الظهير البربري والظاهرة الأمازيغية الحلقة الثانية: مطالب الحركة الأمازيغية بين الثقافي والسياسي
الأستاذ . احمد دخيسي
تتقطر أدبيات الحركة الأمازيغية بمداد كثير يصور الحركة في "مبادئها السامية" على أنها "مشروع لنبذ الإرهاب الفكري")1(، وأنها مشروع لمقاومة الاستلاب الثقافي والإمبريالية اللسانية وإخراج بلاد "تمازغا" من "الهيمنة الجائرة للغات المفروضة قسرا")2(.وفي معرض حديثه عن الحركة الأمازيغية، ذكر مصطفى عنترة)3( أن الحركة الأمازيغية حركة احتجاجية مدنية، اجتماعية، ثقافية، هوياتية، وسياسية. وحدد مبادئها في أربعة هي:
1- ديمقراطية: لأنها «واعية كل الوعي بأن مطالبها لا يمكن أن تتحقق إلا في ظل المشروع الديمقراطي». 2- حداثية: في «مشروعها الثقافي والسياسي». 3- نسبية في تصوراتها: «لكون الأمازيغية هي ثقافة عقلانية تتميز بتعارضها مع كل ما هو مطلق». 4- علمانية: على اعتبار «أن الأمازيغية هي ثقافة علمانية في الجوهر». كما حدد مطالب هذه الحركة في :
· دسترة الأمازيغية لغة وطنية ورسمية في الدستور. · اعتبار الأعراف الأمازيغية مصدرا من مصادر التشريع الوطني [إلى أي حد يتناسب هذا المطلب مع مبدأ الحداثة الذي تؤمن به الحركة الأمازيغية في الألفية الثالثة؟]. · فصل الدين عن الدولة وضمان حرية المعتقد [وكأن المغرب يعج بالأديان والأقليات التي ينبغي ضمان حرية ممارسة معتقداتها]. · تمتع الجهات بالمغرب باستقلال/حكم ذاتي. · التنصيص على سمو المعاهدات الدولية على القانون الوطني وجعلها تطبق بشكل مباشر!!!
عندما نتحدث عن الحركة الأمازيغية فالأمر لا يتعلق بتنظيم عرقي يضم ويحشد كل الأمازيغ، بل هي مجرد عنوان يضم تنظيمات وجمعيات مختلفة ومتناقضة أحيانا كثيرة. عدم وحدة أطياف الحركة الأمازيغية لازمها منذ تأسيسها «من خلال التشنجات والتصدعات والمشاكل التي تحملها هذه الحركة داخلها»)4(.
كما أن تلك الأطياف «لازالت تعاني من التشرذم الذي يميز صفوفها، بحيث باتت طبيعة الصراعات والتطاحنات التي تشهدها مختلف مكوناتها تشكل إحدى نقط ضعفها»)5(. كما يلاحظ «فقدانها لمشروع مجتمعي متكامل»)6( والعجز عن «التغلغل داخل النسيج الحزبي» إذ أن هناك أحزابا كثيرة وهيئات عديدة وجماعات إسلامية تضم قاعدة أمازيغية عريضة رغم أنها تتعارض جذريا مع المواقف الإيديولوجية للحركة الأمازيغية.
هذه المبادئ و«الطروح التي تتبناها [الحركة الأمازيغية] تكاد تكون مفصولة عن القاعدة الشعبية...وهذا جانب يبعث الأسف في النفوس، لأنه في الوقت الذي يكتوي الأمازيغي العادي من آفات الغلاء والبطالة وضنك العيش...، يسرح أغلب المثقفين الأمازيغيين في عوالمهم الطوباوية وخطاباتهم الأيديولوجية، التي لا تأخذ من واقع الحياة والأحداث إلا ما يخدم رؤاها الفكرية والسياسية»)7(.
هذا الخليط غير المتجانس من المكونات لا يلعب لصالح الحركة الأمازيغية بل يعمق الخلاف ويفرق الخطاب. ويمكن في هذا الصدد رصد خمسة توجهات أساسية داخل نسيج الحركة الأمازيغية:
1) اتجاه سياسي يناضل من أجل «أمازيغية المغرب»، ضمن الإطار الرسمي وهو العروبة والإسلام، هذا الاتجاه يلعب على الورقة الأمازيغية في اللعبة الانتخابية (عبد الكريم الخطيب والمحجوبي أحرضان).
2) اتجاه جمعوي يتخذ من العمل الجمعوي واجهة للنضال، للتأثير على الرأي العام في اتجاه الوعي «بهويته». ومنذ انطلاقة هذا العمل الجمعوي وهو يراوح بين الثقافي والسياسي حيث أن أغلب الجمعيات الأمازيغية هي جمعيات ثقافية ذات صبغة سياسية.
3) اتجاه التدويل المرتبط ببرامج دولية دَوَّل من خلالها المسألة الأمازيغية كالمشاركة في مشروع الشعوب الأصيلة الذي أطلقته الأممالمتحدة بعد انعقاد مؤتمر فيينا صيف 1993 حول حقوق الإنسان. حاول هذا التيار الأمازيغي الاستفادة من ذلك المشروع وتسويق المسألة الأمازيغية في العالم على أنها قضية شعب مهدد في وجوده. وراهن هذا التوجه كثيرا على الخارجي خاصة الفرنسي والإسباني (حاليا الدعم الصهيوني) عبر منظمة الكونغرس العالمي الأمازيغي وذلك لإبراز "مظلومية بلاد تمازغا"
4) اتجاه أكاديمي مؤسساتي يفضل العمل على الواجهة العلمية وتأليف الكتب والأبحاث (محمد شفيق، أحمد بوكوس، العاملون بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية).
5) اتجاه طلابي راديكالي وهو تيار عفوي غير منظم لا يزال يعاني من الفراغ الفكري وعدم وضوح الرؤية.
هذه التوجهات والمكونات منقسمة على نفسها حول طريقة العمل بين من يفضل العمل الثقافي لأن مسألة بحجم الثقافة والهوية لا يمكن أن تسييس إلى هذا الحد، وبين من يرى أن المسألة لا يمكن إلا أن تكون أم السياسات. والواقع أنه لم «تكن القضية الأمازيغية في يوم ما مجرد مسألة ثقافية محضة، فقد كانت دائما وراء المطالب الثقافية واللغوية التي رفعتها الحركة رؤية سياسية»)8(. وهذا ما أعطى الأولوية دائما للعمل السياسي على الثقافي، فالإطار السياسي هو بمثابة المرجع الإيديولوجي الذي ينظر في حين يبقى الإطار الثقافي مجرد وعاء للتفريغ وآلة للتنفيذ. كما أن الجمعيات الأمازيغية، رغم أنها تسمى ثقافية، تمارس سياسة ثقافية لتمرير ثقافة سياسية معينة فتدحرجت مطالب الحركة الأمازيغية من مجرد المطلب الثقافي الشعبوي الفلكلوري الذي يهدف إلى الترويح عن ثقافة عرقية مكبوتة تاريخيا إلى المطلب السياسي.
وسط هذا الجدال، جاء بيان محمد شفيق (1 مارس 2000) حول "الاعتراف الرسمي بأمازيغية المغرب" ليحرج المنظور الثقافي حيث انتهى المطاف إلى تأسيس "التكتل الوطني الأمازيغي" سنة 2002 وهو جمعية ذات صبغة سياسية لم يعترف بها رسميا. وفي لقاء بوزنيقة (ماي 2000) أثيرت بحدة مسألة الإطار السياسي للأمازيغية وخلقت خلافا حادا بين أنصار الطرح الثقافي الجمعوي ودعاة الإطار السياسي. فالجمعويون لا يرون جدوى في تحزيب الأمازيغية لأن مسألة تأسيس حزب سياسي أمازيغي سيخندق الأمازيغية في حسابات سياسية ضيقة والأمر لا يتعدى كونه مجرد رقم سياسي ينضاف إلى الأحزاب الموجودة، لأن المسألة الأمازيغية ليست مسألة طائفية بل وطنية تسمو فوق الأحزاب. في المقابل، يرى المتحمسون للإطار السياسي أن الأمازيغية قضية سياسية وإن بقناع ثقافي وأن العمل الجمعوي لم يعد قادرا على تأطير المرحلة الحالية لأنه بقي نخبويا ولم يكن له أي امتداد مجتمعي)9(.
في الحلقة الثالثة إن شاء الله، نتناول خطاب الحركة الأمازيغية. --------------------------------
الهوامش: 1- جريدة أكراو أمازيغ، عدد.18، من 13 إلى 28 مارس 1998. 2- المصدر نفسه، العدد الصادر من 07 إلى 13 يوليوز 1996. 3- انظر نص الحوار كاملا على الموقع: www.hespress.com بتاريخ 18 شتنبر 2007. 4- جريدة ملفات، عدد.18، نونبر 2008. 5- جريدة المستقل، العدد الصادر من 26 يوليوز إلى 01 غشت 2001. 6- المصدر نفسه. 7- لمزيد من التفصيل، أنظر: الإسلام والأمازيغية نحو فهم وسطي للقضية الأمازيغية، للتجاني بولعوالي. 8- مكتب البحوث والدراسات، قناة الجزيرة الفضائية www.aljazeera.net. 9- جريدة المستقل، العدد الصادر من 18 إلى 24 ماي 2000.