صفاقس.. الاحتفاظ برئيس بلدية سابق أحدث مكتبا للمهاجرين    فسفاط قفصة لديها 2ر3 مليون طن من الفسفاط التجاري الجاهز للنقل لكن النقل الحديدي لا يؤمن المطلوب    تسجيل عجز بالمليارات في ميزانية الجامعة التونسية لكرة القدم    استشهاد 20 فلسطينياً في قصف للاحتلال على وسط قطاع غزة..#خبر_عاجل    عاجل/ أكثر من 50 عائلة في عزلة جراء انزلاق الطريق بهذه المنطقة..    صفاقس: الإحتفاظ بشخصين من أجل مساعدة الغير على إجتياز الحدود البحرية خلسة    سوسة: الاحتفاظ برئيس المجلس البلدي المنحل والكاتب العام للبلدية    هذه المناطق دون تيار الكهربائي غدا الأحد..    هل يفعلها الفريق المجري ويُؤهل عربات القطارات المُتهالكة!    الجلسة العامة للجامعة: حضور جميع الأندية باستثناء الترجي والقوافل    عاجل/ تأجيل دربي العاصمة..    رفض الإفراج عن المدير العام الأسبق للمصالح المختصة بالداخلية    القصرين: بطاقة إيداع بالسجن في حق شخص طعن محامٍ أمام المحكمة    تونس تشهد موجة حر بداية من هذا التاريخ..#خبر_عاجل    غار الدماء...90 إطارا طبيا وشبه طبي يؤمنون 300 عيادة طبية لسكان منطقة القلعة    مسيرة فنية حافلة بالتنوّع والتجدّد...جماليات الإبدالات الإبداعية للفنان التشكيلي سامي بن عامر    مهرجان ريم الحمروني للثقافة بقابس.. دورة الوفاء للأثر الخالد    في إطار الاحتفال بشهر التراث...«عودة الفينيقيين» إلى الموقع الأثري بأوتيك    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    الجزائر تتوقع محصولا قياسيا من القمح    سحق الإفريقي برباعية: المنستيري يُشعل المنافسة    طقس السبت: ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    أمير الكويت يعلن حل مجلس الأمة وتعليق العمل ببعض مواد الدستور    عاصفة شمسية شديدة تضرب الأرض للمرة الأولى منذ 2003    بعيداً عن شربها.. استخدامات مدهشة وذكية للقهوة!    عاجل/ بعد حادثة ملعب رادس: وزارة الشباب والرياضة تتخذ هذه الاجراءات..    النادي الإفريقي.. القلصي مدربا جديدا للفريق خلفا للكبير    إقالة مدير عام وكالة مكافحة المنشطات وإعفاء مندوب الرياضة ببن عروس    تونس تشدّد على حقّ فلسطين في العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتّحدة    بايدن يخطئ مجددا و"يعين" كيم جونغ رئيساً لكوريا الجنوبية    لأول مرة/ الاتحاد البنكي للتجارة والصناعة يشارك في دعم النسخة 18 من دورة "كيا" تونس المفتوحة للتنس..(فيديو)    بنزرت...بتهمة التدليس ومسك واستعمال مدلّس... الاحتفاظ ب 3 أشخاص وإحالة طفلين بحالة تقديم    مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص أضحية العيد    حالتهما حرجة/ هذا ما قرره القضاء في حق الام التي عنفت طفليها..#خبر_عاجل    المسابقة الأوروبية الدولية بجنيف: زيت الزيتون 'الشملالي' يفوز بميدالية ذهبية    الكريديف يعلن عن الفائزات بجائزة زبيدة بشير للكتابات النسائية لسنة 2023    جندوبة: السيطرة على حريقين متزامنين    عاجل/ الأمم المتحدة: 143 دولة توافق على عضوية فلسطين    قليبية : الكشف عن مقترفي سلسلة سرقات دراجات نارية    في تونس: الإجراءات اللازمة لإيواء شخص مضطرب عقليّا بالمستشفى    البنك المركزي التركي يتوقع بلوغ التضخم نسبة %76    رادس: إيقاف شخصين يروجان المخدرات بالوسط المدرسي    وزير السياحة يؤكد أهمية إعادة هيكلة مدارس التكوين في تطوير تنافسية تونس وتحسين الخدمات السياحية    الأمطار الأخيرة أثرها ضعيف على السدود ..رئيس قسم المياه يوضح    نرمين صفر تتّهم هيفاء وهبي بتقليدها    لهذه الأسباب تم سحب لقاح أسترازينيكا.. التفاصيل    خطبة الجمعة .. لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما... الرشوة وأضرارها الاقتصادية والاجتماعية !    إتحاد الفلاحة : '' ندعو إلى عدم توريد الأضاحي و هكذا سيكون سعرها ..''    أنس جابر في دورة روما الدولية للتنس : من هي منافستها ...متى و أين ؟    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    أضحية العيد: مُفتي الجمهورية يحسم الجدل    عاجل/ مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص شراء أضحية العيد في ظل ارتفاع الأسعار..    عاجل/ هجوم مسلح على مركز للشرطة بباريس واصابة أمنيين..    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    نبات الخزامى فوائده وأضراره    تظاهرة ثقافية في جبنيانة تحت عنوان "تراثنا رؤية تتطور...تشريعات تواكب"    قابس : الملتقى الدولي موسى الجمني للتراث الجبلي يومي 11 و12 ماي بالمركب الشبابي بشنني    سليانة: تنظيم الملتقى الجهوي للسينما والصورة والفنون التشكيلية بمشاركة 200 تلميذ وتلميذة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحسم الثوري المشروع بين "شعرة السيد علي" و"شعرة معاوية"
نشر في الحوار نت يوم 10 - 12 - 2013


تونس في 2013.11.28
عبرت عن شكوكي القوية حول ما يسمى بالحوار الوطني من البداية. لكني اعتبرت حصوله فرصة للتأكد من صحة هذه الشكوك حتى لا يكون ما قلته تشكيكا قد يعتبره البعض مبينا على أحكام مسبقة منطلقة من تحيز سياسي أو عقدي. والآن بعد أن تبين فشل الحوار بسبب اشتراط الوسيط والطرف المعارض الاستسلام اللامشروط من المدافعين عن إتمام المرحلة الانتقالية بالاحتكام إلى الصندوق لا بد من بيان الحل البديل الذي يجعل الشرعية الانتخابية منطلق التوافق بين القوى السياسية. فإذا صدقت نوايا القوى السياسية التي تؤمن بقيم الثورة المطابقة لحقوق الإنسان بأجيالها الثلاثة أن تلجأ الحكم بمنطق التحالف الكبير فتتوسع قاعدته كما نرى ذلك مثلا في ألمانيا بعد الانتخابات الأخيرة.
فالجبهة المكونة من الحكم والمعارضة في التحالف الكبير الحاكم حل تلجأ إليها الأمم ذات النخب المسؤولة بحق في الساعات الحرجة من تاريخها لأنه يعزل القوى الهامشية التي توجد على طرفي المعادلة السياسية يسرة ويمنة دون أن يلغي دورها في النقد والاقتراح. لكني سأبدأ ببيان أن شكوكي التي تأكدت صحتها مصدرها علتان أعرضهما الآن حتى يتبين أن تجربة الحوار في مرحلتيه الأولى والحالية تمثل الدليل الساطع على مشروعيتها:
العلة الأول علة مبدئية بسبب طبيعة الوساطة المخادعة.
والعلة الثانية مستمدة من المعرفة بخلفيات الوسطاء المزعومين.
العلة المبدئية: طبيعة الوساطة المخادعة.
إن حاجة النخبة السياسية التونسية إلى وساطة النخبة ذات الانتساب المزعوم إلى المجتمع المدني فيها مخادعة مضاعفة. فإذا صدق انتسابها إلى المجتمع المدني النقابي خاصة فإنها تقلب التراتب بين الشرعيات فتجعل ممثل الفئات (نقابة) فوق ممثل المواطنين(سياسة).
وإذا لم يصدق كما يتبين من التلازم بين مراحل الحوار والتدخل النقابي بلون سياسي معين في أدوات الضغط على الطرف الحاكم لصالح الطرف المعارض في الحوار ثبت تنكر السياسي تحت الرداء النقابي. فقد تبين بما لا يدع مجالا للشك أن الانتساب هو في الحقيقة سياسي متنكر في دور نقابي ليس بسلسلة الإضرابات المسيسة فحسب بل وكذلك بالمشاركة في الاحتجاج الشارعي. ومعنى ذلك:
1-أن نقابة العمال تمثل صراحة جبهة اليسار والقوميين
2-وأن نقابة الأعراف تمثل صراحة جبهة الليبراليين والتجمعيين.
خلقيات الوسطاء المزعومين
ومع ذلك فرغم تلك العلة المبدئية ورغم أني كنت متأكدا من أن الحوار سيثبت صحتها فإنه كان يمكن أن نتصور وإن بمثالية لا تكاد تصدق أن الوسطاء يمكن أن يتعالوا على خلفياتهم بسبب الوعي بدقة الظرف وعبء المسؤولية خاصة وهم سيكونون أكبر الخاسرين من انهيار الدولة:
فالدولة هي الممول الرئيسي لاتحاد العمال بوصفها المؤجر الأول.
وهي الممول الرئيسي لاتحاد الأعراف بوصفهم مقاولين عندها بالجوهر.
لكن تجربة السنوات الثلاث التي انقضت بينت الاتحادين كانا الأداتين الأساسيتين لأفشال الحكم المنتخب بزعزعة أركان الدولة الاقتصادية ومهابتها الأمنية. ولأحاول إثبات ذلك بما عاينته بنفسي وأسهمت في كشفه خلال تحملي مسؤولية المستشار لدى السيد رئيس الحكومة السابقة.
دور اتحاد العمال المشبوه
فاتحاد النقابات بسياسة الإضرابات والمطالبات ساهم إلى حد كبير في اختلال الموازين المالية بالثانية وفي تعطيل الإنتاج بالثانية. وكان ذلك بصورة لا مثيل لها في تاريخ أي شعب تتحمل نخبه مسؤوليتها حتى من منطلق مصلحي نقابي بحت: فإفلاس المؤسسات الاقتصادية يعني بطالة العمال. ولنا في مثال جال جروب في منزل بورقيبة وهروب الكثير من الشركات وتردد المستثمرين الأدلة القاطعة.
ولم يكن ذلك بسبب عدم انضباط القواعد كما حاول أن يقنعني بذلك السيد الأمين العام للاتحاد عندما لقيته بعد الاستئذان من رئيس الحكومة. فقد طرحت عليه هذا السؤال: ماذا يمكن أن تجيب عن سؤال ماذا قدمت للوطن؟
فمؤسس الاتحاد يمكن أن يجيب: قدمت حياتي للمساهمة في تحريره.
والمواصل كان يمكن أن يجيب: ساهمت في بناء دولة الاستقلال.
فماذا ينبغي أن تفعل حتى تستطيع الجواب: ساهمت في إنجاح الثورة.
طبعا هو لم يجبني. واعتذر بما ذكرت من أن القواعد لا بد من تهدئتها وعليكم أن تساعدوني على ذلك بالاستجابة إلى مطالبهم. ففهمت أن جوابه هو عين جواب سلفه الذي تحدث عن الماكينة الساحقة. وها نحن نراها تسحق الاقتصاد التونسي إما بالمطالبات أو بالاضرابات بحيث إن الآلة كالنار سينتهي بها الأمر إلى أكل ذاته بعد أن تكون قد أكلت كل ما في تونس من إمكانات اقتصادية: ذلك أن خطأ قيادات الاتحاد هو تصورهم أنفسهم قادرين على مصارعة حركات سياسية بكر ذات علاقة بمقومات الأمة العميقة كما تمكن من ذلك مع التجمع الذي كان قد بلغ أرذل العمر.
دور اتحاد الأعراف المشبوه
واتحاد الأعراف بتردده في الإقدام على تمويل الاستثمارات وبما يترتب على ذلك من تأثير على الاستثمار الأجنبي من خلال علاقته بأرباب العمل في الخارج وخاصة من خلال علاقته بالمنظمات المقومة للترقيم. فقد أسهم اتحاد الأعراف دون شك في ما آل إليه أمر التوقف شبه الكامل للاستثمار الخاص والاقتصار على الاستثمار العام في المرحلة الحالية. لذلك فعندما حضرت لقاء بين رئيس الحكومة الأستاذ حمادي الجبالي ورجال الأعمال الفرنسيين في باريس بحضور رئيسة اتحاد الأعراف ورئيس كوناكت اضطررت لاستذان السيد رئيس الحكومة في أخذ الكلمة لأني لاحظت ترددهم لكأنهم يتصوروننا جئنا نتسول ولسنا نعرض فرصا للتعاون المتكافئ.
أخذت الكلمة بعد أن تأكدت ضمير كلامهم الذي يتصورنا متسولين. فطرحت عليهم ثلاثة أسئلة في شكل مازح سميته مهلة راحة فلسفية بين رجال أعمال عمليين وبراجماتيين لا يتصورون أن للفلسفة ما يمكن أن تقوله في الاقتصاد. كانت أسئلتي من منطلق الموقف الذي يتضمن نفي ضمير موقفهم أعني أننا لسنا هنا لنتسول بل لكي نحدد لهم طبيعة الفرصة التي توفرها لهم تونس للاستثمار المربح بشروط تحترم كرامة الإنسان وحرية المواطن وتقطع مع الاستثمار الذي يحتوي على مصالح غير مشروعة أنظمة غير شرعية. ولست أشك في أن هذه المداخلة مسجلة مثلها مثل الأخريات في لقاء رئيس الحكومة وممثلي الأعراف في باريس:
السؤال الأول:
ألستم تعتقدون أن الاستثمار يتضمن دائما شيئا من المغامرة بوصفه رهانا على حظوظ الربح في المستقبل. ومن ثم فهو يعتمد على مساهمة المراهن في تحقيق شروط النجاح إذا كان حقا ملتزما بخيارات قيمية هي التي تميز بين الاقتصاد المشروع والنهب المافياوي؟
السؤال الثاني:
فهل تراهنون على نجاح الثورة الديموقراطية وتريدون شرف المساهمة فيه أم تراهنون على إفشالها وتريدون بهذا التردد والحذر الزائد عن اللزوم توفير الفرصة لعودة الاستبداد والفساد في الربيع العربي ومن ثم للتعامل مع الاقتصاد شبه المافياوي الذي كان سائدا؟
السؤال الثالث:
أم هل تتصورون أنه لا بديل منكم إذا بقيم على ترددكم وأننا سنضطر للانتظار معكم فلا نسعى إلى حلول أخرى لست معدومة؟ فالكثير من القوى الاقتصادية الأخرى الناشئة في آسيا وأمريكا اللاتينية ستشغل محلكم إذا واصلتم التردد.
عندئذ شعروا بالكثير من الحرج وقالوا إنهم سيحاولون لأنهم كما يدعون يفضلون نجاح التجربة الديموقراطية في الربيع العربي ويرفضون عودة الاستبداد والفساد. وطبعا فما أظن أن انتظارهم كان من منطلق خوفهم العفوي أو من سوء نية ذاتية بل إن الكثير كان يخوفهم ويستمهلهم حتى تسقط الحكومة. ولعل أهم آلية لتحقيق ذلك كانت المافيات المحلية من الخبراء المزعومين الذين يكادون يملون على ممثلي مؤسسات التقويم الدولية بمنطق "اطعم الفم تستحي العين" الحط من ترقيم تونس حتى تعجز الحكومة على تمويل الاستثمار الوحيد المتبقي أعني الاستثمار العام.
على الثوار أن يختاروا بين الاستسلام وحماية الثورة
رسالتي إلى كل من له "شعرة السيد علي" من الثوار ليس التخلي عن "شعرة معاوية" بل عدم الاقتصار عليها. فلا بد أن يفهموا أن الحوار لم يعد خفي القصد بل انكشف أمره بوضوح من خلال أزمة اختيار رئيس الحكومة وعودة الإضرابات والاضرابات. فهو لا يهدف إلا إلى الاستسلام اللامشروط من كل المدافعين عن استكمال المرحلة الانتقالية بخاتمتها الديموقراطية أعني الدستور والانتخابات.
ورغم أني لا شك في أن الكثير من الأخطاء الاستراتيجية التي يمكن نسبة بعضها إلى عدم الخبرة لكن الكثير منها علته عدم الإيمان الحقيقي بقيم الثورة قد جعلت الثلاثي الحاكم خاصة والحركات أو الأحزاب التي ما تزال تؤمن بالثورة عامة قد ارتكبت من الأخطاء ما أفقد الشرعية وحتى الثورة الكثير من بريقهما ومن ثم فهو قد افقدها القدرة على التصدي الحازم لهذه المناورات مما يضطرها إلى القبول بما يشبه الاستسلام.
لكن هذا الاستسلام حتى لو حصل فإنه ليس من أجل إنجاح الحوار بمضمونه المعلن بل هو لتحقيق ما يضمره الوسطاء والمعارضة. فهم لا يريدون بحق الخروج من المأزق بالتوافق كما يرددون في خطابهم المزدوج بل هم يريدونه بشرط واحد ووحيد: الاستسلام غير المشروط للوصول إلى الحكم من دون حاجة إلى الانتخابات أو الالتزام بما يوصل إليها في أقرب فرصة أي بلغة الحرب Une reddition inconditionnelle.
ومن ثم فهم يريدون أن يصلوا إلى الحكم بانقلاب أبيض يغنيهم عن الانتخابات ويمكنهم من محو كل ما حصل بعد الثورة باسم مراجعة التسميات ومحاكمة التجاوزات أعني تماما ما يحصل في مصر من دون قوة الجيش التي فشلوا في استمالتها. ومن يدري فلعل لهم في الأمن سواء داخله أو من بين من أخرج منه من يعدهم بمساعدتهم عندما يحين الأوان.
ولما كانوا يسعون إلى الانقلاب على ما يشككون في شرعيته دون أن يكون لهم شرعية أكبر لا ثورية بالشارع ولا عسكرية بالدبابة ولا دستورية بالدستور المؤقت فإن الرد الوحيد هو الاعتماد على ما آلت إليه سياستهم التي انقلبت عليهم لفرط حرصهم على احتقار الشعب الذي يريدون تحريكه ضد مصالحه كما يحصل في تعطيل مؤسسات الإنتاج وما انجر عنها من زيادة البطالة. أرادوا تهرئة الحكم فهرؤوا المعارضة. لذلك فالشعب لم يعد يصدقهم في شيء بدليل لجوئهم إلى العنف وعجزهم عن إنزال المواطنين للدفاع عن رؤاهم.
والغريب أن الجبهة الشعبية بسذاجة أو بغباء لم أر له مثيلا. فهم لم يدركوا أن السبسي يستعملهم كما استعمل السيسي اليسار والقوميين في مصر أداة في حرب مع الثلاثي الحاكم. وخطة السبسي واضحة لكل ذي بصيرة. فالمعركة ستضعفهم إلى حد يظن كاف لتخليصه منهم ومن الثلاثي الحاكم. وعندما تضح المعركة أوزارها يكون المجال فسيحا لعودة الحكم المعتمد على نفس الحزب الواحد بنفس منطق الاستبداد والفساد الذي عرفه صاحبه في أول قصة قصها عندما استفرد بالحكم شاهدا الزور في برلمان ابن علي أعني المبزع والسبسي. فيوم عين لرئاسة الحكومة الثالثة قص حكاية التارزي الروماني: وقد شرحت قصته المتعلقة بكسوة خروتشاف.
لكن الله أراد بمكره الخير أن يحصل خلال مناوراتهم ما يمكن اعتباره إحياء للجزء الضئيل مما بقي من الشرعية الانتخابية التي أساء استعمالها الثلاثي الحاكم إساءة علتها عدم الاتفاق على استراتيجية الحسم السريع للأساسيات في السنة الموعودة. لكن عودة الروح للشارع الثوري يمكن أن تعيد الزخم للشرعية التي ضعفت فتصبح قادرة على التصدي لمن خانوا الثورة من الأحزاب التي تدعي التقدمية فتحالفوا مع الساعين لإعادة النظام القديم.
عناصر الحل الوحيد المتبقي
وهكذا إذن فإن الحل قد أصبح بين المعالم. فما دامت الوساطة لم تبق طلبا لتدعيم الشرعية الانتخابية بالشرعية التوافقية بل هي تطلب استسلام الأولى اللامشروط ليس للثانية فحسب بل لما ينافي الشرعية الديموقراطية إذ هي قد أصحبت تريد أن توصل إلى الحكم من لم ينجح في الانتخابات بل من لم يشارك فيها أصلا. والنكير الذي يرددونه على النواب الذي اشتراهم بعض رجال الأعمال بالمال ينبغي أن يصحبه نكير اشد حول النواب الذين اشتراهم حزب النداء بما يعدهم به من كراسي لاحقا لتصوره أنه ذو نجم صاعد.
إن الحل الوحيد المتبقي هو تدعيم الشرعية الانتخابية بذاتها لتكون مصدر الشرعية التوافقية بين المخلصين للثورة وهم أكثر ممن ينتسب إلى الثلاثي الحاكم من بين ما يتجاوز المائة والخمسين حزبا. وذلك باعتماد حل يستند إلى الدستور المؤقت. وهذا المسعى له فضل مضاعف كلاهما قادر على الحسم الذي يخرج البلاد من التردد:
فإذا كان من النخب السياسية المعارضة من هو مسؤول بحق ويحترم شروط الانتقال الديموقراطي فإن قاعدة الحكم ستتسع فيحصل التوافق من منطلق الشرعية. وهذا هو التوافق الصحيح والبديل من التوافق المغشوش الذي يسمى توافقا الخضوع لشروط حركات هامشية ما يزال جل قادتها مراهقين فكرا ووجدانا.
وإذا كانت النخب السياسية المعارضة تريد الانقلاب فلتقم بذلك صراحة لتأخذ الحكم عنوة. فالخداع لم يعد ينطلي على أحد وينبغي أن يتوقف بعد أن فشل الحوار البين لكل ذي بصيرة. وأكبر علاماته رفض الرجل الوحيد الذي لا يمكن لأحد أن يشكك في نزاهته وإيمانه بقيم الثورة حتى قبل حصولها.
لكن سلسلة الإضرابات والاضطرابات التي حصلت مؤخرا هي الدليل القاطع على أن الاتحاد قد أعلن بسلوكه فشل الحوار حتى وإن سكت بلسانه ومال إلى التحضير للانقلاب الصريح بتسخين الجو الاجتماعي والشارعي. وعليه أن يتحمل الخروج العلني على الشرعية والتحول إلى أداة الجبهة والنداء. وليحمل رسميا مسؤولية ما قد ينتج عن ذلك من حمام دم لأن صبر الثوار له حدود. وهم ليسوا ممن يخيفهم هذا التحدي لأن الاستسلام لمن يخونون الثورة خيانة للوطن وخاصة لتاريخ حركات الإصلاح التي عمرها أكثر من قرنين.
لا بد أولا من العودة للتوافق المستند إلى الشرعية لا إلى الحوار المغشوش:
ينبغي تغيير الحكومة الحالية بحكومة من أجل فتح المجال لانضمام كل الأحزاب والشخصيات الوطنية التي تفضل رفض الحوار المشروط بالاستسلام اللامشروط وذلك بطلبة الحصول على ثقة المجلس من أجل مواصلة الحوار أو التوقف عنه. واقترح أن تطلب الحكومة مواصلة الحوار بشروط تقرب مما يراد فرضه عليها حتى لا تحصل على الثقة وتسقط بصورة مطابقة للدستور المؤقت.
لا بد ثانيا من أن يعين رئيس الدولة رئيسا للحكومة بعيد عن الصراعات:
فبعد حل الحكومة يصبح من واجب رئيس الدولة أن يعين رئيس الحكومة باختياره الحر دون تلقي الأوامر من الرباعي أو من غيره. وليكن الرجل أو المرأة الملكف(ة) من الشخصيات الوطنية التي يراها مناسبة للظرف وأن يطلب منه تأليف حكومته من الفنيين والخبراء ومن دون انتساب إلى الأحزاب المتصارعة مع تحديد برنامج عمل الحكومة علاج مسائل الوضع مع اعتبار أهم عناصره الإعداد للانتخابات وتنظيمها وتسليم الأمانة لحكومة الوضع النهائي.
ولا بد للمجلس ثالثا أن يشرع بنصوص قانونية للوضع المؤقت:
وينبغي أن يضع المجلس قانونا جديدا يحدد مدة هذه الحكومة لإنجاز مهمتها على أفضل وجه أعني خاصة الإعداد للانتخابات وإنهاء المرحلة الانتقالية ومن ثم تعيين مدة بقاء المجلس التأسيسي لإنهاء مهامه التأسيسية والتشريعية الممكنة للحكومة من العمل الشرعي. وله القدرة على ذلك لأن الكثير من النواب لا يريدون للبلاد أن تقع في انقلاب نقابي يساري تجمعي لتصل إلى ما وصلت إليه مصر بانقلاب عسكري يساري تجمعي كذلك.
ولا بد للمجلس رابعا أن يضبط المجال الاجتماعي ليناسب الظرف المؤقت:
وينبغي أن يضع المجلس قانونا يعالج الوضع الاجتماعي بأن يجمد الأجور والأسعار خلال هذه المدة دون أن يمنع الإضرابات إذا سلم الاتحاد بأنها ستكون غير خالصة الأجر وأن يتحمل هو دفع أجور المضربين أيام الإضراب. فهذا الإجراء وحده كاف لأن تتوقف الإضرابات لأن الاتحاد لن يستطيع دفع أجور المضربين.
ولا بد للمجلس أخيرا من يحمي السيادة الوطنية من التدخلات الأجنبية:
فلا يمكن أن يبقى تعامل النخب أيا كان صنفها مع المصالح الاستعلامية الأجنبية أمرا مشروعا يسمح به القانون فتستباح سيادة الوطن حتى يصبح وكأنه تحت الوصاية. ينبغي أن يجرم كل تعامل ثابت يقدم عليه أي واحد من نخب البلاد سياسية كانت أو نقابية أو تربوية أو ثقافية أو روحية. فالبلاد أصبحت مرتعا للاستعلامات الأجنبية والتدخلات السافرة للسفراء حتى كادت تعود إلى عهد الحماية والبايات. وأول أمر ينبغي منعه نهائيا هو أن يصبح للأجوار أو للمستعمر حق التدخل وكأن الأمر طبيعي بحيث إن رؤساء الأحزاب أصبحوا لا يرون مانعا في جعل سيادة الوطن موضوع تفاوض على الأجانب.
سبق أن نشر هذا المقال في عدة مواقع (الحوار نت)
مصدر الخبر : بريد الحوار نت
a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=25152&t=الحسم الثوري المشروع بين " شعرة السيد علي" و"شعرة معاوية"&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.