رحل الزّعيم الكوبي فيدل كاسترو عن سنّ ناهزت التّسعين سنة، فقد دخل جزيرة كوبا مع رفيق درب النّضال تشي قفارا منتصرا على الدّكتاتور باتيستا سنة 1958، و حكم بلاده كوبا طيلة هذه المدّة حكما فرديّا، متصدّيا لكلّ المحاولات الانقلابية التّي كانت تقودها ضدّه المخابرات الأمريكيّة، والتّي بلغت حسب المعطيات المخابارتيّة في مجملها ما يزيد عن 600 محاولة اغتيال أو انقلاب، وظلّ الرّجل ثابتا على مبادئه الاشتراكيّة في التّنميّة ولم يتزحزح، ولم ينحن للإمبريالية الأمريكيّة، رغم سقوط المعسكر السوفيتي المساند له في جلّ فترات حكمه الصّعبة.- وهذه من النّقاط الايجابية التي تحسب لهذا الرّجل مقارنة بحكّام العرب على مختلف مشاربهم وتوجّهاتهم الفكريّة والإيديولوجيّة، فما أن تتوعدهم أمريكا بالتضييق الاقتصادي والسيّاسيّ حتّى يقلبوا ظهر المجن، ويصبحوا بين عشيّة وضحاها خدّاما لها، وطوعا لأمرها- ورغم ما يحسب علي هذا الزّعيم من نفوذ مفرط وتسلّط وانفراد بالحكم، فإنّ الرّجل إستطاع فترة حكمه لكوبا أن يحقّق : 1- تعميم التعليم في بلاده ليشمل كلّ مواطنيه، فقد كان اهتمام الدّولة الكوبيّة بالتّعليم من أولى اهتماماتها، وقد خصّصت له في سنة 1965 ما يقارب 7 في المائة من الدّخل القومي، وارتفعت هذه النّسبة في سنة 1975 لتصل إلى 12 في المائة، ولترتفع مرّة أخرى في سنة 2005 لتصل إلي حدود 18,7 بالمائة، وبذلك استطاعت أن تقضى على الأميّة في فترة وجيرة لم تتجاوز السّنة، بشهادة الكثير من المنظمات العاملة في هذا المجال، وقد حصدت عدّة جوائز عالميّة في سنة 2006، بعد تصنيف تجربتها في محو الأميّة كواحدة من أنجح التّجارب، حيث أعلنت عن انخفاض نسبة الأمّية لتصل إلى 4 في المائة فقط، وبحسب إحصائيّات الأمم المتّحدة فإنّ نسبة الأمّيين وصلت الآن إلي 2 في المائة من السكّان، ورغم الضّغوط الاقتصاديّة والسيّاسيّة المسلّطة عليها إلاّ أنّ تقارير التّنميّة البشريّة للأمم المتّحدة تشير إلى إنجازات ملموسة في هذا الميدان ولذلك تعدّها من الدّول التّي حقّقت نسبة تنميّة بشريّة مرتفعة، كما تعتبر كوبا من البلدان التّي تحظى بجودة تعليم عاليّة على مستوى دول أمريكا اللاّتينيّة، وهذا ما أكده "يغيل خورخي جيفينا " ممثّل مكتب اليونسكو الإقليمي لأمريكا اللاّتينيّة ومنطقة بحر الكاريبي، واعتبر أنّ التّعليم في كوبا هو مثال للعالم يمكن أن يحتذى به، وأنّ النّجاحات التّي أحرزتها كوبا في قطاع التّعليم ذات قيمة عاليّة، وتهتمّ كوبا كذلك بالبحث العلمي حيث وصلت نسبة الإنفاق عليه إلى 53 في المائة من إجمالي نفقات الدّولة سنة 2000، لمنع فرار الباحثين للولايات المتّحدة الأمريكيّة، أمّا عن عدد العاملين في مجال البحث العلمي فيصل عددهم إلى 538 باحث لكلّ مليون شخص، إلى جانب 422 مركزا للأبحاث، كما تقدّم كوبا مساعدات علميّة تقنيّة لأكثر من 130 دولة في مختلف المجالات. أما عن مجال تعلّم الطبّ في كوبا فيعدّ من مصادر الدّخل لها، حيث تقول الإحصائيات الرّسميّة انّ هناك على الأقلّ 40 ألف طبيب وممرّضة وعامل صحّي كوبي يخدمون في أماكن أخرى من أمريكا اللّاتينيّة وإفريقيا وآسيا. 2 – نجاحا كبيرا لكوبا في المجال الصحّي، فوفقا لإحصائيّات منظّمة الصحّة العالميّة فإنّ كوبا تعدّ من أفضل الدّول من حيث عدد الأطبّاء، فهناك 59 طبيبا لكلّ 10 آلاف نسمة وذلك في سنة 2005 ، كما أنّ هناك على الأقلّ 40 ألف طبيب وممرّضة وعامل صحّي يخدمون خارج البلد كما أشرنا سابقا، ولدي كوبا نظام رعاية صحّي شامل من خلال العيّادات متعدّدة التّخصّصات، والمستشفيات التّي تغطّي ربوع البلاد، وتوفّر الحكومة الكوبيّة رعاية صحيّة مجانيّة لقرابة 11,24 مليونا من سكّانها، وتعدّ نسب وفيات الأطفال في جمهوريّة كوبا من أقلِّ النِّسب عالميًّا، وتصل إلى 4,5 لكلّ 1000 كما يصل العمر المتوقّع للكوبي إلى 77 سنة. و ما قدّمناه في هذا المجال هو غيض من فيض، ولا يفوتنا هنا أن نشير إلى أنّ الجمهوريّة الكوبيّة تشبه بلادنا من حيث المساحة الجغرافية، و من حيث عدد السكّان، وكذلك من حيث الموارد الطبيعيّة، ولكن لا مجال للمقارنة بين ما حقّقته كوبا من إنجازات لمواطنيها في مجال الصحّة و التّعليم، وما تحقّق لمواطنينا من إنجازات في هاذين المجالين (التّعليم و الصحّة ) في بلادنا