مساحات ومناطق وموضوعات شائكة وحرجة لم يتعود البعض بل غالبية القوم الخوض فيها ، لاعتبارات عدة منها ثقافة الزمان وحدود المكان ونظام وأعراف الكيان ، استقال الدكتور الحبيب محمد حبيب نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين أكبر وأفعل تيار سياسي وشعبي في عالمنا العربي والإسلامي ، استقال الرجل بعد فترة ليست بالطويلة من خلاف في وجهات النظر والتأويل لإجراءات انتخابات مكتب الإرشاد وموقع المرشد الجديد خلفاً للفارس و الجنرال الأستاذ مهدي عاكف الذي وضع الجرس في أعناق كل القطط ، النظامية والحزبية والشعبية ، الإسلامية والقومية والعلمانية سواء بسواء ، بإصراره على ترك منصبه مكتفياً بدورة واحدة ، مسجلاً لنفسه ولجماعته سبقاً غير مألوفاً في ترك المناصب العليا ،وددت لو سُجل في موسوعة جينس عن العالم العربي ، استقال الدكتور حبيب تاركاً كماً هائلاً من التساؤلات والحيرة الصامتة للملايين من أعضاء ومؤيدي ومحبي الجماعة ، بعد فترة من كتم الأنفاس - بالنسبة لنوعية الحدث - عاشتها قواعد الجماعة حين وقفت خائفة تترقب خلال الانتخابات حتى خرج فضيلة المرشد في المؤتمر الصحفي معلناً النتائج ، استقال الدكتور حبيب من مواقعه التنظيمية معترضاً في صورة قد تكون واردة وطبيعية في النظم والكيانات الديمقراطية لكنها غير مألوفة ولا متوافقة مع ثقافة وأعراف الجماعة التي هي جزء من ثقافة المنطقة ، استقال الدكتور حبيب لأسباب قد تكون منطقية وقوية من وجهة نظره وقد تكون غير ذلك من وجهة نظر الآخرين وهذا حق للجميع ، لكن الجديد هو نمط التعاطي وإدارة الخلاف الذي سلكه الدكتور حبيب ولم تعهده قواعد الجماعة المصرية خاصة في فترة التأسيس الثاني بداية من سبعينات القرن الماضي ، لذا فالاستقالة تختلف عن غيرها من الأنماط الأخرى لأن الجماعة لم تعهدها بل يرى البعض أنها ليست حقاً لأحد - تحت قاعدة أن الموقع التنظيمي تكليف - أمور تحتاج لكثير من إعادة النظر والتوافق مع أمور أخرى مثل مواصفات ومعايير شغل المواقع التنظيمية وطرق الرقابة والمحاسبية وتفعيل المؤسسات الشورية ، بل وجودة التطبيق بعيداً عن ممارسات الكيانات الحزبية ، خاصة وأن الجماعة تمتلك مرجعية إسلامية ومنظومة قيمية تفرض عليها تبعات كثيرة ومسئوليات جسيمة ، استقال الدكتور حبيب بطريقة حضارية ، مبدياً الأسباب ، وتعاطت قيادة الجماعة معه بنفس النمط الحضاري طالبة الشواهد والدلائل وهكذا عندما يتعامل الكبار ، لكن تبقى الإشكالية ومكمن الخطورة في بعض الممارسات المتوقعة من البعض ، خاصة هؤلاء الذين لم يعهدوا الخلاف الحضاري لأنهم لا يمتلكون أدواته وتعودا الانحياز غير الرشيد بل المتطرف والمتشنج لطرف دون طرف ، فهؤلاء يجب يفرقوا بين الذي استقال من موقعه التنظيمي وبين الذي استقال من الجماعة ، وبين الذي استقال من الجماعة رفعاً راية وشعار الخصومة الفاجرة وبين الذين استقال أو أقيل وشعاره" الحر من رعى وداد لحظة" أو جماعتي معشوقتي" أُشفق على الذين لا يجدوا أنفسهم إلا في المناطق المعتمة شأنهم شأن خفافيش الظلام ،أن يتقوا الله في الرجل وتاريخه ورصيده بل وممارسته غير المعهودة ، وأن يمسكوا ألسنتهم الغلاظ الشداد عنه ، وألا يصفوه حتى ولو تعريضاً بالأوصاف التي تملئ قاموس الخفافيش الذين نصبوا أنفسهم قضاة وحكاماً على الآخرين ، تحية إليك أيها الحبيب الدكتور حبيب وكل التحية إلى جماعة الإخوان مصدر كل جديد بل كل إلهام. محمد السروجي كاتب مصري