في وقت تقف فيه الجامعة العربية عاجزة أمام مشاكل وأزمات باتت تتفاقم وتنتقل عدواها من بلد عربي إلى آخر دون أن تجد من المؤسسة الخائرة القوى حلًّا جذريًّا ولا حتى حقنة مهدئة، في هذا الوقت تبرز من حين لآخر أصوات خجولة تطالب بإصلاح المؤسسة وإعادة هيكلتها لإخراج العرب مما هم فيه من ضعف ووهن. وتبرز من بين هذه الأصوات تلك المطالبة بتدوير منصب الأمين العام على كل الاقطار العربية وهو ما ترفضه جمهورية مصر مبررة ذلك بأنه لا يعقل أن يكون الأمين العام من بلد لا يوجد فيه المقر وهو التبرير الذي ساقه وزير الخارجية أحمد أبو الغيظ في مقابلة صحفية مؤخرًا حين أكد أنّ خليفة عمرو موسى لا يمكن أن يكون إلا مصريًا، وقال أبو الغيط بالحرف الواحد إنّ "اختيار منصب الأمين العام للجامعة العربية يكون من البلاد التي يتواجد بها مقر المنظمة العربية وهو أمر يسهل من قيامه بمهام عمله، هذه المسألة محسومة بالنسبة لمصر..إذا كنا نسعى إلى عمل عربي إلى الأمام دعونا نرى أمينًا عامًا قادرًا على العمل في مقر الجامعة في القاهرة". تصريحات أبو الغيط هذه جاءت على خلفية أنباء عن اعتزام الجزائر تقديم مذكرة رسمية إلى القمة العربية التي ستعقد في مدينة سرت الليبية أواخر هذا الشهر لإحياء مطالبها السابقة بشأن تدوير منصب الأمين العام وعدم قصره على دولة واحدة وإتاحة الفرصة للدول العربية الأخرى لتقديم مرشحين لتولي المنصب وهي مطالب سبق أن طرحتها قبل القمة العربية التي عقدت بالجزائر عام 2005 قبل أن تسحبها بعد ضغوط مصرية. التبرير "المنطقي وغير القابل للنقض" الذي أطلقه رأس الدبلوماسية المصرية يستحق التوقف عنده طويلًا وعرضه على موازين العقل والمنطق ومقارنته بالحالات المماثلة في مؤسسات إقليمية ودولية أصغر وأكبر من الجامعة العربية، حيث لم نسمع أبدًا عن استخدام إحدى الدول لورقة "احتضان المقر" للاحتفاظ بمنصب ما مهما كان ثقلها السياسي أو المعنوي ففي الاتحاد الإفريقي لم تصر أثيوبيا على احتكار منصب مفوض الاتحاد باعتبارها بلد المقر، كما لم تقفل السعودية الباب أمام أشقائها في دول مجلس التعاون الخليجي في تداول منصب الأمين العام للمجلس باعتبارها محتضنة المقر والشقيق الأكبر، أما الاتحاد الأوروبي فهو عالم آخر تصعب مقارنته بالجامعة العربية من حيث معاملة دوله الكبرى لشقيقاتها الصغرى ومحاولة إشراكها في المناصب والمزايا المختلفة رغم الهوة الكبيرة التي تفصل بينها. ورغم سيطرة الولاياتالمتحدةالأمريكية على الأممالمتحدة وقراراتها وتصريفها وفقًا لأهوائها ونزواتها إلا أنّ واشنطن لم تسع لاحتكار أمانتها العامة وفقًا لنظرية "أبو الغيط"! أما مسألة أنّ الأمين العام يلزم أن يكون من البلاد التي يتواجد به مقر المنظمة العربية لأنّ ذلك يُسهِّل قيامه بمهام عمله فهو أمر مثير للسخرية ويحمل في طياته استخفافًا بعقول الأمة، فهل عرقل بُعد نيويورك ومشقة السفر إليها ممارسة كي مون أو بطرس غالي أو كوفي عنان لأعمالهم في المنظمة الدولية؟ من المعروف أنّ أمانة الجامعة ظلت منذ تأسيسها مصرية، وكانت المرة الوحيدة التي تولى فيها شخص غير مصري المنصب في عشرية الثمانينيات حين شغل التونسي الشاذلي القليبي أمانتها العامة، ورغم أنّ الجامعة في فترته لم تأت بحلول سحرية لمشاكل العرب، إلا أنّ القليبي سجل موقفًا تاريخيًا مشرّفًا حين أعلن استقالته بعد أن عجز عن حل أزمة العراق والكويت عام 1990. أما ما مرَّ به العالم العربي بعد ذلك من معضلات إلى اليوم فلم يصل - رغم شناعته - إلى أن يهز أيًّا من "الهرمين" العتيدين عبد المجيد وموسى أو يدفع أيًّا منهما إلى الاستقالة أو التفكير بها، ولا حتى إلى تسجيل موقف يخلده التاريخ من قبيل الانسحاب احتجاجًا على موقف مهين لكرامتهم أو كرامة أمتهم كما فعل أردوغان في منتدى دافوس بينما رضي موسى بالجلوس!! ويكاد يجمع المراقبون والمحللون أنّ الأمين العام للجامعة العربية في وضعها الحالي يبقى مجرد موظف بالخارجية المصرية يأتمر بأوامرها ويعكس مواقفها ويبرهنون على ذلك بأنّ القاهرة درجت على أن ترشح وزراء خارجيتها السابقين لهذا المنصب وهو الواقع بالفعل مع الأمينين العامين السابق عصمت عبد المجيد والحالي عمرو موسى. فهل يعني ذلك أنّ وزير الخارجية الحالي أحمد أبو الغيط هو الأمين العام المقبل للجامعة العربية؟ وهل يفسر هذا إصراره على أن المنصب سيبقى مصريًا.. "لحاجة في نفس يعقوب"؟. وإذا صدق ذلك التوقع فللمواطن العربي أن يتوقع من الآن الطابع العام للعشرية العربية القادمة ويخمن شكل وسياسة الجامعة بعد نهاية ولاية موسى العام المقبل..!