الحكومة بخصوص هذه النقطة، وكذا اتخاذ إجراءات لحماية القدرة الشرائية لطبقة الشغيلة، وكذا سحب مشروع قانون العمل المطروح أمام البرلمان، وإشراك النقابات المستقلة في صياغة قانون جديد يضمن حقوق العامل ويعزز المكاسب التي حققها خلال سنوات من النضال النقابي. وينتظر أن تعقد النقابات اجتماعا بداية شهر كانون الأول/ديسمبر المقبل من أجل الفصل في خطة عمل المرحلة المقبلة، خاصة أن كل المؤشرات توحي بأن الحكومة لن ترضخ لضغط النقابات، وهذه الأخيرة مصرة على مواصلة حركتها الاحتجاجية حتى تتحقق كامل مطالبها، لتبقى أمامها ورقة أخيرة، وهي الإضراب المفتوح، فيما قد تلجأ السلطات إلى حلول راديكالية أيضا، باللجوء إلى رفع دعاوى قضائية ضد المضربين، وكذا الاقتطاع من الرواتب، وربما حتى فصل المضربين، وهو صدام يبدو حتمياً، بالنظر إلى تمسك كل طرف بموقفه ورفضه التنازل، فالنقابات مقتنعة بأنها إذا قبلت بإلغاء التقاعد المبكر، فإنها ستكون بداية لسلسلة تراجعات عن المكاسب التي حققتها «الطبقة الشغيلة» خلال سنوات من التضحيات، والحكومة تدرك أنها إذا تراجعت، فإنها ستضطر للتراجع عن قرارات أخرى، وهذا في وقت لم تعد تمتلك ما يكفي من موارد مالية لمواصلة سياسة شراء السلم الاجتماعي، وهي مقبلة على قرارات أكثر قسوة من إلغاء التقاعد المبكر.