الجزائر – تفتح المدارس الجزائرية أبوابها غدا الأحد، وتعود المؤسسات والشركات والإدارات إلى نشاطها بعد انتهاء عطلة الصيف، أو ما يسمى بالدخول الاجتماعي، دخول يعتبر الأصعب بالنسبة للحكومة منذ سنوات، فالغليان الاجتماعي الذي تعيشه البلاد يؤرق الحكومة، التي تبدو غير قادرة على تقديم حلول سريعة وآنية. تعتزم النقابات التي تكتلت فيما بينها عقد اجتماع يضم ممثلي 17 نقابة منتصف شهر أيلول/سبتمبر الحالي من أجل وضع خطة عمل للمرحلة المقبلة، خاصة أن هذه النقابات المستقلة، مصممة على حمل الحكومة على التراجع عن القرارات التي اتخذتها مؤخراً، خاصة ما تعلق منها بقطاع العمل، وفي مقدمة تلك القرارات، إلغاء الحق في التقاعد النسبي والمبكر، وهو الحق الذي كان يعتبر من المكتسبات، لكن الحكومة وتحت ضغط الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد، اضطرت لاتخاذ إجراءات مرفوضة شعبياً، لكنها تعتبرها ضرورية، خاصة بالنسبة لموضوع التقاعد، مشددة على أن صندوق التقاعد يعاني من عجز مالي، اضطر الحكومة لوضع اليد في الجيب من أجل تغطية هذا العجز. ورغم أن النقابات التي كانت قد اجتمعت بداية شهر آب/أغسطس الماضي لوحت بالإضرابات والاحتجاجات كورقة للضغط، آملة أن تتراجع الحكومة عن هذا القرار، إلا أنها باتت الآن أكثر من مقتنعة بأنه لا توجد حلول أخرى غير الدخول في حركات احتجاجية، خاصة بعد التصريحات الأخيرة لوزير التشغيل محمد الغازي، الذي أكد أن الحكومة ماضية في تطبيق الإصلاحات المتعلقة بنظام التقاعد، الأمر الذي جعل النقابات تقرر عقد لقاء جديد من أجل وضع خطة عمل وتنظيم خطواتها في المرحلة المقبلة، مشددة على أنها لن تستسلم ولن تقف مكتوفة الأيدي أمام المكاسب التي تبخرت بين ليلة وضحاها، رغم أنها كانت ثمرة تضحيات طويلة ومعاناة دامت سنوات. وتقف حكومة عبد المالك سلال عاجزة أمام الوضع الاجتماعي المتفجر، خاصة وأنها لم تعد قادرة على لعب دور رجل الإطفاء الذي كانت تقوم به خلال سنوات البحبوحة المالية، عندما كان من السهل عليها وضع اليد في الجيب من أجل إخماد أي حركة احتجاجية، وهو ما اصطلح على تسميته بسياسة شراء السلم الاجتماعي، التي دفعتها خلال السنوات القليلة الماضية إلى إقرار زيادات في أجور عمال الكثير من القطاعات، وفي مقدمتها قطاع الوظيفة العمومية، رغم أن تلك الزيادات لم تكن تستند لأي منطق اقتصادي، بقدر ما كانت عملية توزيع جزء من الريع النفطي، بفضل الأسعار التي عرفت مستويات قياسية. وتجد الحكومة اليوم نفسها في «فخ نصبته لنفسها»، ففي سنوات البحبوحة المالية، ركزت جهودها في شراء السلم الاجتماعي وصرفت أموالاً ضخمة في التحويلات الاجتماعية، دون أن تهتم ولو قليلاً بالتخلص من التبعية النفطية، لتجد نفسها اليوم وقد فقدت ثلثي مداخيلها في ورطة حقيقية، خاصة وأن القرارات التي اتخذتها وستتخذها إذا ما تواصل الحال على ما هو عليه ستكون مكلفة اجتماعياً، ولن تكون مجدية كثيراً من الناحية الاقتصادية. ورغم حالة الغليان وصفارات الإنذار التي تطلقها النقابات، إلا أن الحكومة تبدو غير قادرة على تقديم أي شيء، عدا دعوة المواطنين إلى الصبر والتضامن معها في هذه المحنة، التي تقدمها على أنها قضاء وقدر، وليس نتيجة سوء تسيير وسوء تدبير، وهي دعوات لن يكون من السهل على الجزائريين التجاوب معها.