عبدالسلام الككلي لم يرد في حديثنا مع الأستاذة الشرفي المنشور في جريدة الصباح يوم 31 جانفي بعنوان " هل يكون البرج العاجي هو أيضا أسطورة؟" ما يمت بصلة للمجموعات الإسلامية ولم يدر بخلدنا أن ندافع عنها أو عن أطروحاتها ولكن من الغريب أن تحضر مجادلتنا في ردها على ردنا بعنوان" هل تريدني أن أساند جلادي" ( تقصد الإسلاميين) تلك القضايا التي احترفت الحديث عنها . تحدثها عن موضع المثقف بين السلطة وعامة الناس فتخرج لك من جيبها بمناسبة ودون مناسبة صورة باللادن وكأنها تخرج لك الشيطان الرجيم لا لتثبت لك انه كذلك بل لترهبك وترهب غيرك،وهذا يذكرني بما تفعله الإدارة الأمريكية التي تعلم حق العلم أن باللادن انتهى منذ 2002 ولكنها لا تزال تسوق خطره لتبرر حربها ضد ما يسميه جون بيار فوليو في كتاب له بعنوان" حيوات القاعدة التسعة" المنشور سنة 2009 "النضالات الإسلامية" . هذه النضالات التي تستفيد منها إسرائيل والأنظمة العربية، الأولى من اجل التملص من عملية السلام باسم مقاومة حماس والثانية لمحاصرة كل صوت معارض باسم الأمن ومقاومة التطرف الذي ليس في الواقع غير مولود محاضن الاستبداد التي تمثلها الأنظمة العربية سواء تلك تستند إلى فكر ديني أو تلك التي تتشدق بحداثة تمس كل شيء إلا حق الشعب في أن يختار من يسوسه.والجدير بالذكر إن وهم بالادن هذا كان موضوع تصريحات مثيرة قدمها ألان شووي من الإدارة العامة للأمن الخارجي الفرنسية أواخر شهر جانفي2010 في ندوة نظمها مجلس الشيوخ والتي أكد فيها أن الإلحاح على فكر باللادن وإخراج "الجثة من قبرها" في إحدى مغارات وزيرستان والتلويح باستمرار بخطرها قد أدى في الواقع إلى نتيجتين متوازيتين وغير متوقعتين وهو أن كل المعارضين الإسلاميين مهما كانت أغراضهم قد اكتشفوا انه من صالحهم إعلان انتمائهم إلى القاعدة إذا كانوا يريدون أن يؤخذوا بعين الاعتبار وان يهتم بهم العالم وخاصة الغرب كما أن الأنظمة العربية تفطنت انه من صالحها أن تنسب أي معارض لها إلى تنظيم القاعدة حتى تتمكن من قمع خصومها "على راحتها" وبدعم من الغرب أيضا .لقد أكد ألان شووي انه حان الوقت ليفهم الغرب أن الخطر لا يكمن في المجموعات الإسلامية فقط وإنما في الأنظمة العربية اللاديمقراطية ذاتها. . ولذلك لا نستغرب أن لا يملك البعض من خطابهم غير لغة التخويف وهم يدّعون مقاومة باللادن. وليعد القارئ إلى ما كتبنا ردا على الأستاذة و سيتفطن بسهولة - بل لعل الكثيرين قد تفطنوا بعد إلى ذلك- أننا لم نثر قضية الفكر الأصولي من بعيد أو من قريب اللهمّ إلا في جزئية واحدة نريد أن ينتبه القارئ فيها إلى ما فعلته مجادلتنا ونترك له بعد ذلك حرية الحكم على القولين معا . نزعة الاستئصال وشيطنة الآخر قلنا في حديثنا السابق حرفيا إن مجادلتنا توهمنا بجدارتها بالبرج حين تعيد علينا -بنفس الألفاظ التي قيلت ألف مرة- تلك القضايا الممجوجة في طريقة طرحها وتناولها، من جنس" هل حقا أنّ المختلف عنّي فكريا هو عدوّي و خائن و كافر وصهيوني ؟ وسألنا بعد تحليل يمكن أن يعود إليه القارئ إذا كان من المشروع أن يأتي السؤال بصيغة أخرى أيضا فنقول " لماذا يصبح المختلف فكريا معارضا مناهضا ولا وطنيا؟ هل رفضنا هنا كلمة كافر؟ هل لمناها على استعمالها؟ حدثناها عن طريقة في الطرح والتناول فأخرجت لنا الألفاظ. وما أبعد حديث المنهج عن فقاقيع الكلمات.. لقد دعوناها إلى النظر من زاويتين لا من زاوية واحدة فهذا اخلق بالمثقف وادعى إلى حسن النظر والتمييز.هذا من جهة ومن جهة أخرى دعوناها- لا للإيقاع بها كما تظن- أن تدرك أن رفض الأخر جزء من عالم الاستبداد الذي نحياه وهو عالم لشمولية أنظمتنا فيه نصيب وأي نصيب. ولكن كيف ترد علينا مجادلتنا ، تقول: "وفكر جماعة «ناس فرض وناس سنّة « هذه، عاجزة حتى عن تحديد المصطلحات المترادفة. فكلمة كفر، التي انزعج منها معارضي، لا تختلف في معناها عن كلمة الخيانة أو العمالة. إنّها كلمات يلجأ إليها كل متسلّط بالرأي لوصف خصمه الفكري في إطار التمهيد والتبرير لشن حرب استباقيّة عليه. لماذا يتحرّج مخاطبي من مسميّات دون أخرى؟ لماذا يقبل كلمة خائن وعميل ويرفض معادلتها بكلمة كافر ؟" سنضطر هنا وليسمح لنا قارئنا بذلك الى أن نتوقف عند بعض التفاصيل... أولا هل يجد قارئنا في كلامنا الذي أوردناه أعلاه انزعاجا من كلمة كفر؟ هل استعملنا في خطابنا كلمات من نوع خائن او عميل؟ هل دافعنا عن احد؟ هل اتهمنا أحدا بشيء؟ على العكس من ذلك تماما ،نحن رفضنا لغة الاتهام أصلا وطالبنا بحقنا في الاختلاف إذا كنا معارضين لأننا نعتقد إن اتهام اللآخر بالكفر هو من جنس اتهام الآخر بالمعارض المناوئ وغير الوطني وكلاهما موجودان وكلاهما ينتسبان إلى نفس السجل ويمتحّان من نفس المورد وهو منطق الاستبداد ورفض الآخر. ,ولكن بعض المثقفين، يتماهون مع السلطة المستبدة بوعي منهم أو من غير وعي ، فيتحولون إلى مروّجين لأيديولوجيتها وقيمها بل ويتماهون مع نزعتها للاستئصال وشيطنة الآخر المختلف معها. وهو السلوك الذي تمارسه الأنظمة التي لا شرعية ديمقراطية لها مع الحركات الإسلامية التي وبقطع النظر عن قدرتها الفعلية على التطور في اتجاه الإقرار بالدولة المدنية وتخلصها من وهم تطبيق الشريعة ". فالدولة دنيوية بالضرورة حتى وان ادعت أنها دينية مثلما أن الدين ملطخ بدنس المصالح المادية حتى وان ادعى العفة الشخصية " .فإن أي تنازلات يمكن أن تقدمها هذه الحركات لكي تقترب من التجربة التركية مثلا لن تزيد السلطة إلا خوفا منها ، لأن تمسكها بنهجها الطوباوي المتشدد هو الذي يوفر للأنظمة فرصة التحريض عليها واستخدام ذلك لابتزاز الغرب المتواطئ معها والداعم لها طالما أنها لا تهدد مصالحه ومصالح الدولة الصهيونية المعتدية الغازية للأرض العربية مع العلم أن هذا التحريض لا يأتي من السلطة فقط بل من بعض من يسمون أنفسهم ديمقراطيين أوعلمانيين فيسكتون على كل صور التعذيب البشعة وكل التجاوزات الأمنية أو القضائية التي لا تعنيهم إذا مست الإسلاميين بل تجدهم في قائمة المتسلقين المباركين المثمنين أو الصامتين الذين يبيعون سكوتهم بمقابل...ولا يختلف هذا الموقف عن بعض المفكرين أو الدارسين الذين يتناولون ظاهرة التطرف"حيث يعرضون عن التعامل معها كظاهرة اجتماعية لها أسبابها الموضوعية، ويسرعون إلى مواجهتها بتطرف مضاد فيقع خنق الحريات والقمع ضد الجميع والتشويه الإعلامي والنفاق" والسمسرة و الإقصاء لكل معارض سواء كان إسلاميا أو يساريا علمانيا لان المقصود بالقمع ليس الإسلاميين فقط بل المعارضة بكل أطيافها حفاظا من المتنفذين على مصالحهم.كما أشار إلى ذلك أحد علماء الاجتماع في تونس. فلتكن لدينا إذن الشجاعة لنشير إلى الاستبداد في كليته المشؤومة لا في جزئيته التي نحولها إلى أفكار تباع وتشترى في سوق السياسة حيث لا ضرر ولا ضرار ولا نكون مثل العميان الذين طلب منهم وصف الفيل فلم "يبصروا" منه غير ما تحسسته أيديهم. وليلاحظ قارئنا أن مخاطبتنا فرّت عمدا من استعمال كلمتي معارض مناوئ ولا وطني لأنها تعرف جيدا أن هذا المنطق هو الذي تستعمله السلطة في تونس مع كل معارضيها مهما كان لونهم وتعرف أن بعض المقامات محرمة عليها وليست محرمة علينا رغم أنها تدعي شجاعة تحاذر بلا شجاعة ألا تحتك بالسلطة. لم نكن نبغي مع مجادلتنا سجالا بل حورا ولكنها حولت الحوار إلى معركة تدفع فيها محاورها إلى مربع باللادن وتستعمل في سبيل ذلك كل الوسائل والحيل. يبدو أن عقل باللادن يسكن فكر البعض وهم لا يعلمون وان الأصولية أصوليات منها المعلوم المفضوح ومنها المضمر المستتر. ملاحظة أخيرة ونغلق الحوار ...يا سيدتي نحن لا نريدك أن تساندي أي جلاد بل أن تتمردي وأنت المثقفة على كل الجلادين أجمعين.
عبدالسلام الككلي أستاذ الحضارة في الجامعة التونسية نقلا عن جريدة الموقف