معهد باستور: تسجيل حالة وفاة و4 اصابات بداء الكلب منذ بداية 2024    المدير العام للديوانة في زيارة تفقد لتطاوين    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    الإعلان عن نتائج بحث علمي حول تيبّس ثمار الدلاع .. التفاصيل    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب هذه المنطقة..    قوات الاحتلال الإسرائيلية تقتحم مدينة نابلس..#خبر_عاجل    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    بطولة انقلترا : مانشستر سيتي يتخطى برايتون برباعية نظيفة    البطولة الايطالية : روما يعزز آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الأوروبية    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    إجراء أول اختبار لدواء يتصدى لعدة أنواع من السرطان    تواصل نقص الأدوية في الصيدليات التونسية    رحلة بحرية على متنها 5500 سائح ترسو بميناء حلق الوادي    طقس الجمعة: سحب عابرة والحرارة تصل إلى 34 درجة    مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح    "تيك توك" تفضل الإغلاق في أميركا إذا فشلت الخيارات القانونية    ماكرون: هناك احتمال أن تموت أوروبا    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    هذا فحوى لقاء رئيس الجمهورية بمحافظ البنك المركزي..    سوسة.. دعوة المتضررين من عمليات "براكاجات" الى التوجه لإقليم الأمن للتعرّف على المعتدين    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي تتراجع بنسبة 3ر17 بالمائة خلال الثلاثي الأول من سنة 2024    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تكريم فريق مولودية بوسالم للكرة الطائرة بعد بلوغه الدور النهائي لبطولة إفريقيا للأندية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث عدد الباحثين    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    سعر "العلّوش" يصل الى 2000 دينار في هذه الولاية!!    رئيس الجمهورية يتسلّم أوراق اعتماد سفير تونس باندونيسيا    قرابة مليون خبزة يقع تبذيرها يوميا في تونس!!    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    أنس جابر تستهل اليوم المشوار في بطولة مدريد للماسترز    عاجل: غرق مركب صيد على متنه بحّارة في المهدية..    سفينة حربية يونانية تعترض سبيل طائرتين مسيرتين للحوثيين في البحر الأحمر..#خبر_عاجل    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس -الدبلوماسيّة والفساد: شهادة السفير أحمد بن مصطفى
نشر في باب نات يوم 10 - 01 - 2013

الشهادة التي قدمتها السيد أحمد بن مصطفى لمؤسسة التميمي للمعلومات والبحث العلمي حول الدبلوماسية والفساد، مع الإشارة الى أن هذه المحاضرة تتناول موضوع الفساد في الدبلوماسية بصفة عامة في ظل النظام السابق .
كما تتناول كافة أطوار المظلمة التي تعرض اليها السيد أحمد بن مصطفى أثناء فترة عمله كسفير بالإمارات خلال 2005 – 2006 بسبب عدم حضوره الشخصي للتغطية على عملية تهريب أموال من جليلة الطرابلسي الى دبي مما أدى الى انهاء مهامه كسفير ثم مقاضاته والحكم عليّ بست سنوات سجن قبل الثورة ثم وقع تبرئته قضائيا بعد الثورة . لكنه ما أزال يعاني من تبعات هذه المظلمة الى حد الآن بسبب عرقلة السلطات بعد الثورة لتعيينه كسفير للجامعة العربية بتونس معاقبة له حسب قوله على تقديم شكوى قضائية ضد عبد الوهاب
عبد الله ورموز النظام السابق المسؤولين عن المظلمة المذكورة المسلطة عليه من قبل النظام السابق التي استمرت أطوارها من 2006 الى فيفري 2011 .
وبحسب السفير السابق أهم رسالة تحملها هذه الشهادة هي ضرورة اهتمام السلط الشرعية بإصلاح الدبلوماسية باعتبار أن هذا الملف لا يقل أهمية عن إصلاح القضاء والإعلام .
****
المقدمة:
أود في البداية أن أتوجه بجزيل الشكر والامتنان الى باعث هذه المؤسسة العلمية والبحثية العريقة الأستاذ الجليل السيد عبد الجليل التميمي لتفضله بإتاحة هذه الفرصة الثمينة لي لأسلط بعض الأضواء ، التي أتمنى أن تكون مفيدة ، عن موضوع الدبلوماسية والفساد في ظل النظام السابق .
وفي الواقع ، لقد سبق لي أن أثرت هذا الموضوع في المداخلة الموجزة التي ساهمت بها ، بدعوة كريمة من الأستاذ عبد الجليل التميمي ، في المؤتمر الثامن الثلاثين لمنتدى الفكر المعاصر حول « محاربة الفساد السياسي والإداري والاقتصادي والجامعي بالمغرب العربي » الذي انتظم بمدينة زغوان من 6 الى 8 ديسمبر 2012 بالتعاون بين مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات ومؤسسة كونراد أديناور والمكتب الاقليمي ضد الفساد للمنطقة .
وتجدر الإشارة الى أن حساسية موضوع هذه الشهادة تقتضي التوضيح منذ البداية أن الفساد المرتبط بالعمل الدبلوماسي يقتصر على فترة حكم النظام السابق وقد اتخذ أشكالا متعددة لعل من أبرزها إساءة استعمال سلطة ونفوذ الرئيس السابق وعائلته لتحقيق منافع ذاتية من خلال الحصول على عمولات من مستثمرين أجانب وتهريب أموال وبناء مصالح ومشاريع خارج حدود الوطن وكل ذلك على حساب المصلحة العامة للبلاد . ومن هذا المنطلق يتعين الفصل التام بين ممارسات هذا النظام التي أساءت الى صورة تونس ودورها ومكانتها ومصالحها الخارجية وبين المؤسسة الدبلوماسية التونسية المنزهة عن كل شكل من أشكال الفساد والتي تعتبر من أكبر ضحايا الدكتاتورية ، كما سنبينه لاحقا .
وقد يكون من المفيد التذكير في هذا الصدد بما قدمته الدبلوماسية التونسية لتونس منذ فترة النضال ضد الاستعمار مرورا بفترة البناء في ظل نظام الرئيس بورقيبة وبعده ، إلاّ أن مردودها في ظل النظام السابق تأثر سلبا بفعل تجريدها من مهنيتها وتراجع امكانياتها وتوظيفها لأغراض لا علاقة لها بمصالح تونس .
ونظرا لغزارة المادة ، فقد ارتأيت تجزئة هذه المحاضرة الى محورين أساسيين يتعلق الأول بالإطار العام للعمل الدبلوماسي بدولة الامارات وممارسات الفساد الصادرة عن النظام السابق التي أمكن لي رصدها ومعاينتها أثناء فترة عملي كسفير . اما المحور الثاني فسأخصصه الى المظلمة المسلطة عليّ طيلة ست سنوات من قبل النظام السابق بسبب عدم حضوري الشخصي كسفير للتغطية على عملية تهريب أموال ضخمة بالعملة الصعبة الى الامارات من احدى قريبات الرئيس السابق وهي جليلة الطرابلسي شقيقة زوجة الرئيس السابق ، وسأكشف في هذا اإطار على ممارسات الفساد الإداري والسياسي والقضائي والاقتصادي والإعلامي التى تم اللّجوء اليها لتحطيمي والزج بي في السجن مع الإشارة الى أن هذه القضية كانت لها تداعيات بعد الثورة وما تزال تبيعاها السلبية تلاحقني الى هذا اليوم .
وبالتالي سأقوم بتجزئة المحور الثاني لكشف أطوار هذه المظلمة قبل الثورة وبعدها ولاسيما خلال الفترة الانتقالية الأولى مع الإشارة الى أنني شرعت بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في مساع متعددة لدى السلطات المنتخبة والحكومة الحالية لرفع الظلم عني واسترداد حقوقي وجبر الضرر المادي والمعنوي ، إلاّ أنني ما زلت في انتظار نتائج هذه التحركات .
وعلى صعيد متصل سأتطرق الى الإجراءات التي اتخذها النظام السابق منذ استيلائه على السلطة بتونس لإضعاف الدبلوماسية التونسية وتقليص الإمكانيات الماديّة المتاحة لها وتجريدها من مهنيتها ومن هويتها فضلا عن مصادرة صلاحياتها الأساسية في مجال التعاون الدولي من خلال حذف كتابة الدولة للتعاون الدولي المرتبطة بوزارة الخارجية . هذا الى جانب احداث وكالة الاتصال الخارجي التي تحولت الى آلة دعائية للنظام تهدف بالأساس الى تلميع صورته والتستر على اخفاقاته وفشل سياساته . ولا شك أن هذه السياسة الممنهجة هي التي مهدت لسيطرة الرئاسة والعائلة الرئاسية على السفارات والوزارة والبعثات الخارجية بغرض تحويل وجهتها والانحراف بها من خدمة المصالح العليا للبلاد الى خدمة مصالح الرئيس وعائلته . ولا بد من التأكيد على ضرورة ايلاء السلطات الشرعية في هذه المرحلة الأهمية اللازمة لإصلاح الدبلوماسية التونسية ومقاومة الفساد المرتبط بالعلاقات الخارجية لأنه لا يقل أهمية عن الاصلاحات الكبرى المطلوب ادخالها على القضاء والإعلام وغيرها من القطاعات الحيويّة .
وأود الإشارة بداية الى أنني لا أدّعي القدرة على الإحاطة بكافة جوانب ملف الفساد في الحقل الدبلوماسي حتى بالنسبة لدولة الامارات لتعدد أوجهه من ناحية ولكونه من المواضيع المسكوت عنها من ناحية أخرى ، هذا فضلا عن عدم وجود مراجع وأبحاث باستثناء ما ورد بتقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة الصادر في أكتوبر 2011 الذي خصص بابا لواقعة تهريب الأموال المشار إليها المتعلقة بشقيقة زوجة الرئيس السابق الى دبي التي قمت بالكشف عنها ، والوارد ذكرها ضمن تقرير رفعته الى اللجنة خلال شهر أفريل 2011 . وقد تناولت فيه آنذاك ممارسات الفساد ذات الصلة بما درج على تسميته بمشاريع التعاون الكبرى مع دولة الامارات العربية المتحدة التي تزامنت في جانب كبير منها مع فترة عملي كسفير بأبوظبي .
استشراء الفساد في المجال الدبلوماسي خلال العشرية السابقة للثورة
الجدير بالذكر أنني استلمت مهامي كسفير في بداية 2005 في ظروف تميزت باستشراء الفساد في كافة مفاصل الدولة وبالذات فساد العائلة الرئاسية المرتبط بالحقل الدبلوماسي ، وقد تزامن ذلك مع أحكام السيطرة على البعثات الدبلوماسية والقنصلية وتوظيفها في مساعدة الرئيس وأفراد عائلته للحصول على منافع ماديّة في الداخل والخارج ذات صلة بمشاريع التعاون والاستثمار مع الأطراف الخارجية فضلا عن التغطية على الممارسات المشبوهة من قبيل تبييض وتهريب الأموال .
والملاحظ أن التحريات التي قامت بها لجنة تقصي الحقائق حول ملف تهريب أقضت الى احالة الملف الى النيابة العمومية كما ورد بالتقرير المذكور للجنة تقصي الحقائق للرشوة والفساد من الصفحة 237 الى الصفحة 239 بالفقرة 11 الواردة بالفرع التاسع وهو بعنوان « سوء استعمال السلطة لتحقيق منافع لغاية نفسه أو لغيره » . والمقصود بالأطراف المنسوب لها مثل هذه التجاوزات ، أفراد ينتمون لعائلة الرئيس السابق ووزير سابق في عهده وهي في قضية الحال جليلة الطرابلسي شقيقة زوجة الرئيس السابق الى جانب وزير الخارجية السابق عبد الوهاب عبد الله . والجدير بالذكر أن النيابة العمومية أوكلت الى عميد قضاة التحقيق التعهد بهذا الملف وتم في اطار الأبحاث المتصلة به اجراء مكافحة بيني وبين جليلة الطرابلسي في شهر جانفي 2012 . وقد أكدت المذكورة أثناء المكافحة الطابع المسيّس لهذه القضية ومسؤولية النظام السابق في المظلمة المسلطة علي ولكنها حاولت التنصل من المسؤولية الشخصية زاعمة أن صخر الماطري هو الذي كان وراء اقدام الرئيس السابق على انهاء مهامي كسفير وملاحقتي قضائيا وهو ما يؤكد الطبيعة الكيدية لهذه القضية وعلاقتها المباشرة بفساد النظام والعائلة الرئاسية .
أما في ما يتعلق بالمشاريع الاستثمارية الكبرى مع الإمارات ، ومنها خاصة مشروع سما دبي ومشروع مدينة تونس الرياضية وخوصصة نسبة 35 % من رأس مال اتصالات تونس ، فإنني لا أعلم ماذا تم بشأنها من قبل لجنة تقصي الحقائق في الرشوة والفساد التي قمت بمدها بطلب منها بتقرير شامل حول ممارسات الفساد ذات الصلة بهذا الملف . والجدير بالذكر أن السفارة هي التي هيأت الظروف الملائمة لانطلاق هذه المشاريع التي تقدمت الاتصالات المتعلقة بها الى درجة ابرام الصفقات والشروع في التنفيذ ، ولكن فساد العائلة الرئاسية تسبب في عرقلتها وإفشالها . ولعلها أفضل تجسيد لانحراف النظام السابق بالدبلوماسية التونسية عن مهامها الرئيسية وتحويل وجهتها كليا من خدمة المصالح العليا للبلاد الى خدمة المصالح الخاصة والضيقة للعائلة الرئاسية بكافة فروعها وتفرعاتها . ولا شك في أن هذا الانحراف الخطير هو المسؤول عن فشل هذه المشاريع من خلال الرسائل السلبية الموجهة للشريك الاماراتي كما سنبينه بالتفصيل لاحقا ، كما سنبيّن تباعا المسؤولية الأساسية لهذا النظام والعائلة الرئاسية والأطراف التابعة والمتحالفة معها سياسيا واقتصاديا ، في إفشال الدبلوماسية الاقتصادية التونسية بالإمارات تحديدا وبمنطقة الخليج بصفة عامة ولعل هذه من أهم الحقائق المسكوت عنها التي سأحرص على الكشف عنها في اطار هذه الشهادة .
استهداف الدبلوماسية وأضعافها من قبل النظام السابق
هذا وسأتطرق أيضا الى مسؤولية النظام السابق التاريخية في ضرب الدبلوماسية التونسية وأضعافها على امتداد فترة حكمه من خلال تجريدها من هويتها ومهنيتها والحد من الامكانيات والطاقات المادية والبشرية المرصودة لها وكذلك من خلال مصادرة اختصاصاتها وتشتيت طاقاتها المتواضعة وتسخيرها للأغراض الدعائية وحجب الحقائق عن فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية للنظام البائد . ولعل أفضل تجسيد لهذه السياسات التخفيض الكبير من ميزانية وزارة الخارجية الذي أقدم عليه النظام السابق في مطلع التسعينات مما ألحق الضرر البالغ بظروف العمل المادية والمعنوية للدبلوماسيين التونسيين بالخارج فضلا عن الحط من الامكانيات المتاحة للبعثات الدبلوماسية عموما مما انعكس سلبا عن أدائها ومردوديتها .
كما عمد الرئيس السابق – الذي كان يحمل أحقادا شخصية على وزارة الخارجية باعتبار أن فترة عمله كسفير وقبلها كملحق عسكري اقترنت بفترات الابعاد والعزل السياسي في مسيرته المهنية فضلا عن روابطه المتوترة مع أبناء الوزارة – الى تقليص المهام الموكولة للوزارة بإلغاء كتابة الدولة للتعاون الدولي التابعة لها وفصل هذا الاختصاص عن الدبلوماسية من خلال احداث وزارة التعاون الدولي والاستثمار الخارجي . وفي نفس السياق تقرر منذ استيلاء بن علي على السلطة استقدام إطارات من خارج الوزارة لتكليفها بإدارة الكتابة العامة والشؤون الإدارية والمالية للوزارة في إشارة واضحة الى الرغبة في ابعاد الدبلوماسيين المهنيين عن هذه المواقع الحساسة ، مما جعلهم يفقدون السيطرة على مصيرهم المهني ومسيرتهم الدبلوماسية التي أصبحت تدار من قبل الرئاسة وفقا لاعتبارات لا علاقة لها بمصالح البلاد ولا مصالح أبناء الوزارة .
وعلى صعيد متصل كان إحداث وكالة الاتصال الخارجي في مطلع التسعينات ضربة أخرى موجهة للدبلوماسية التونسية لأنه أدى عمليا إلى احداث سفارات موازية في أهم المراكز الدبلوماسية ، وكان الدور الموكول لبعثات الوكالة متداخلا مع دور السفارات وهو شكل آخر من أشكال الانحراف بالعمل الدبلوماسي وتوظيفه للأغراض الدعائية ولتلميع صورة النظام من خلال تزييف الحقائق عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المندية بتونس . والجدير بالذكر أن وكالة الاتصال الخارجي الخاضعة إداريا لرئاسة الجمهورية وتحديدا لعبد الوهاب عبد الله كانت من أكبر بؤر الفساد المالي والإداري والسياسي .
والملاحظ أن ممثلة الوكالة بأبوظبي أثناء فترة عملي كسفير كانت الصحفية بثينة جبنون التي كانت تتحصل على اعتمادات هامة مباشرة من رئاسة الجمهورية وكانت توظف جانبا من هذه الامكانيات لتلميع صورة النظام والدعاية له ، وكانت تصدر لهذا الغرض مجلة بعنوان " بثينة “ ذات مضمون دعائي .
ولا بد من الاشارة أيضا الى أن النظام السابق عمد الى ضرب الدبلوماسية في مهنيتها وهويتها من خلال حصر تعيين المهنيين في المناصب العليا على رأس السفارات والقنصليات في الحدود الدنيا ، وإزاء بوادر الاحتجاج التي أثارتها هذه السياسة الممنهجة في مطلع التسعينات ، قام بإحالة أعداد كبيرة من إطارات الوزارة من المهنيين على التقاعد الوجوبي المبكر وهم في عز عطائهم مما أدى لإشاعة أجواء من الرعب والخوف في أوساط المهنيين ، خاصة بعد اقدام النظام أيضا على تلفيق قضية جوسسة وخيانة ضد احد الدبلوماسيين المرحوم الدالي العماري والزج به في غياهب السجون لمدة طويلة مما قضى على أي نفس احتجاجي بالوزارة ، وفتح المجال أمام النظام للعبث بالدبلوماسية لأكثر من عقدين مما أدّي الى التدهور الخطير الذي طال مكانة تونس وعلاقاتها وتعاونها مع الأطراف الخارجية فضلا عن تراجع دورها على الساحة الدولية .
استمرار المظلمة المسلطة عليّ بعد الثورة
وبعد هذه المقدمة الطويلة الضرورية لبيان أسباب استشراء الفساد في الدبلوماسية في ظل النظام السابق ، ارتأيت الانطلاق من قضية تهريب الأموال المذكورة لأنها ذات صلة مباشرة بالقضية الرئيسية التي ستكون المحور الرئيسي الثاني لهذه الشهادة وهي المظلمة المسلطة علي من قبل النظام السابق طيلة خمس سنوات متتالية بداية من 2006 . واللافت للانتباه أن هذه المظلمة استمرت بأشكال مختلفة بعد اندلاع الثورة بل أن تداعياتها ما تزال قائمة الى حد الآن ، والحال أنها انتهت في جانبها المتعلق بالتتابعات القضائية الظالمة ضدي من قبل النظام السابق بحكم لعدم سماع الدعوى ، صدر لصالحي منذ 21 فيفري 2011 ، وذلك بعد صدور حكم غيابي بحقي بست سنوات سجن بتاريخ 4 نوفمبر 2010 بناء على إدعاءات باطلة وملفقة بالاستيلاء على أموال ومنقولات عمومية .
وقبل الخوض في تفاصيل هذا الملف الذي يختزل مختلف أصناف الفساد السياسي والإداري والقضائي والاقتصادي والمالي والإعلامي ، أود الاشارة الى أنني صدمت منذ الأشهر الأولى بمناخ الفساد البائد في الدبلوماسية والإدارة والاستباحة الكلية لإمكانيات الدولة من قبل العائلة الرئاسية . ومن مظاهر ذلك أنه تم انتداب المعينة المنزلية الفليبنية التي كانت تعمل بمنزلي كسفير للعمل كمربية لابن الرئيس السابق بمقر اقامته بقرطاج مع الزام السفارة بمواصلة صرف مرتبها بالعملة الصعبة بحسابها البنكي بأبوظبي . والملاحظ أن هذا الفساد المالي الواضح استمر لمدة سنوات والمرجج أنه انتهى فقط بعد سقوط النظام وفرار الرئيس السابق الى السعودية حيث اصطحب معه الموظفة المذكورة .
ولكل هذه الأسباب فأنني أعتبر هذه الشهادة مساهمة مني في كشف الحقائق وفضائح النظام السابق ذات الصلة بالفساد سعيا لتفعيل المحاسبة وآليات مقاومة الفساد وهي الخطوة الأولى لتحقيق العدالة الانتقالية التي يفترض أنها تتصدر اهتمامات السلطات الشرعية لاسيما في هذه المرحلة الاصلاحية ومرحلة البناء المؤسساتي والديمقراطي التي تمر ربها تونس . كما أعتبر هذه الشهادة دعوة الى السلطات الشرعية لايلاء ملف الفساد في المجال الدبلوماسي ما يستحقه من اهتمام أخذ بعين الاعتبار أنه لا يقتصر على الأجهزة التابعة لوزارة الخارجية بل كان يشمل أيضا أجهزة رئاسة الجمهورية ووزارة العدل ووكالة الاتصال الخارجي التي كانت تعمل بشكل متناسق على الانحراف بالدبلوماسية التونسية وتحويل وجهتها من خدمة المصلحة العليا لتونس الى خدمة مصالح العائلة الرئاسية وتلميع صورة النظام الدكتاتوري ومعاقبة السفراء والموظفين وكبار السياسيين والإداريين الذين يعتبرون مقصرين في خدمة العائلة المالكة للرئيس السابق .
وعلى صعيد متصل ، فإن هذه الشهادة تشكل أيضا رسالة الى السلطات الحالية المنبثقة عن انتخابات المجلس الوطني التأسيسي مفادها أن الفساد الإداري والسياسي المرتبط بقضيتي استمر بعد الثورة بوزارة الخارجية بدليل أنه تمت معاقبتي واضطهادي من جديد وحرماني من استرداد حقوقي ورد اعتباري بسحب ترشيحي من خطة رئيس مركز جامعة الدول العربية بتونس بمجرد علم السلطات الانتقالية الأولى بأنني قمت برفع دعوى قضائية ضد عبد الوهاب عبد الله وجليلة الطرابلسي وعدد من كبار السياسيين والإداريين من ازلام النظام السابق المورطين في هذه القضية . كما أن هذه الشهادة تشكل دعوة للسلطات الحالية لتدارك هذه المظلمة الجديدة وتفعيل العدالة الانتقالية خاصة وأن ذلك كان وما يزال ممكنا في الإطار الإداري ودون حاجة الى التظلم للقضاء وذلك من خلال اعادة تثبيتي في الخطة الدبلوماسية المذكورة .
وسأعتمد أسلوب السرد التاريخي للوقائع والأحداث منذ بداية مهمتي كسفير في بداية 2005 وسأسلط الأضواء بالنسبة لكل حدث هام على الجوانب والممارسات الممكن تصنيفها ضمن أعمال الفساد السياسي أو الإداري أو المالي أو القضائي أو الإعلامي لاسيما وأن هذه القضية تجسد للأسف كل هذه الأشكال من الفساد قبل الثورة وبعدها .
1) المحور الرئيسي الأول : سيخصص هذا المحور لممارسات الفساد التي وكتبها قبل إنهاء مهامي كسفير ، وهي تتعلق أساسا بالمشاريع الاستثمارية الكبرى التي سبقت الاشارة إليها . ويمكن ايجازها في النقاط التالية :
تموقع أفراد العائلة الرئاسية كوسطاء في ما يسمى بمشاريع التعاون الكبرى مع الإمارات التي انطلقت أثناء فترة عملي كسفير ومنها خاصة مشروع سماء دبي ( بلحسن الطرابلسي) ومشروع مدينة تونس الرياضية مع مجموعة أبو خاطر ( صخر الماطري ونجل الرئيس السابق ) ومشروع خوصصة 35% من رأس مال شركة اتصالات تونس (بلحسن الطرابلسي ).
وقد حظيت هذه المشاريع ذات الأحجام الاستثمارية الكبرى المقدرة بمليارات الدولارات باهتمام شخصي من قبل الرئيس السابق وعائلته الى درجة أنه تم استحداث دائرة خاصة برئاسة الجمهورية بحجم وزارة لإدارة ومتابعة هذه الصفقات وكان برأسها مسؤول برتبة وزير .
وكنت كسفير مستبشرا بهذه العناية الرئاسية الخاصة التي ساهمت في خلق قوة دفع سياسية قوية للاستثمارات الإماراتية وحتى الخليجية باتجاه تونس من خلال تمرير رسالة سياسية قوية الى المسؤولين السياسيين وأوساط المال والأعمال في الإمارات مفادها أن هناك اهتمام في أعلى مستوى القرار بالتعاون مع الإمارات وهو ما ساهم في تغذية حركة الاقبال باتجاه تونس من رجال الأعمال الإماراتيين والخليجيين للبحث عن فرص استثمارية مجدية ومربحة ، وقد وقع التوصل الى ابرام الصفقات المتعلقة بالعديد من هذه المشاريع وشرع أيضا في انجازها ولكنها أصيبت بانتكاسة وتعذر استكمالها للأسباب السابق بيانها والمتعلقة أساسا بفساد العائلة الرئاسية .
فقد أدركت بسرعة أن هذا الاهتمام الرئاسي والعائلي لم يكن بدافع خدمة مصالح تونس وجلب الاستثمارات إليها بل كان يهدف بالأساس إلى التموقع كوسطاء في هذه المشاريع للحصول على العمولات والمنافع المادية والعينية مقابل توفير التسهيلات والامتيازات التي كانت تمنح خارج الاطر القانونية وعلى حساب مصالح تونس ، ومن ذلك على سبيل المثال الحصول على رشاوي وعمولات ضخمة مقابل التفويت بالقيمة الرمزية في الأراضي والمناطق البحرية المحيطة بميناء تونس في إطار الصفقة المبرمة في بداية 2007 لإنجاز مشروع سماء دبي السياحي الخدمي والترفيهي . ومن خلال ما أمكنني الحصول عليه من معلومات شبه مؤكدة من مصادر موثوقة ، فقد تحصل بلحسن الطرابلسي على عمولات ومبالغ هامة مقابل توسطه لفائدة الشركة الإماراتية التي فازت بصفقة خوصصة بنسبة 35 % من رأس مال اتصالات تونس . كما كان صخر الماطري وابن الرئيس السابق الرضيع انذاك من المستفيدين من صفقة مدينة تونس الرياضية مع مجموعة أبو خاطر الإماراتية .
وعلى صعيد متّصل علمت أن صخر الماطري وسليم شيبوب وأفراد آخرين كانوا يتمتعون بإقامات بالإمارات بوصفهم رجال أعمال ومستثمرين مما فتح لهم المجال لإقامة مشاريع ومصالح داخل الإمارات وخارجها في قطاع الخدمات السياحية والمشاريع العقارية كما سمح لهم بفتح حسابات بنكية وتحويل الأموال التي كانت في الغالب مبالغ نقدية ضخمة بالعملة الصعبة مهربة من تونس وكانت السفارات تكلف من قبل وزير الخارجية السابق عبد الوهاب عبد الله بتأمين الاستقبال الرسمي عبر القاعات الشرفية بالمطار وتوفير كافة التسهيلات لأفراد العائلة الرئاسية أثناء تنقلاتهم العديدة بالمنطقة الخليجية عموما وبدولة الإمارات تحديدا .
وقد لاحظت أن تعيين عبد الوهاب عبد الله كوزير للخارجية تم في صائفة 2005 مع انطلاق حركية الاستثمار الإماراتي باتجاه تونس ، وكان يتولى شخصيا الاتصال بالسفير لتأمين الرعاية والإحاطة لأفراد العائلة الرئاسية ولم تكن السفارات على علم بنوعية الأنشطة المحرمة من قبيل تهريب وتبييض الأموال التي كانت ضالعة فيها العائلة الرئاسية ولكنها كانت مكرهة على توفير الاستقبال الرسمي والإحاطة والرعاية لأفراد عائلة الرئيس . ويعد ذلك مظهر آخر من مظاهر الانحراف بالعمل الدبلوماسي وتوظيفه للتغطية على أعمال اجرامية لا علاقة لها بالمصلحة العامة .
كما لاحظت أن العائلة الرئاسية كانت تعتمد على شبكة من رجال الأعمال التونسيين المقيمين بالإمارات لخدمة مصالحها ومن بينهم خاصة عبد الوهاب شعبان المعروف بصداقته مع عبد الوهاب عبد الله وروابطه الشخصية المباشرة مع الرئيس السابق ولا يستبعد أن يكون أحد الأطراف الرئيسية المكلفة برعاية مصالح العائلة الرئاسية بدبي وبالمنطقة الخليجية .
ولا بد من الاشارة هنا الى أن السفراء وأعضاء السفارة كانوا يسخرون فقط في الجوانب التشريفية وكانوا مغيبيّن عن قصد من المحادثات واللقاءات المتصلة بهذه النوعية من الزيارات أو الصفقات المشبوهة وبالتالي لا يمكن اتهامهم بالضلوع في فساد العائلة الذي علمت أنه استفحل واتخذ أشكالا جديدة بعد انهاء مهامي تعسفيا كسفير .
ولا شك أن مظاهر فساد العائلة الرئاسية المتصلة بهذه المشاريع ساهمت الى حد كبير في افشال مشروعي سماء دبي ومدينة تونس الرياضية لأنها حملت رسائل سلبية الى المسؤولين الإماراتيين عن الطبقة السياسية بتونس ، التي برزت في مظهر يوحي بأنها لا تبحث إلاّ على الكسب المادي وغير مطمئنة لمستقبلها بتونس وهي تسعى تباعا لبناء مصالح خارج حدود الوطن . فكيف يطمئن المستثمر الإماراتي والحال كهذا على مستقبل استثماراته بتونس خاصة وقد تلقى رسالة أخرى سلبية مضرة بصورة المؤسسات والأجهزة الرسمية التي بدت له غير ذات قيمة باعتبار أن خدمة مصالحه تمر حتما عبر وساطات العائلة الرئاسية .
2) المحور الأساسي الثاني : كما سبق ذكره سيخصص هذا المحور لسرد وقائع الفساد السياسي والإداري والقضائي والمالي والإعلامي المرتبط بالمظلمة المسلطة عليّ طيلة ست سنوات بداية من 2006 وما تزال تبعاتها متواصلة بعد الثورة والى حد الآن . وسأتطرق في هذا الاطار بصفة خاصة الى التجاوزات التي تعرضت اليها بعد الثورة انطلاقا من محاولة غير قانونية لمصادرة حقوقي المكفولة قانونيا في التتبع والحصول على التعويض وجبر الضرر المادي والمعنوي وصولا الى حرماني من التعيين في خطة دبلوماسية بسبب تقديمي لشكوى قضائية ضد رموز النظام السابق وكبار السياسيين والإداريين الضالعين في المظلمة المسلطة علي . كما سأبين في هذا الاطار استمرار الفساد الإداري بعد الثورة بوزارة الخارجية خلال الفترة الانتقالية الأولى ، وسأكشف عن أشكال هذا الفساد وارتباطه بالرغبة غير المعلنة لبعض الأطراف المورطة في القضية لحماية نفسها وحماية رموز النظام السابق من المحاسبة والملاحقة القانونية .
هذا وسأتطرق أيضا للصعوبات التي أواجهها بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي وانتصاب السلطات الشرعية لاسترداد حقوقي ورد اعتباري والحصول على جبر الضرر المادي والمعنوي والحال أن ذلك كان وما يزال ممكنا بقرار سياسي وإداري .
وأود الاشارة الى أنني كنت قد تقدمت خلال شهر أفريل الماضي بملف الى اللجنة المستحدثة بوزارة الخارجية للنظر في ملفات الفساد بالوزارة ، إلا أن هذه اللجنة أنهت مهامها وأحالت 14 ملفا الى القضاء دون ابلاغي بمآل الملف الذي عرضته عليها ، مع الاشارة أيضا الى أنني طلبت فتح تحقيق إداري حول الممارسات التي أدت الى التلاعب بترشيحي لخطة رئيس مركز تونس لجامعة الدول العربية من قبل المسؤولين المشرفين على الوزارة خلال الفترة الانتقالية الأولى بعد الثورة .
ممارسات الفساد المرتبطة بالقضية قبل الثورة : انطلقت القضية في مارس 2006 باتصال هاتفي من وزير الخارجية انذاك عبد الوهاب عبد الله لإعلامي بزيارة شقيقة زوجة الرئيس السابق جليلة الطرابلسي لدبي مع دعوتي لتأمين الاستقبال والإحاطة والمساعدة لها بالمطار وأثناء فترة اقامتها . والملاحظ أن وزير الخارجية كان يتولى شخصيا ترتيب مثل هذه الزيارات والسهر على معاملة أفراد العائلة الرئاسية كشخصيات رسمية وهو مظهر من مظاهر الانحراف بالعمل الدبلوماسي باعتبار أن السفارات كانت مجبرة على تسخير طاقاتها لخدمة أفراد أسرة الرئيس وذلك على حساب مهامها الأصلية التي يفترض أنها مخصصة لخدمة المصلحة العامة والتعاون مع بلد الاعتماد .
ونظرا لارتباطي بالتزامات أخرى أرسلت مستشار السفارة الذي تعذر عليه فتح القاعة الشرفية بسبب ضيق الوقت ، وأثار ذلك انفعال جليلة الطرابلسي وغضبها وعزت ذلك لغياب السفير خاصة وأنها اضطرت للمرور عبر الاجراءات الديوانية العادية ، وتبيّن أن زوجها المرافق لها كان يحمل حقيبة صرح أمام الجمارك ومستشار السفارة أنها تحتوي على مبلغ مالي نقدي بقيمة 550 ألف أورو . ويؤكد هذا الأمر ضلوع العائلة الرئاسية في عمليات تهريب أموال الى الخارج وضلوع وزير الخارجية عبد الوهاب عبد الله في التغطية على هذه العمليات من خلال توظيف السفارات دون أن يكون السفراء على علم مسبق بهذه التجاوزات . وبعد عودة جليلة الطرابلسي الى تونس اتصل بي وزير الخارجية وكان في حالة انزعاج مما اعتبره تقصيرا في حق عائلة الرئيس وطلب مني إجراء تحقيق في الحادثة ، فوجهت إليه تقريرا أعده مستشار السفارة تضمن الظروف والملابسات المحيطة بالاستقبال .
وبعد حوالي شهر فوجئت بقدوم مساعد مدير الشؤون الإدارية والمالية بالوزارة في مهمة رقابة بالسفارة وبناء على التقرير الذي أعده تم انهاء مهامي كسفير في اطار الحركة السنوية للسفراء لصائفة 2006 ، وهذا القرار كان في الواقع اجراء عقابيا على عدم استقبالي لجليلة الطرابلسي وتبين لاحقا أنه كان مقدمة لمحاولة ابعادي عن الوزارة من خلال إرغامي على الاستقالة وذلك رغم أنني كنت مدعوا رسميا لاستئناف العمل بالوزارة بتاريخ 20 سبتمبر 2006 .
ويجدر التذكير بأن انهاء مهامي كسفير تم استنادا الى رسالة قيل أنها مجهولة المصدر ولكنه تبيّن أنها كانت مفتعلة ومنسقة مسبقا مع الكتابة العامة للوزارة من أطراف تم لاحقا أثناء التحقيق استدعائها للشهادة ضدي من قبل الوزارة والحال أنها ليست طرفا في القضية باعتبار أنها لم تتقدم بشكايات ضدي ومع ذلك تكفلت الوزارة بنفقات سفر هذه الأطراف ذهابا وإيابا من أبوظبي الى تونس والحال أن احدى تلك الجهات ليست لها أصلا علاقة إدارية بالسفارة ولكن الوزارة انتدبتها ووظفتها لتثبت اتهامات باطلة ضدي وأنفقت من المال العام لاستدعاء هؤلاء الشهود المزعومين للإدلاء بشهادات ثبت قضائيا أنها مزورة وهو ما يبيّن حجم الفساد الإداري والمالي الذي تخلل هذه القضية في كافة أطوارها .
ممارسة ضغوط غير قانونية عليّ لإرغامي على الاستقالة :
بعد عودتي الى تونس وخلال شهر سبتمبر 2006 وهو الموعد المحدد لاستئناف نشاطي بالوزارة تم تكليف كاتب الدولة السيد صلاح الدين الجمالي والكاتبة العامة بالوزارة رفيعة البوندي بإبلاغي قرار رئاسي مفاده بأنني مطالب بالاستقالة الفورية أو مواجهة التتبعات العدلية بناء على ملف إدانة مزعوم حول قيامي بتجاوزات أثناء عملي كسفير ، والملاحظ أن مثل هذه الضغوط غير قانونية لأنها قائمة على قرينة الإدانة المسبقة ومع ذلك تعودت السلطة السياسية ممارستها ضد الموظفين المطلوب التخلص منهم . وقد تم ابلاغي بأن هذا الأمر هو قرار صادر عن رئيس الجمهورية وكانت الاستقالة جاهزة وطلب مني الامضاء الفوري عليه وهو ما يؤكد الطابع السياسي لهذه القضية منذ انطلاقها . والملاحظ أن جليلة الطرابلسي أكدت لي بالفعل أثناء المكافحة القضائية معها بمكتب عميد قضاة التحقيق أن النظام السابق هو المسؤول عن المظلمة المسلطة عليّ بدفع وتحريض من صخر الماطري.
وأود الاشارة حتى أكون أمينا في سرد الوقائع أن السيد صلاح الدين الجمالي حاول التخفيف من وقع الصدمة واستدعاني قبل يومين من الابلاغ الرسمي وأعلمني دون الخوض في التفاصيل بصعوبة الوضع وبوجود قرار خطير يخصني حتى أتهيأ لمواجهة الموقف لدى الابلاغ الرسمي . وقد رفضت الخضوع لهذه الضغوط وطلبت في رسالة موجهة الى وزير الخارجية إعادة التحري في الموضوع لكنّ الوزير رفض هذا الطلب وأصر على الاستقالة . وقد قامت الوزارة بتاريخ 30 أكتوبر 2006 برفع شكاية قضائية ضدي وكانت هذه الدعوة موجهة باسم وزير الخارجية الى وكيل الجمهورية وهي تحمل امضاء الكاتبة العامة للوزارة رفيعة الباوندي وتتضمن ادعاءات تتمثل في اتهامي بالاستيلاء على هاتف جوال وتجاوزات أخرى تم الادعاء بأنها مست بحقوق بعض الأعوان المحليين .
الفساد الإداري والقضائي أثناء مراحل التحقيق :
- حجب أدلة البراءة على القضاء ومحاولة تثبيت الادعاءات الباطلة ضدي : بناء على هذه الشكوى أذن وكيل الجمهورية بفتح تحقيق قضائي ضدي بتهمة الاستيلاء على أموال ومنقولات عمومية ، وتجدر الاشارة الى أن التحقيق الفعلي لم ينطلق إلا بتاريخ 16 فيفري 2007 وفي الأثناء تلقت الوزارة من سفارة تونس بأبوظبي وثائق الجرد ووثائق المحاسبة السنوية المؤرخة في 31 ديسمبر 2006 التي تثبت عدم صحة ادعاءات الوزارة الواردة بالشكاية المشار إليها . لكن الوزارة خالفت القانون بأحجامها عن تقديم هذه المستندات الى حاكم التحقيق في محاولة منها لتثبيت التهم الباطلة ضدي وأضحت بذلك مدانة بإخفاء الحقائق وتضليل العدالة . واستمر هذا الموقف على امتداد فترة التحقيق مما أدى الى صدور قرار ختم البحث عن قاضي التحقيق بتاريخ 30 جوان 2008 القاضي بإحالتي على الدائرة الجنائية لمحاكمتي من أجل هذه التهم الثابت بطلانها .
ولا بد من الاشارة أيضا الى الفساد القضائي المتجسد في تحيز قاضي التحقيق عبد العزيز الزريبي المعروف بخضوعه لتعليمات السلطة السياسية علما أنه لم يأخذ بعين الاعتبار دليل البراءة الذي قدمته إليه منذ البداية والمتمثل في نسخة من وثائق الجرد المشار إليه ، كما أصدر قرارا بمنعي من السفر منذ سبتمبر 2007 مستبقا نتائج التحقيق مما يؤكد أن قرار إدانتي كان مطلوبا من السلطة السياسية .
- بعد قرار ختم البحث تجددت ضغوط الوزارة المطالبة باستقالتي حيث تم استدعائي بتاريخ 9 / 7 / 2008 من قبل الكاتب العام الجديد للوزارة عمار بن لمين الذي أكد قدرة الوزارة على ايقاف التتبعات مقابل العودة الى صيغة الاستقالة ، وهذا يؤكد سيطرة الإدارة على الملف وتحكمها في كافة أطوار القضية بما في ذلك المسار القضائي . ولكنني رفضت الخضوع لهذه المساومات بل قمت بناءا على نصيحة من المحامي بتوجيه مراسلة الى الرئيس السابق لكشف هذه التجاوزات الإدارية والقضائية والمطالبة بوضع حد لها ، إلاّ أنني لم أتلق أي رد على هذه المساعي . وفي الأثناء قمت باستئناف قرار ختم البحث أمام دائرة الاتهام كما يخوّله القانون ، غير أنه تبيّن أن الضغوط ظلت مستمرة على القضاء بدليل أن دائرة الاتهام أيّدت بعد تسعة أشهر قرار ختم البحث وذلك بقرارها الصادر بتاريخ 16 / 3 / 2009 علما أنها لم تأخذ بعين الاعتبار أدلة البراءة المقدمة لها مؤكدة خضوعها التام للإدارة ولإملاءات السلطة السياسية . فقمت بالتعقيب ضد هذا القرار الذي أحالني على المحاكمة أمام الدائرة الجنائية بناءا على تهمتي الاستيلاء على أموال ومنقولات عمومية التي تعرض الى أحكام سجنية خطيرة يمكن أن تصل الى عشرين سنة سجن . فأدركت حينها أنني بلغت مرحلة الخطر فقمت بتسريب الملف الى المنظمات الحقوقية في الداخل والخارج مما زاد في تشنج النظام الذي اتهمني بالسعي الى تشويهه والتعاون مع المناوئين لاسيما بعد أن قام راديو كلمة المعارض بالكشف عن الخلفيات الحقيقية للقضية .
- في محاولة أخيرة للحصول على نسخة قانونية من أدلة البراءة وهي وثائق الجرد والمحاسبة لعام 2006 التي استمرت الوزارة في اخفاءها وحجبها عن القضاء لتثبيت التهم الباطلة ضدي ، قمت باللجوء الى دائرة المحاسبات التي مكنتني من هذه الوثائق ، وعلى أساس هذه المستندات فصلت محكمة التعقيب القضية لصالحي بقرارها الصادر بتاريخ 9 / 12 / 2009 بالنقض لقرار دائرة الاتهام المشار إليه القاضي باحالتي على المحاكمة وأعيد الملف الى دائرة اتهام ثانية لإعادة النظر فيه من جديد .
استمرار الضغط على القضاء والالتفاف على قرار محكمة التعقيب باللجوء الى قضاة
فاسدين
- بعد قرار محكمة التعقيب كان من المفروض أن تسحب الوزارة شكايتها وأن تقدم أدلة البراءة الى القضاء ، مع الإشارة الى أن قرار محكمة التعقيب تزامن مع تعيين السيد كمال مرجان كوزير للشؤون الخارجية تعويضا لعبد الوهاب عبد الله الذي عاد الى رئاسة الجمهورية ، ولكنه استمر في التحكم في ملف القضية مما يؤكد أن ملاحقتي كانت بإيعاز وتعليمات مباشرة من الرئيس السابق . وهذا ما يفسر التضارب الذي لمسته بين موقف وزير الخارجية الجديد السيد كمال مرجان الذي وعدني خيرا مبديا تفهمه لمعاناتي ووعدا بإعادة حقوقي ، وبين موقف الكتابة العامة لوزارة الخارجية التي استمرت في العمل قضائيا على تكريس الادانة ضدي . وهذا ما يؤكد المسؤولية المباشرة للرئيس السابق وعائلته في تحطيم مسيرتي المهنية والإصرار على إدانتي والزج بي في السجن رغم ثبوت براءتي قضائيا بأدلة قاطعة صادرة عن دائرة المحاسبات . وهذا ما يفسر استمرار الوزارة بتعليمات من الرئاسة في العمل على إبطال قرار محكمة التعقيب الصادر لصالحي والسعي الى الالتفاف عليه بأساليب غير قانونية . وقد ازداد اصرار النظام على ادانتي والزج بي في السجن بكافة السبل غير القانونية وبالضغط على القضاء بسبب قيامي بتسريب الملف الى المنظمات الحقوقية بالداخل والخارج خاصة بعد تبنيها لقضيتي وقيام راديو كلمة المعروف بمعارضته للنظام بكشف الخلفيات الحقيقية للملف وهو ما اعتبرته السلطة عملا تشهيريا وعدائيا وتعاملا مع أطراف معادية ومناوئة للنظام .
- في إطار اعداد النظام للالتفاف على قرار محكمة التعقيب الصادر لصالحي وسعيا لافتعال أدلة إدانة جديدة ضدي للاستظهار بها أمام دائرة الاتهام الثانية التي ستنظر مجددا بالملف خلال شهر فيفري 2010 تم خلال شهر جانفي 2011 استدعاء بعض الأطراف السابق توظيفهم ضدي بمقر الوزارة لافتعال شهادات زور ضدي موثقة من قبل عدل اشهاد وقدمت هذه الوثيقة المفبركة خارج الأطر القانونية والقضائية كدليل إدانة ضدي الى دائرة الاتهام الثانية . والملاحظ أن السلطة السياسية أي رئاسة الجمهورية تدخلت لإحالة الملف الى دائرة اتهام يرأسها قاض معروف بخضوعه للتعليمات وقد قام بالفعل بالالتفاف على قرار محكمة التعقيب الصادر لصالحي بتاريخ 09/ 12 / 2009 وتجاهل أدلة البراءة وقرر العودة الى تأييد قرار ختم البحث الصادر أيضا عن أحد قضاة التحقيق المعروفين بخضوعهم للسلطة السياسية مع الإشارة الى أنني تقدمت بعد الثورة خلال شهر ماي 2011 بشكاية الى التفقدية العامة بوزارة العدل وطلبت الإذن بتمكيني من تتبع القضاة الضالعين في المظلمة التي سلطت علي في كافة أطوار القضية انطلاقا من مرحلة التحقيق وصولا الى قراري دائرة الاتهام الثانية والدائرة التعقيبية الثانية الذين أحالاني على المحكمة . والملاحظ أنه في إطار التحضير لهذه المحاكمة المبرمجة سلفا قامت السلطات بتسريب قرار الادانة الصادر ضدي عن دائرة الاتهام الثانية في فيفري 2010 الى بعض الصحف المأجورة والقريبة من النظام السابق ومنها خاصة صحيفة بيزنس نيوز الألكترونية وصحيفتي الصباح و Le temps التي شرعت في حملة اعلامية ضدي منذ ماي 2010 وكانت هذه الحملة تمهد الى صدور الحكم الغيابي بإدانتي وهو ما حصل بالفعل في بداية نوفمبر 2010 .
- وقد قمت بالتعقيب مجددا ضد قرار الادانة الصادر عن دائرة الاتهام الثانية ولكن الملف أحيل أيضا الى دائرة تعقيبية يرأسها قاض فاسد معروف بخضوعه للتعليمات وهو ما يؤكد أن القضاء التونسي كان متحكما فيه ببعض الوجوه المعروفة بالفساد والخضوع للسلطة السياسية . وكما كان متوقعا تراجع هذا القاضي عن القرار التعقيبي الأول وأكد إحالتي على المحاكمة وذلك بقرار صادر بداية جوان 2010 .
تجاهل طلب اجتماع الدوائر المجتمعة واحالة الملف سرا الى المحاكمة :
بعد قرار الدائرة التعقيبية الثانية الصادر بتاريخ 6 / 6 / 2010 باحالتي على الدائرة الجنائية للمحاكمة بتهمة الإستيلاء على أموال ومنقولات عمومية ، تقدمت بطلب اجتماع الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب وفقا لما ينص عليه القانون وذلك للفصل في القضية أما لصالحي على أساس القرار التعقيبي الأول أو ضدي على أساس القرار التعقيبي الثاني . ولكنه تمت مخالفة القانون وتم تجاهل هذا الطلب وأحيل الملف سرا الى المحكمة الجنائية التي أصدرت بتاريخ 4 / 11 / 2010 حكما غيابيا ضدي بست سنوات سجن .
وقد علمت بهذا الحكم الجائر عن طريق الصحف المأجورة التي تم انذاك تسخيرها ضدي بغرض التشهير . والملاحظ أن المحاكمة الغيابية كانت مقصودة لتحقيق غرضين أساسيين، الأول هو التشهير كما سبق ذكره ، والثاني هو جري عنوة الى المحاكمة الحضورية لأنني أصبحت ملزما بالاعتراض على الحكم الغيابي الذي حقق أغراضه التشهيرية ولم يكن ممكنا الحصول عليه لو تم اعلامي بموعد المحاكمة لأنني كنت سأستظهر بأدلة براءتي . والملاحظ أن الاعتراض عليه هو الوسيلة الوحيدة لعدم تنفيذه ولكن الاعتراض يؤدي حتما للمحكامة الحضورية التي حددت ليوم 20 ديسمبر 2010 في أجواء اندلاع الثورة بتونس .
وفي الأثناء قمت بإرسال رسالة احتجاج الى رئاسة الجمهورية قمت فيها بالتنديد بالحكم الجائر الصادر ضدي ، كما قمت بالاستظهار بأدلة البراءة وأبلغت هذه الرسالة مكتوبة وأيضا مسموعة على شريط سمعي بصري وهددت بنشرها على الفايسبوك . وبناء على هذه التحركات قررت الرئاسة تأجيل المحاكمة الى 24 جانفي 2011 وفي الأثناء اندلعت ثورة الكرامة وسقط النظام .
3) مظاهر الفساد السياسي والإداري والإعلامي بعد الثورة خلال المرحلة الانتقالية
الأولى :
- بعد الثورة كنت أظن أن معاناتي قد انتهت وان القضية متجهة بسرعة الى الفصل لصالحي بناء على أدلة براءتي الموجودة بالملف ، وكنت على ثقة بأن القضاء سينصفني بعد زوال الضغوط التي كانت مسلطة عليه في هذه القضية ، وقد تحصلت لاحقا من مصدر موثوق كان يعمل برئاسة الجمهورية أن النية كانت متجهة فعلا بإدانتي بحكم بات بالسجن وتغريمي لصالح الدولة مع الإشارة الى أن الوزارة طالبت بغرامة تساوي 400 ألف دينار تعويضا لما ادعته من أضرار مادية ومعنوية غير أن المحكمة رفضت هذه الطلبات لعدم وجود أدلة تؤيدها وهو ما يؤكد خلو ملف الوزارة من مستندات تؤكد مزاعمها .
والملاحظ أن الملف كان وفقا لمصادر موثوقة يدار بالكتابة العامة لرئاسة الجمهورية من قبل الكاتب العام صلاح الدين الشريف بالتنسيق مع وزارة العدل ووزارة الخارجية التي كانت قد تنفذ تعليمات الرئاسة وهو ما أكده لي أيضا المحامي نبيل العكريمي الذي كان ينوب الوزارة ضدي علما أنه أسر لي بأنه استدعى في مناسبتين الى الرئاسة لتلقي التعليمات مضيفا أنه كان على علم بالخلفيات الحقيقية للقضية ولكنه اضطر للدفاع عن النظام ضد قناعاته حسب ما ورد حرفيا على لسانه حيث قال :« J'ai été l'avocat du diable »
- لكنني فوجئت بعد الثورة بموقف الوزارة وتحديدا من الطاقم الإداري الذي لم يشهد تغييرا حيث استمر السيد كمال مرجان على رأس الوزارة واستمرت الكتابة العامة بتركيبتها القديمة التي أصبحت تخشى من المساءلة ومن ممارسة حقي في التظلم ضدها أمام القضاء لاسيما وأنها أضحت تدرك بأنها غير قادرة بعد الثورة على مواصلة التحكم بمسار القضية، كما كانت تدرك أن القضاء سيفصل حتميا لصالحي مما سيفتح المجال لإمكانية مقاضاتها بسبب التجاوزات العديدة المنسوبة إليها في إدارة الملف التي تعرض للتتبعات بناء على تهم خطيرة ومنها تجاوز السلطات والادعاء الباطل وتضليل العدالة ، وهذا ما يفسر الضغوط التي سلطت عليّ بعد الثورة للتخلي كتابيا وبشكل مسبق وقبل حسم القضية قضائيا على حقوقي في التتبع مقابل وعود وهمية وغير حائزة قانونيا بإسقاط الوزارة لشكايتها . والملاحظ أن مثل هذه الضغوط غير قانونية لأن القضية تخطت كافة مراحل التقاضي وتم الحكم فيها ولا مجال لفصلها نهائيا إلا أمام المحكمة . ومع ذلك حاولت الوزارة أن تفرض عليّ هذا التنازل من خلال مكاتبة المكلف العام لنزاعات الدولة للحصول على موافقته على اجراء مصالحة مزعومة معي . لكنه تمسك بالموقف القانوني المشار إليه ، كما رفضت القبول بهذه الصفقة المشبوهة وغير القانونية التي كانت تشكل في واقع الأمر محاولة للتنصل من المسؤولية من خلال مصادرة حقوقي في التتبع بأساليب غير قانونية مما كان سيؤدي تباع لحرماني أيضا من حقوقي المكفولة قانونيا للحصول على جبر الضرر المادي والمعنوي إما في الأطر الإدارية أو من خلال مقاضاة الوزارة .
وإزاء رفضي القبول بالتنازل مسبقا عن حقوقي عادت الوزارة بعد الثورة لتطلب أمام المحكمة بإدانتي بالاستيلاء على الهاتف الجوال وتغريمي بمبلغ قدره 400 ألف دينار . لكن المحكمة فصلت لصالحي كما كان متوقعا بحكم بعدم سماع الدعوى .
- بعد حسم القضية قضائيا لصالحي عرضت عليّ الوزارة جبر الضرر المادي والمعنوي من خلال تعييني في خطة سفير في اطار حركة السفراء لعام 2011 ، وتم فعلا اختياري لشغل خطة رئيس مركز تونس لجامعة الدول العربية وشرعت الوزارة في انجاز الخطوات الاجرائية المطلوبة مع جامعة الدول العربية تمهيدا لاعتماد هذا التعيين بصفة رسمية بمناسبة اجتماع وزراء الخارجية العرب المزمع انعقاده في شهر سبتمبر 2011 على أن أباشر مهامي رسميا في مطلع سنة 2012 .
وفي الأثناء قمت بتقديم شكوى قضائية ضد عبد الوهاب عبد الله وجليلة الطرابلسي وعدد من كبار السياسيين والإداريين والمسؤوليين عن الممارسات الإدارية غير القانونية التي حاولوا من خلالها الزج بي في السجن فضلا عن تدمير مسيرتي المهنية وملاحقتي قضائيا وتشويهي وما ترتب عن كل ذلك من أضرار مادية ومعنوية بالغة . وقد أحيل الملف الى التحقيق الأوّلي ، إلا أنه وبمجرد علم الوزارة بهذه الشكاية والشروع في الإستنطاقات تم استدعائي رسميا عن طريق كاتب الدولة خميس الجهيناوي الذي أبلغني انزعاج الوزارة من هذه الشكاية لاسيما وأنني تحصلت حسب قوله على التعيين في المركز الدبلوماسي المشار ولا داعي تباعا لطلب هذه الملاحقات القضائية . وقد حاولت أن أوضح للوزارة أنني لم أطلب التعويض المالي والمعنوي ولم أرفع شكوى قضائية مدنيّة ضدها لهذا الغرض ، وان كان ذلك متاحا قانونيا بقطع النظر عن تعييني في الخطة الدبلوماسية التي اعتبرتها تعويضا مجزيا وردا لاعتباري . ولكنني تمسكت بحقي المكفول قانونيا أيضا بتتبع كافة الأطراف التي أساءت لي وتجاوزت سلطاتها وخرقت القوانين لتحقيق هذه الأغراض حتى وان كان ذلك من خلال الخضوع الأعمى الى تعليمات السلطة السياسية .
وإزاء هذا الموقف تمت معاقبتي وتم سحب ترشيحي من الخطة المذكورة باللجوء الى أساليب إدارية ملتوية وغير قانونية لا يتسع المجال لذكرها بالتفصيل مع الإشارة إلى أن المسؤولين عن هذه التجاوزات وهم وزير الخارجية السابق المولدي الكافي وكاتبي الدولة لديه رضوان النويصر وخميس الجهيناوي ظلوا يوهمونني بأنه لم يقع سحب ترشيحي بل مجرد إرجائه الى الدورة اللاحقة لمجلس الجامعة لشهر مارس 2012 .
4) الصعوبات التي واجهتها بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي لتدارك تجاوزات
المرحلة الانتقالية الأولى والحصول على استرداد حقوقي وجبر الضرر المادي والمعنوي:
علمت في أواخر المرحلة الانتقالية الأولى بعد الثورة بأنه تم التلاعب بترشيحي الى خطة رئيس مركز تونس الى جامعة الدول العربية وتعويضي بمرشحين بعد تجزئة الخطة حيث رشح الصحفي رشيد خشانة الى خطة مدير مركز الجامعة العربية بتونس في حين رشح كاتب الدولة رضوان نويصر الى خطة أمين عام مساعد لجامعة الدول العربية . والملاحظ أن الخطة هي في الأصل : « رئيس مركز تونس لجامعة الدول العربية وأمين عام مساعد » وهذا الجمع بين الصفتين هو الذي يعطي للخطة صبغتها السياسية علما أنها آخر خطة تتمتع بها تونس صلب المناصب القيادية بالجامعة العربية .
والملاحظ أن الطاقم السياسي المسيّر للوزارة نسق على ما يبدو هذه التعيينات مع الطاقم السياسي الجديد المرشح لتسيير الوزارة بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي دون ابلاغه بالتطورات السابق ذكرها المتعلقة بترشيحي المشار إليه . ومع ذلك استمر الوزير السابق المولدي الكافي في إيهامي بعد الانتخابات بأنه سيقع التنسيق مع الفريق القادم للترويكا الحاكمة لتثبيت ترشيحي أثناء دورة مجلس وزراء الخارجية العرب لشهر مارس 2012 . لكنني لم أثق بهذه التطمينات المخادعة وقمت بالتظلم إلى رئيس الجمهورية السيد المنصف المرزوقي بمجرد تسلمه لمهامه لاسيما وأنه وعد بمراجعة التعيينات العبثية التي قامت بها حكومة تصريف الأعمال خلال الشهرين الفاصلين بين الانتخابات وتسلم السلطات الشرعية لمسؤولياتها . وبعد استلام وزير الخارجية في الحكومة الشرعية لمهامه قمت بمكاتبته حول نفس الموضوع وطلبت تثبيت ترشيحي وهو نفس الطلب المقدم الى رئيس الجمهورية بعد أن شرحت له أسباب التلاعب بترشيحي وهو كما سبق ذكره الشكوى القضائية المرفوعة للقضاء ضد رموز النظام السابق المسؤولين عن المظلمة المسلطة عليّ في ظل النظام السابق .
ورغم هذه المساعي كانت النية تتجه الي تقديم الترشيحين البديلين عني السابق الإشارة إليهما ، ولكنني قمت بتجديد المساعي لدى رئاسة الجمهورية مما أدى إلى سحب هاذين المرشحين في آخر لحظة خلال شهر مارس 2012 . وقد اعتبرت ذلك خطوة أولى باتجاه استرجاع حقوقي وإعادة تثبيت ترشيحي خلال دورة مجلس جامعة الدول العربية لشهر سبتمبر 2012 .
وخلال شهر أفريل 2012 قمت بتقديم ملف الى اللجنة المستحدثة بوزارة الخارجية لدراسة ملفات الفساد وإحالتها للقضاء وقمت بطلب إجراء تحقيق إداري لكشف الملابسات المحيطة بالتلاعب بترشيحي من قبل المسؤولين عن الوزارة أثناء الفترة الانتقالية الأولى ولكنني لم أتلق أي رد على هذه المساعي . كما قمت بمساع مماثلة لدى السيد رئيس الحكومة من خلال مكاتبة الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بالحوكمة ومقاومة الفساد وكذلك الشأن وزير الاصلاح الإداري ، ولم أتلق أي رد رسمي على كل هذه المراسلات غير أن رئيس ديوان السيد وزير الحوكمة ومقاومة الفساد أفادني في الآونة الأخيرة أنه قام بمراسلة كافة الجهات ذات العلاقة ويبدو أنه تلقى ردودا من قبيل أن الإدارة لها السلطة التقديرية الكاملة للتعامل مع هذا الموضوع وفقا لما تراه . كما أشار الى امكانية اللجوء الى المحكمة الإدارية دون تحديد طبيعة هذه الدعوى والجهة المستهدفة منها .
ومع اقتراب موعد مجلس الجامعة أي اجتماع وزراء الخارجية العرب لشهر سبتمبر 2012 قمت بمساع جديدة لدى الوزارة ورئاسة الجمهورية ، وتم اعلامي من قبل أحد مسؤولي الوزارة أن موضوع التعيين على رأس مركز الجامعة العربية بتونس لم يتم حسمه بعد . كما طلب مني اعلامه بآخر التطورات المتعلقة بالدعوى القضائية المرفوعة مني ضد عبد الوهاب عبد الله والأطراف الضالعة في المظلمة المسلطة عليّ . فأعلمته أنه تم ارجاع الملف الى النيابة العمومية التي قررت بداية جوان 2012 فتح تحقيق قضائي مما يؤكد توفر ما يكفي من عناصر الإدانة لديها ضد الأطراف المشتكى بها ، وإلاّ فإن الشكوى كانت ستحفظ .
هذا وقد أفادني مسؤول الوزارة أن مسؤوليها لا يرون مانعا إذا مارست حقي المكفول قانونيا بالتظلم للقضاء ضد الوزارة وطلب جبر الضرر المادي والمعنوي . فذكرته بالموقف الذي سبق لي تأكيده بأنني أطلب فقط تثبيت ترشيحي في المنصب المذكور وسأعتبر ذلك تعويضا مجزيا وجبرا للضرر المادي والمعنوي . كما أضفت أنني لا أرى داعيا للجوء الى القضاء طالما أن رد اعتباري واسترداد حقوقي كان وما زال ممكنا بقرار سياسي وإداري خاصة وإننا في مرحلة تفعيل العدالة الانتقالية التي تقتضي رفع مظالم النظام السابق بأيسر السبل وكشف الحقائق ومحاسبة المسؤولين وهو ما أطلبه وأصر على تحقيقه .
ونظرا لعدم حصولي على أي رد على مجمل هذه المساعي قمت بتوجيه رسالة جديدة الى رئيس الجمهورية في أواخر أكتوبر 2012 حيث ذكّرته بكافة أطوار القضية منذ بدايتها وجددت فيها طلب استرداد حقوقي في الأطر الإدارية كما سبقت الإشارة إليه .
وعلى صعيد متصل قمت بمقاضاة المدير العام لصحيفة بيزنس نيوز نزار بهلول وهو محال على المحكمة على أساس الفصل 128 بتهمة نسب أعمال غير قانونية الى موظف عمومي دون وجه حق .
كما قمت في الآونة الأخيرة بتذكير وزارة العدل بالشكاية المرفوعة إليها ضد القضاة المورطين في هذه المظلمة ، وطلبت رفع الحصانة عنهم حتى يتسنى لي مقاضاتهم .
ملاحظات ختاميّة :
لقد حاولت من خلال هذه الشهادة تسليط اللأضواء على ممارسات الفساد التي أتيحت لي امكانية معاينتها أثناء فترة عملي كسفير سنتي 2005 و 2006 ، ورغم أن الغاية الأصلية لمحاضرتي هي الكشف عن التجاوزات السياسية والإدارية والمالية والقضائية التي تم اللجوء إليها من قبل النظام السابق لتحطيمي ومعاقبتي على ما اعتبر تقصيرا ازاء العائلة الرئاسية ، إلاّ أنني سعيت قدر الامكان لتوسيع شهادتي حتى يتسنى لي اعطاء صورة أشمل عن مختلف أوجه الفساد مساهمة مني في تفعيل ملفات المحاسبة والعدالة الانتقالية وكشف الحقائق التي يشكل تأخرها في نظري من الأسباب الرئيسية للتأخر الحاصل في الانتقال الديمقراطي والإصلاح المؤسساتي بتونس .
ولا شك في أن إصلاح ما أفسده النظام السابق في المجال الدبلوماسي هو من أهم الملفات المطلوب من السلطات الشرعية الجديدة الاهتمام بها على غرار ملفات القضاء والإعلام خاصة وأن علاقات تونس الخارجية ترتبط ارتباطا وثيقا باستعادة الدورة الاقتصادية لتونس لنشاطها وحيويتها ، ولعل هذا الموضوع الحيوي سيكون لاحقا أحد محاور الاهتمام من قبل مؤسسة التميمي البحثية العريقة المعروفة بأسبقيتها في إدارة حوار وطني هادف حول امهات القضايا المصيريّة التي تهم تونس حاضرا ومستقبلا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.