مدينة العلماء والشهداء في الثاني من رمضان سنة 50ه وتحت إشراف القائد الفذ عقبةَ بن نافع، انطلقت أشغال بناء مدينة القيروان.. والقيروان كلمةٌ معرّبةٌ عن "كاراوان" باللغة الفارسية ومعناها "مَوْضِع النزول". قيروان المواقف والتاريخ والرجال.. قيروان الرجل السبعيني عبد الله بن أبي زيد القَيْرَوَاني شيخ المالكية في المغرب العربي والملقب بمالك الأصغر، وصاحب الكتاب الشهير الرسالة الفقهية، كتبه باقتراح من تلميذه العلاّمة محرز بن خلف البكري التونسي المالكي، ومن نوادره أن الشيخ محرز طلب من شيخه أن يكتب له جملة مختصرة من واجب أمور الديانة، فكتب عبد الله بن أبي زيد الرسالة الفقهية، التي قال فيها العلاّمة الفقيه المؤرّخ عبد الرّحمان الدبّاغ "اشتهرت الرسالة في سائر بلاد المسلمين حتى بلغت العراق واليمن والحجاز، والشّام ومصر وبلاد النّوبة، وجميع بلاد 'فريقيا والأندلس والمغرب وبلاد السّودان، ولقد تنافس النّاس في اقتنائها حتّى كُتِبتْ بالذّهب، وأوّل نسخة منها بيعت في حلقة أبي بكر الأبهري في بغداد بعشرين دينارا ذهبا ". وكما هي قيروان الرجل السبعيني عبد الله بن أبي زيد، هي أيضا قيروان الرجل الثمانيني سيدي عبد الرحمن بن علي بن محمد العربي خليف القيرواني ، الذي وإلى جانب الخطابة والتدريس مارس التأليف لنصف قرن، افتتح المسيرة المباركة بكتاب عن مسائل الصيام سنة1952، واختتمها بكتاب مشاهد الناس بعد الموت سنة2002، خمسون سنة بالتمام والكمال كتب فيها عن العقيدة والتربية والخطابة والقرآن واللغة.. رحمه الله. والى ذلك هي قيروان الشيخ التسعيني، شهيد محراب جامع عقبة بن نافع، كان ذلك في عهد الدولة الفاطمية، حينما دخل خيّالة من جيش المهدي الى مسجد عقبة بخيلهم، وداست سماط المسجد، ثم راثت فوقه، عندها نهض الشيخ التسعيني"قيم المسجد" بالكاد يتماسك، وقف امام قائد الخيالة وأنكر عليه بشدة، فأجابه " إن أرواثها وأبوالها طاهرة إنها خيل المهدي".. بعد هذا الجواب السليط كان على الشيخ ان يختار بين أمرين، إما ان يمضي الى الآخر ويكون اخذ بالعزيمة، وإما ان يكتفي بذلك ويكون قد أنكر ثم جنح الى الرخصة، فكان أن اختار الشيخ الحسنة الكبرى.. وجنح الى كلمة الحق وقالها مدوية: " إن الذي يخرج من المهدي نجس فكيف بالذي يخرج من خيله "..هناك في مسجد العز والكرامة والمنارة، هناك بالقرب من محراب عقبة بن نافع، خيّر الشيخ التسعيني ان ترتفع روحه ويهوي جسده ويتدفق دمه ليغسل السماط من نجاسة الطواغيت. نصرالدين السويلمي