كمال شاب في مقتبل العمر عاش تجربة فريدة من نوعها وهي جديرة بأن يأخذ منها غيره من الشباب العبرة، ذلك أنه قرر منذ عدة سنوات ان يحرق ماضيه ويقطع مع واقعه ويلقي بنفسه في زوارق الموت.. لم يفكر في اي شيء ماعدا الوصول الى ايطاليا.. «الصباح» التقته بعدما عاش تجربة «الحرقان» وعاد الى ارض الوطن.
«شربت الماء المالح ورأيت الناس يموتون» يقول كمال في حديثه عن رحلة الموت: «... كنت اعيش بمسقط رأسي بالقيروان حياة قاسية كالحة اذ لم اكن قادرا على تأمين ابسط الضروريات وذلك ما اشعرني باليأس والاحباط ودفعني للتفكير في «الحرقان».. لم ار المستقبل الا في ايطاليا ولم اتصور ان اجد حلا اخر غير الهجرة السرية، وبعد تفكير طويل وضعت حياتي في كفة والوصول الى الضفة الاخرى من المتوسط في الكفة الثانية.. فبدأت باجراء اتصالاتي بكل من له علاقة ب«الحراقة» لم ابال بالبحر ومخاطره ولم افكر في المعتقلات الايطالية التي خصصت لي ولامثالي». يواصل كمال سرد قصته مع الحرقان فيقول «بعد بحث مضن عن وسيلة تحقق لي حلمي سافرت الى ليبيا ومنها نجحت في المشاركة في «رحلة الموت» بعد ان ربطت علاقات مع بعض الاشخاص من جنسيات مختلفة وشاركوني الرحلة.. لم أبال بأي شيء ولم افكر الا في تحسين وضعي الاجتماعي.. ركبنا الزورق وكان عدد الحارقين كبيرا كان الجميع رافعين اياديهم الى الله لكي يتوسلون اليه ان يوصلنا الى اليابسة سالمين ولكن اين النجاة من عدو لا يرحم ولا يعرف الا الثورة والهيجان انه البحر الذي قاومت مع رفاقي امواجه العاتية طيلة ثلاثة ايام، ولم اتوقع اني سأنجو بعدما نفد الطعام ونفد الماء العذب فشربت الماء المالح وكان عطشي يزداد في كل مرة وكنت ارى رفاقي ينطقون بالشهادة استعدادا للموت، ولكني ابيت ان اموت وتحديت البحر القاسي وجدفت مع رفاقي الى ان وصلنا الى اليابسة وعندها تفرقنا وركض كل واحد منا في اتجاه، أما انا فدخلت ايطاليا واتصلت ببعض معارفي ومن هناك بدأت رحلة اخرى. تجربة «الحرقان» مرة حتى ولو نجحت واصل كمال سرد تفاصيل رحلته مع الحرقان وقال «... بعدما دخلت الى ايطاليا كانت حياتي صعبة جدا فقد كنت دائما في كر وفر مع الشرطة وكانت دقات قلبي تزداد تسارعا في كل لحظة وفي كل ثانية، زد على ذلك انني عملت في مهن لا تخطر على بال احد.. ضحيت بأشياء كثيرة وابسطها النوم.. قضيت سنتين من العذاب ولكني في النهاية قررت العودة الى بلدي بعدما جمعت مبلغا محترما رغم انه كان ممزوجا بدموعي وآلامي ودمي الذي سخرته في سبيل الحرقان.. عدت الى مسقط رأسي وهناك تزوجت وانجبت الابناء واستقريت في بلدي ولكني لا انصح اي احد بأن يغامر بحياته لان الحياة أثمن من اي شيء اخر وأولها المال».