في إطار لجم النقد وفي سياق التقشف في الشكوك والاستسلام الكلي للنوايا الطيبة يمكن ان نصدق ان التزامن بين انتفاضة القصبة ضد الفساد والاحداث الدائرة في جنوب البلاد ليست الا صدفة ولا علاقة لغضبة الصحراء بغضبة الشاهد ، ايضا نحاول ان نصدق ان تدشين الهجمة بشكل متزامن مع دخول الوقت الاعتباري لانطلاق الحملة الخاصة بالانتخابات البلدية لا يندرج ضمن الدعاية الانتخابية المسبقة ،ثم نمضي في اعتصار النوايا الحسنة حتى ونحن نستحضر الملابسات التي تحكم الانتخابات الرئاسية ونعلم ان التحضيرات التمهيدية عادة ما تطلق قبل سنتين من الاستحقاق ، وها نحن في عمق الفين وسبعطاش تفصلنا ثمنطاش على محطة تسعطاش المفصلية التي من المتوقع ان تنتهي معها مرحلة الانتقال الديمقراطي تتويجا "بإذن الله" او انتكاسا "لا قدّر الله" ، ثم نستمطر النوايا الطيبة لنطرد الهواجس التي توسوس لنا وتهمس ان احد الاحزاب التي انهار سقفها وتصدعت جدرانها تجمع حجارتها المتساقطة ، تدسها في المنجنيق ثم ترجم بها معاقل المال المشاغب لتحدث "الاثارة" وتجلب الاضواء في تاكيد للمجتمع انها متماسكة جاهزة للحرب كما السلم .. نحاول ضح بعض الدماء الجديدة في صلب النوايا الحسنة لنقنع انفسنا غصبا ان الحملة التي دشنها الشاهد هي على كل الفساد وليست على بعض الفساد وهي في خدمة الشعب ومصالحه وليست في خدمة كل الفساد على حساب بعض الفساد ، سنراود انفسنا على انها حملة نقية لا تستهدف الفساد الهاوي لحساب الفساد المحترف ولا تستهدف المال المراهق الذي ينتمي الى فصيلة الجوارح لصالح المال الراشد البالغ الذي يصنف في خانة الكواسر ، سنبتلع بعض حبوب الغباء لتسنى لنا التسليم بان العملية الدائرة ليست معركة ضد الحشيش والزطلة ولصالح الافيون والهيروين وان عصا الدولة الغليظة ليست بصدد تهشيم قوارير الجعة الخبيثة وتنحيتها من الرفوف ليتوسع الكونياك ويبسط الوسكي سطوته و يرتاح " Le Montrachet" من مشاغبات "bière La" ..سنحدث انفسنا سرا وبعيدا عن العقل وفي غفلة من المنطق ، ونجزم لها ان الذين كانوا يلقّطون ما تفلّت من سلة الطرابلسية هم اخطر بكثير من الذين كانوا يهندسون مع بن علي دولة القمع ، يثبتون اركانها ويحمونها من طوفان الافئدة الجائعة للعدل والحرية ، سنستنجد ببعض الحمق والكثير من الغباء لنقتنع ان الذي اخترق صحيفة وحاول اختراق قناة تلفزية هو اخطر من الذي اخترق المؤسسة الامنية وحاول اختراق المؤسسة العسكرية ، سنكرر حمقنا ونكعّب خيبتنا لنسلم بان تجنيد النقابات الامنية فضيلة لا تحتاج حتى لتوجيه اتهام وان تجنيد الاعلاميين رذيلة تحتاج للاعدام ... سنعب حساء التبلد بلهفة حتى نفصل بين الحملة المزعومة على الفساد وبين قانون المصالحة وازمات الحزب الحاكم والحراك التطاويني وانتعاش الطرح الاماراتي لدى واشنطن والقسم الاكبر من اوروبا والدعوة الصادرة من احد اكبر مراكز الدراسات الامريكية لإدارة ترامب توصيه بتثبيت النظم العربية والصبر على قساوتها تجاه شعوبها لمصلحة الاستقرار الاقليمي ..سنسعى في محاولة يائسة بائسة لاقناع ذواتنا ان المعركة ضد الفساد وان الادوات التي تدار بها نظيفة معقمة وان الساهرين عليها تابوا توبة لو قسمت على اهل الارض لوسعتهم . ونحن نمضي في استحضار النوايا الطيبة ونحاول تجاوز التساؤلات الملحة نشعر بالإرهاق ثم بالغثيان ثم تنتابنا رغبة شديدة في اعمال العقل ، ثم نهمز انفسنا ونوخزها ونبالغ في وكزها لتنتبه من غفلتها ثم نشرع في تذكيرها بان بعض الظن اثم وليس كل الضن ، ونؤكد لها ان بعض الشك هو الطريق السليم السالك نحو جل او كل الحقيقة ، سنحاول الان بكل ما اوتينا من شكوك ان نجس الحملة التي اطلقها رجل القصبة ، سنتعفف عن تذكير الشاهد بالماضي القريب والبعيد ونجتذب العقل من مرقده لنستعمله في بعض النقد ، سنفقأ هذا الانجرار العجيب للبعض نحو القول بقدسية الحملة التي تنفذ وتتخذ من الشاهد واجهة لها او ناطقا رسميا باسمها ، سنفك الارتباط بين رجال الاعمال الذين انخرطوا في السياسة ووفروا الكثير من اموالهم لتكسير هذا وجبر ذاك وتسويد البعض وتبييض البعض الآخر ، سنفصل بين من وضع امواله منذ 14 جانفي على ذمة الثورة المضادة ومن انشغل عن كل ذلك بمراكمة الاعمال و وجمع المال بعيدا عن التجاذبات السياسية ولم يتورط في دعم الثورة مثلما لم ينله شرف نصرتها ، سنركز على رجال الاعمال الذين استهدفوا الدولة ومؤسساتها العميقة والدقيقة ، والذين لم تطالهم يد الشاهد حين طالت رجال الاعمال الذين تورطوا في التهريب والاحتكار ! بين من تلاعب ب"المازوط" و البطاطة ومن تلاعب بالدولة وتجرا على اختراقها وكون لنفسه حصانة فاقت الحصانة التي يتمتع بها كبار رموز المؤسسات السيادية ، بين هذا وذاك تكمن الحقيقة . نحن الان امام كاتب دولة ثم صاحب حقيبة وزارية مهمشة تم تصعيده بسرعة لمنصب رئاسة الحكومة وذلك بتزكية من حزب النداء ومجاملة من النهضة وبمساندة ثنائي الرياحي وياسين ، اذْ لا يستمد الشاهد قوته من نفسه ولو بنسبة 1% ، والاكيد ان ارادته مقسمة بين النداء والسبسي وان كل القوى المالية والسياسية ، الداخلية و الخارجية ليس لها أي تماس مع الشاهد ، انما دعمها لمركز القرار في قرطاج الذي يدعم الشاهد ويتحكم في تحركاته بشكل آلي وبالتفصيل الممل ، ولما كانت منظومة 2014 اعتمدت على المال السياسي الذي تم ضخه من طرف رجال اعمال جلهم كدسوا ثروتهم خلال حكم بن علي ، ولما كانت التقديرات اكدت ان العشرات من رجال المال اسهموا في بناء منظومة 2014 ولما سبق لنجيب مراد المقرر العام للجنة الاصلاح الاداري واكيد ان 126 من رجال الاعمال تخلدت بذمته ملايين الدينارات تحصلوا عليها من البنوك زمن بن علي ورفضوا تسديدها مرة بالمجاهرة واخرى بالمماطلة ، ولما تبيت يقينا اننا بصدد ما يزيد عن 400 من رجال الاعمال يمارسون شتى انواع الفساد ثم ولما تأكد ان عدّاد الشاهد توقف عند 8 من رجال الاعمال ، لما كان ذلك كذلك اصبح لا مناص من فرملة هذا الفرح الطفولي تجاه حملة نفذها قصر القصبة بعيدا عن قصر العدالة وغاب عنها القضاء المدني وتصدى لها القضاء العسكري ، ثم تحولت تهمها من التهريب والاحتكار الى الخيانة العظمى والمس من سلامة امن الدولة والتخابر مع الجهات الاجنبية .. حين يصبح التهريب على بن قردان جريمة تستنزف مقدرات البلاد والتهريب على رادس تجارة تغذي خزينة البلاد ، وحين يصبح اللقاء مع القوى الليبية المسيطرة على الحدود المتاخمة لبلادنا جريمة نكراء وخيانة عظمى بينما لقاء حفتر على الحدود المصرية برعاية اماراتية وبأجندات واضحة تستهدف التجربة تحركات دبلوماسية ، وحين تستهدف حملة الشاهد الفساد الناشئ وتستثني الفساد العميق وحين تدخل منظومة رجال الاعمال في صراع مع بعض رجال الاعمال ..حينها يصبح الشك فريضة سادسة وتصبح الصكوك البيضاء خيانة للوطن ، لان الحديث يدور حول محاربة الفساد بينما الملابسات تؤكد والبوصلة تأشر الى اشياء أخرى لا دخل لها بالفساد ، ويا لها من مسرحية ! ملصقاتها تشير الى الفساد بينما الاثاث والديكور والاضاءة والسيناريو و والملابس والركح والستار ، الكل في قطيعة مع محتوى الملصقات !!! لنسمّها تصفية حسابات ..انحناء امام ضغوطات داخلية وخارجية .. عملية تضحية بالبعض لصالح الكل .. صعق للأورام الحديثة واستسلام كلي للأورام المستشرية ..لنعطها أي من الاوصاف ، فقط نتجنب الحديث عن محاربة الفساد لان الدولة الجادة في مسعاها الاصلاحي لا يمكن ان تُنهي محاربة الفساد في ثمانية ايام بتقديم ثمانية قرابين . رائحة المعركة وطعمها ونوعية ادختها المتصاعدة تؤكد ان الشاهد لا دخل له بالأمر ، ولا يعدو ان يكون الموظف اللين المطيع الذي يشرف على سير المعركة المتداخلة ويطبق التوصيات تباعا وبتفان ، كما يبدو ان شفيق جراية هو الوجبة الرئيسية وبقية الثمانية بهارات ، ويبدو انه لم يكن من الممكن ان يقدم جراية للمحاكمة بتهمة الفساد المالي او العلاقة الغير شرعية مع رموز النظام السباق ، لان ذلك يعني فتح باب الجحيم على المئات من رجال الاعمال ، لذلك كان لابد من تهمة قوية ورادعة وفريدة ، تهمة على مقاس جراية يلبسها وحده لتخرج القروش المستعصية من الطبخة كالشعرة من العجين ، والاكيد ان تهمة التخابر يمكن التحكّم فيها واخضاعها الى مقاسات خاصة ، اما الفساد المالي والسياسي فقياسه " standard " اذا فتحت ملفاته شبت واذا شبت نشبت . وحدها الشعوب الغبية من تصدق ان سلطتها التي نامت في حجر الفساد المالي استيقظت صباحا على حربه ، وحدها المجتمعات المعطوبة من تنساق خلف منعرجات ال 180 درجة وتسلم بالتغييرات الجذرية المفاجئة دون ان تقترح على نفسها فسحة للتمعن والتدبر ، وحدهم الذين تثمّلوا الغباء يوقعون للسواد على بياض . كل الملابسات تقود الى شكوك مفزعة ، ولعل اكثر من يمكن ان تذهب اليه النوايا الطيبة "جدا" ويركن اليه الحلم الوردي هو ان تكون السلطة الحاكمة التي يخنقها الوضع المتردي والتي تتطلع الى المحطات الانتخابية القادمة هي بصدد الضغط على رجال الاعمال الذين يعطلون تنقيح قانون المصالحة ، لذلك قامت بتأجيل النقاش حول القانون وانتقت العينات التي ستستهدفها وقامت باعتقالات ومصادرات استعراضية على امل ان ترتبك القروش ثم تلين وتقبل بالتنازل الكفيلة بالإفراج عن القانون ليرى النور . نصرالدين السويلمي