حزب العدالة والتنمية يثبت يوما بعد يوم أنه مايسترو التغييرات الجذرية على طريق أسلمة تركيا ، ففي 22 فبراير / شباط ، وجه أردوجان وجول ضربة موجعة جديدة للعلمانيين حينما اعتقلت قوات الأمن 40 شخصا بتهمة التدبير لانقلاب في البلاد فيما عرف ب " مخطط بليوز " . وكانت السلطات التركية اعتقلت عدداً كبيراً من العسكريين في إطار التحقيق حول مخطط كشف عنه مؤخراً ويهدف إلى تنظيم سلسلة اعتداءات تشمل تفجير مساجد وإسقاط طائرات تركية بالإضافة إلى التحريض على النزول إلى الشارع كي تبدو حكومة أردوجان عاجزة عن القيام بمهامها ما يسهل عملية إسقاطها. وسرعان ما وجهت محكمة في اسطنبول اتهامات إلى 20 من العسكريين المعتقلين بالانتماء إلى منظمة سرية والتخطيط لقلب نظام الحكم في البلاد وقررت سجنهم. والمثير للانتباه أنه تورط بمخطط "المطرقة الثقيلة" أو "بليوز " عدد من كبار القادة العسكريين الحاليين والسابقين ، حيث يوجد بينهم ثمانية جنرالات برتبة أميرال قيد الخدمة حاليا ، بالإضافة إلى قائد قوات بحر الشمال السابق الأدميرال فياز أوغوتسو وقائد قوات بحر الجنوب السابق الأدميرال لطفي سنقر وقائد القوات الجوية السابق الجنرال إبراهيم فيرتينا وقائد القوات البحرية السابق الأدميرال أوزدين أورنك ونائب قائد الجيش الجنرال المتقاعد إيرغن سايغون والعقيد المتقاعد كوبيلاي أكتاس. وبالنظر إلى أن الاعتقالات السابقة سببت حرجا بالغا للجيش التركي ، فقد سارع للادعاء بأن الكثير من الأدلة حول المخطط ضعيفة أو مختلقة وأن ما يجري عبارة عن عملية انتقام ذات دوافع سياسية هدفها تلويث سمعة أكثر مؤسسات البلد وطنية ، إلا أنه تناسى أن القضاء وهو شريكه في الدفاع عن العلمانية هو الذي قال كلمته وليست حكومة حزب العدالة والتنمية . بل ورجح كثيرون أن جنرالات الجيش يقفون حاليا مكتوفي الأيدي بينما تضمحل قوتهم ومصداقيتهم ، خاصة إذا تم الأخذ بالاعتبار هيمنة الجيش على كل شيء في تركيا قبل وصول حزب العدالة والتنمية للحكم عام 2002 . فمعروف أن الجيش تحت قيادة مصطفى كمال أتاتورك هو الذي أسس تركيا الحديثة العلمانية وينظر قادة الجيش وحلفاؤهم في الإدارة المدنية والسلطة القضائية ووسائل الإعلام إلى القوات المسلحة باعتبارها الحامي الأكبر لإرث أتاتورك ، بل وتدخل الجيش للإطاحة بحكومات منتخبة أربع مرات منذ عام 1960 كان آخرها انقلاب عام 1997 الذي أجبر نجم الدين أربكان أول رئيس حكومة إسلامي على التنحي . ومنذ فوز حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية بقيادة الرئيس الحالي عبد الله ورئيس الوزراء رجب طيب أردوجان في انتخابات 2002 ، انقلب المشهد السياسي تماما في تركيا وظهر تحد جديد لم يألفه الجنرالات من قبل ألا وهو أن حزب العدالة والتنمية فاز بأغلبية كبيرة سمحت له بتشكيل الحكومة منفردا دون الاعتماد على ائتلافات هشة كما كان الوضع في الماضي ، كما حصل الحزب بفضل الاصلاحات السياسية والاقتصادية التي أدخلها بهدف الوفاء بشروط الاتحاد الأوروبي لانضمام تركيا إلى صفوفه على ثناء الخارج ، بالإضافة لارتفاع شعبيته بشكل ساحق في الداخل . سياسة ذكية
أردوجان وجول وباشبوغ ويبدو أن الكشف عن مخطط "بليوز" يعجل بتحقيق أحد أهم الإصلاحات التي يسعى إليها حزب العدالة والتنمية ومن شأنها إتاحة المجال واسعا أمام أسلمة تركيا ألا وهو إبقاء الجيش في ثكناته والحد من تدخله في الحياة السياسية. ورغم أن البعض قد يرجح احتمال قيام الجيش بانقلاب جديد للحفاظ على هيبته ، إلا أن هذا الأمر مستبعد تماما ليس فقط لأن الوضع الدولي لا يسمح بذلك ، وإنما أيضا لأن حكومة حزب العدالة والتنمية تسير بتركيا على طريق إعادة الهوية الإسلامية عبر التمسك بالديمقراطية ومبادئ العلمانية نفسها ما يضع مؤيديها في حرج بالغ ليس أمام الأتراك فقط وإنما أيضا أمام العالم بأكمله ، حيث نجحت حكومة حزب العدالة في أن تغير أو تعدل الكثير من مواد الدستور التى وضعها جنرالات الجيش وتم حتى الآن تغيير أو تعديل 75 مادة من مواد الدستور وعددها 176 مادة ، أبرزها ما يتعلق بالحد من صلاحيات الجيش في الحياة السياسية والاعتراف للأقليات القومية والدينية والمذهبية بحقوقها السياسية والثقافية ، كما كانت حرية العقيدة وهى أحد مبادئ العلمانية هى الأساس في التعديل الدستوري الذي تم بمقتضاه رفع الحظر عن ارتداء الحجاب في الجامعات ، وإن كان ألغى بعد ذلك بقرار من المحكمة الدستورية . وأمام الحقيقة السابقة ، فإن أردوجان أصر على عقاب المتورطين بمخطط بليوز ، بل وأكد أيضا أن الأدلة التي تشير إلى تورط الجيش في محاولة للانقلاب على حكومته قوية جدا ولا يمكن تجاهلها. ويبدو أن رئيس أركان الجيش التركي الجنرال إلكر باشبوغ يدرك جيدا الحقيقة السابقة ، حيث اجتمع مع الرئيس التركي عبد الله جول ورئيس وزرائه رجب طيب أردوجان في مقر الرئاسة في 25 فبراير لبحث مسألة مؤامرة الانقلاب على الحكومة . وجاء في بيان عقب الاجتماع أن الرئاسة التركية تدعو المواطنين الأتراك إلى الشعور بالثقة بشأن حل المسألة في إطار الدستور والقوانين التركية ، فيما أكد الجنرال إلكر باشبوغ أن الانقلابات هي شيء من الماضي ، داعيا إلى حل الخلافات بالطرق الدستورية. وهناك أمر آخر هام في هذا الصدد وهو أن المعسكر العلماني الذي يضم الجيش والمحكمة الدستورية والمدعي العام ومجلس الجامعات كان يعد العدة ويجهز الملفات لحزب العدالة وقادته منذ فوزهم في انتخابات عام 2002 وتعزيز هذا النجاح في انتخابات 2007 وانتزاع الحزب منصب رئيس الجمهورية ودخول زوجة "جول" المحجبة قصر الرئاسة لأول مرة ، ومع هذا لم يتدخل الجيش . والخلاصة أن الجيش التركي بدأ يعي حقيقة أن تركيا اليوم ليست بأي حال من الأحوال هي الجمهورية العلمانية التى أسسها مصطفى كمال أتاتورك عام 1923 وأن الانقلابات العسكرية لم تعد أمرا سهلا كما كان يحدث سابقا في ضوء الحرص على الانضمام للاتحاد الأوروبي ودعم الغرب لحكومة حزب العدالة التي يرى فيها النموذج الأمثل الذي يمكن تطبيقه في العالمين العربى والإسلامى باعتباره يجمع بين الإسلام المعتدل والعلمانية والديمقراطية. مصدر الخبر : محيط a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=4648&t=أردوجان عندما أحبط مؤامرة "بليوز" &src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"