الجدار الفولاذي في وجه الإرادة الفولاذية احمد دخيسي عام كامل على مجزرة غزة، عام على أم المجازر والجروح لم تندمل بعد. أروع ما في المجزرة، وهي البشاعة بعينها، صمود أهل غزة العزيزة رغم أنف الجلاد والعملاء. درس بليغ في الصمود والتعلق بالأرض كتبه التاريخ بالدم يعلم كل من يتعطش للحرية قصة شعب أعزل وحكومة راشدة أهانوا المحتل وخيبوا ظن العملاء. مضى عام، تغيرت فيه أمور كثيرة، حتى أساليب المحتل، إلا موقف الأنظمة العربية الجامد جمود تلك الأنظمة. يمكن رصد الموقف العربي الرسمي من القضية الفلسطينية عموما في ثلاث مراحل متعاقبة، كل مرحلة تكون أسوأ من سابقتها.
1- المرحلة الأولى: تميزت هذه المرحلة بالوهن والعجز الواضحين أمام العدو الصهيوني رغم الشعارات القومية الجوفاء. توجت هذه المرحلة بهزيمة نكراء سنة 1967 تمكنت فيها عصابة "موشي وبن غوريون" من سحق جيوش عربية جرارة في بضع ساعات.
2- المرحلة الثانية: بعد هزيمتها الشاملة في الميدان أدركت الأنظمة العربية عجزها مواجهة العدو، فلم تكتف الانسحاب من أرض المعركة بل انسحبت من القضية كلها وتركت الفلسطينيين في مواجهة العدو لوحدهم بحجة أن ذلك صراع "فلسطيني إسرائيلي". كان عنوان المرحلة هو التواطؤ السري مع العدو الصهيوني والقوى الكبرى على القضية الفلسطينية والصمت المطبق أمام كل المجازر التي يتعرض لها الفلسطينيون. كل ذلك وفر غطاء معنويا وأخلاقيا، واستخباراتيا في أحيان كثيرة، للعدو لمواصلة جرائمه. علمنا التاريخ أن هذه الأنظمة لن تتحرك لنصرة قضية بحجم فلسطين، الشيء الوحيد الذي يمكن أن يدفعها للتحرك السريع هو أن تهدد عروشها وسلطتها.
3- المرحلة الثالثة: اكتسبت الأنظمة جرأة واضحة في هذه المرحلة حيث انتقلت من مجرد التواطؤ السري على الفلسطينيين إلى المشاركة المباشرة والفعلية في قتلهم وحصارهم. فصول هذه المرحلة كثيرة ومخزية جذا في تاريخ الأمة ولا يتسع المقام هنا لذكرها كلها. رغم بشاعة العدوان الأخير على غزة إلا أنه كان له جانب إيجابي تمثل أساسا في فضح فصول مخفية كثيرة من التآمر والخيانة مع العدو الصهيوني. الذي يثلج الصدر كثيرا رغم الداء والأعداء هو أن هذا الشعب المجاهد أكبر بكثير من أن تنال منه الخيانة و الحصار. جربوا جميع وسائل القهر: الحصار، التجويع، الاغتيال، السجن... ولا يزداد هذا الشعب إلا عزة وكرامة. جربوا أجود السلاح الأمريكي في القتل الجماعي لكن صمود هذا الشعب أكبر من كل شيء. أخيرا اهتدت القيادة المصرية الحكيمة، بعد تجربة شارون، إلى فكرة إقامة جدار فولاذي لمواجهة هذه الإرادة الفولاذية لهذا الشعب الجبار لأنهم يعتقدون أن الحديد لا يقهره إلا الحديد. تعالت أصوات الضمير أن تلكم جريمة كبرى وحصار مضاعف لشعب محاصر أصلا. لكن القيادة المصرية الحكيمة تصر على الجدار لأنها دولة ذات سيادة من حقها اتخاذ أي إجراء تراه مناسبا لضمان سيادتها. ألا تجد هذه القيادة المصرية الحكيمة من تستأسد عليه سوى شعب أعزل محاصر؟ أتقتضي هذه "السيادة المصرية" القضاء على المقاومة نيابة عن العدو؟ وهل دولة تحتضن سفارة العدو الصهيوني لها سيادة أصلا؟ ياليت هذه الأنظمة كانت فقط في مستوى ضعف بني إسرائيل الذين قالوا لنبي الله موسى عليه الصلاة والسلام : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون. هذا مبلغهم من الإيمان. يا ليت هذه الأنظمة تقول لأهل غزة: اذهبوا أنتم ومقاومتكم فقاتلوا العدو نيابة عنا إنا ها هنا على عروشنا قاعدون.
يا غَزَّةَ الخَيرِ : جِئتُ اليَومَ مُعتَذِراً و الذَّنبُ مزَّقَني يا مُهجَتِي إِرَبَا