بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مكافحة الفساد في المغرب العربي الكبير.. إلى أين؟
نشر في الحوار نت يوم 05 - 04 - 2010

تحوّلت مكافحة الفساد إلى أحد الشِّعارات الرئيسية التي ترفعها الحكومات العربية، وخاصة في المغرب الكبير، بعدما تواترت قضايا الرّشوة والمحسوبية، التي كشفت ضخامة الظاهرة ومنحت مصداقية للتقارير الدولية التي حذّرت من تفاقمها.
ومن المؤشرات الرّمزية اللاّفتة في هذا المجال، أن مجلس وزراء الداخلية العرب أقرّ في ختام اجتماعات دورته السابعة والعشرين المنعقدة مؤخرا في تونس، اتفاقية لمكافحة الفساد.
وفي الجزائر اتّصلت جهات في وزارة المالية بالشركة السويسرية "أس جي أس" (sgs)، لتكليفها بمراقبة صادرات وواردات البلد، مُستَبِقة إقرار تدابير جديدة ضدّ الفساد.
أما في المغرب، فلوحظ أن الموضوع الوحيد الذي نوقش في ندوة أقِيمت على هامش القمة الأوروبية المغربية الأولى في غرناطة، لم يكن سوى إصلاح القضاء ومكافحة انتشار الفساد في المجتمع المغربي.
والظاهر، أن الإتجاه إلى محاصرة الفساد بات ظاهرة عربية عامة. ففي البحرين والكويت وسِواهما من الإمارات الخليجية، تطفو على السطح بين الفينة والأخرى قضايا فساد تكشِف أولا عن حجم الغول الذي ينخُر المجتمع وتبرهن في الوقت نفسه على أنه اكتسى أبعادا تجعل السلطات غير قادرة على الإستمرار في التستّر عليه. وكشف أخيرا اعتقال الوزير البحريني منصور بن رجب، المتّهم بالفساد وغسيل الأموال، عن وجود شبَكة خيوط ممتدة إلى بلدين خليجيين آخرين على الأقل.
ويمكن القول أن موضوع الفساد أخذ مُنعطّفا جديدا في المنطقة المغاربية منذ الكشْف عن المجموعة التي قيل أنها كانت تُدير شبكة صفقات مشبوهة في شركة النفط الجزائرية "سوناتراك"، والتي يبدو أن محمد مزيان، رئيس مجلس الإدارة السابق، هو الذي كان يتزعّمها.
ولوحظ أن الجزائر تعتزِم الإنتقال إلى مرحلة متقدِّمة في مكافحة الفساد، بعدما قرّر أخيرا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تشكيل لجنة وطنية سيُكلِّفها بالتحقيق في الجرائم الاقتصادية الكُبرى ومتابعة عمل المؤسسات العمومية والوزارات. وسيحصل أعضاء الهيْئة، الذين اختيروا من ضِمن العناصر التي سبق لها التحرّي في ملفات ''الخليفة'' والطريق السيارة الرابطة بين غرب البلاد وشرقها. أكثر من ذلك، فقد قرر بوتفليقة إرسال الفريق لتلقِّي تكوين متخصّص في الولايات المتحدة لدى مكتب التحقيقات الفدرالي ومؤسسات رسمية أمريكية أخرى.
وأكّد الجامعي بوجمعة بوراوي ل swissinfo.ch أن أعضاء الفريق المؤلّف من قُضاة ومستشارين وخُبراء من المجلس الوطني للمُحاسبة وضبّاط مختصِّين في التّحقيقات الجنائية المالية وقُضاة من عدّة وزارات، تلقّوا إشعارات في هذا المعنى، أوضحت لهم أن الهيئة الجديدة ستتكفَّل بالتحقيقات الاقتصادية حول المشاريع الكُبرى في الجزائر والمؤسسات الاقتصادية، وهي ستحصُل باستمرار على بيانات من وزارة المالية، تتضمّن كشوف البنوك وبيانات الأداء الاقتصادي المالي لمُختلف المؤسسات، ومدفوعات الضرائب وبيانات الوزارات حوْل نشاطاتها الاقتصادية.
وتتكفّل الهيئة أيضا بالتحقيق في جرائم تبييض الأموال والتّهريب وتقدِّم تقارير دورية عن عملها لوزارة العدل ورئاسة الجمهورية. وأفاد بوراوي أن جناحا خُصِّص لها في مبنى وزارة المالية وأنها في بلد نفطي، باشرت العمل هذا الشهر.
وما من شكٍّ أن النزيف المالي الذي يُسبِّبه الفساد لميزانية الدولة ويؤدّي إلى إرباكات واضطرابات اجتماعية، أسوَة بالإضرابات الأخيرة في بلد غني بالموارد الطبيعية، شكّل الحافز الرئيسي على إطلاق الحملة الراهنة على الفساد. وكشفت دراسة جديدة أن تحايُل المُستورِدين على الجمارك ودائرة الضرائب في الجزائر، يحرم الخزانة العمومية من ملايين الدولارات.
وأشار الإعلامي حفيظ صواليلي إلى أن من بين وسائل التحايُل، خفْض قيمة فواتير المُنتجات مثل المواد الغذائية والفلاحية، لدى استيرادها من الخارج، وحِرمان الخزينة من ملايين الدولارات من رسوم الإستيراد والضريبة على القيمة المضافة، ووصف خسائر الجزائر بكونها "مُعتبرة في هذا المجال"، من دون إعطاء تفاصيل أو أرقام.
وشرح ل swissinfo.ch، أن "من آليات التهرّب الجِبائي والضّريبي الأكثر شيوعا، تخفيض قيمة الفاتورة بنَسبٍ تتَراوح بين 30 إلى 50%، أحيانا، فيكون الرّابحان، هما الطّرفان، أي المُموِّن الخارجي والمُستورِد".
وأضاف أن بعض المُستورِدين المحليِّين يقومون عادَة بتأمين مَبالغ مالية، يتمّ تقاسُمها مع المُموِّنين الأجانب من خلال تحويلات خارج نطاق البنوك، بعد اللجوء إلى السوق المُوازية في مجال الصرف. واقترح حفيظ صواليلي أن يتِم في المستقبل التّدقيق في قيمة المواد المُستورَدة ومُطابقتها مع الأسعار المُعلنة ومُتابعة الدوائر المختصّة، مسار الإستيراد في جميع مراحله.
وأضاف الإعلامي الجزائري "كثير من المواد، وخاصة منها الغذائية، يتمّ التعرّف على أسعارِها في البورصة يوميا. فمن غير المعقول أن يكون الفارق كبيرا بين سِعر المادة في البورصة وسِعرها الذي يشتريها به المستورد الجزائري، إذ هنالك موادّ مثل اللحوم والأسماك والخُضر، تشهد أحيانا فوارق بين السِّعر المُعلن للشِّراء في السوق الخارجية والسِّعر الحقيقي المسجَّل في التّعاملات بالبورصة، والنتيجة، أن الفارق لا يدخُل الخِزانة أبدا في شكْل حقوق جُمركية أو رسْم على القيمة المضافة''.
إصلاح القضاء
غير أن خُبراء ورجال قانون اعتبَروا أن تعزيز طواقِم المحقِّقين وتحسين مُستوى خِبرتهم، غيْر كافِيين، وشدّدوا على ضرورة إصلاح المنظومة القضائية بأَسْرها، كي تكون سلاحا فعّالا ضدّ الفساد. ورأى بعضهم أن إصلاح القضاء نفسه يحتاج إلى إصلاح.
وقال المحامي مُقران آيت العربي في هذا السياق: "أنا قُلت وأكَرّر أن ما حدث منذ سنوات ويحدُث حتى اليوم، ويسمّى إصلاح العدالة، ما هو إلا إصلاح قُصور العدالة وإعطاءها إمكانيات أكبر". وأضاف في تصريحات خاصة: "حقيقة، هناك مدّة أطول لتكْوين القُضاة وهناك ترفيع للرواتب... لكن الجوهر يبقى هو المُتقاضي، وليس قصْر العدالة في حدّ ذاته. فعندما نتحدّث عن حقوق الدِّفاع، هي في الحقيقة حقوق المواطنين وحقوق الدفاع إلى حدّ الآن، بعيدة كل البُعد عن مقاييس المحاكمة العادلة".
وعن سؤال ل swissinfo.ch عمّا إذا كان الجهاز القضائي نفسه خاضِعا لنفوذ أجهزة الأمن والدّرك القوية فأجاب: "الأمن والدّرك الوطنِيان مهامّهما معروفة. وما يُعرف بالاستعلامات والأمن، له مهامّ معروفة أيضا، وهي تتعلّق بأمن الدولة وتُصنَّف ضِمن أسْرار الدِّفاع الوطني، وهذه المؤسسة لها قِسم يسمّى الضّبط القضائي وله مهامّ معروفة كذلك، ولكلّ جهاز هيْئة تراقبه، لكن هناك صِراع بين كل هذه الأجهزة وكل واحد يُريد أن تكون قضية معيّنة ضِمن صلاحياته، وهذا موجود في كل الأنظمة في العالم".
واستدلّ قُضاة آخرون، رفضوا الكشْف عن هوياتهم، على القيود السياسية التي تُعرقل عمَل القضاء بملفّ الفساد، الذي نظرت فيه أخيرا غُرفة الإتهام بمجلس قَضاء العاصمة الجزائر، والذي اعتبرته وسائل الإعلام المحلية، أكبر ملفّ فساد في تاريخ الجمارك الجزائرية.
وتتمثل وقائع الملفّ، الذي دُفِن في الأدراج منذ سنة 2000 ولم يُفرج عنه إلا أخيرا، في أن 12 من عناصر الجمارك و5 مصدّرين تواطأوا لتزوير وثائِق تصدير نفايات حديدية وغير حديدية، وكلِّفت العملية الخزانة خسارة قُدِّرت ب 3 آلاف مِليار سنتيم جزائري.
وأفادت صحيفة "الشروق" الجزائرية، أن تفاصيل هذه القضية تعُود إلى شهر نوفمبر من عام 2000، بعد توقيف بثّ حلقة من البرنامج التلفزيوني "المحقّق" (الذي لم يتمكّن الجزائريون من مُشاهدتها إلى اليوم). وتطرّق البرنامج إلى أخطر ملفّات الفساد على مستوى الجمارك. وقيل آنذاك، إن الجهات الأمنية المختصّة تلقّت أمرا من الرئيس بوتفليقة بمُتابعة التحقيقات بحزْم، فيما أشارت صحيفة "الشروق" إلى أن رئيس الدولة وجّه رسالة إلى شخصية أحمد أويحيى، وزير العدل آنذاك لتكليف النيابة العامة بالتحقيق في أربعة ملفّات، من بينها صَفقات تصدير النِّفايات الحديدية وغير الحديدية، والتي تورَّط فيها مدير عام الإتصال والعلاقات العامة في الجمارك ومصدِّرون من القطاع الخاص.
وطلب بوتفليقة من الجهات المعْنِية "إحالة المتورِّطين في هذه القضايا على العدالة وإنزال سيْف الحجّاج عليهم". وعلى سبيل المثال، أظهرت أوراق التحقيق، التي كشفت النِّقاب عنها صحيفة "الشروق" أخيرا، أن قوات الجيش التي ضبطت الشّحنات المُعدّة للتصدير وراجعت وزْنها إدارة الغشّ، اكتشفت أن الوزن الإجمالي للحاويات، حسب تصريح المصدر، لا يتعدى 110 طنّا وأن الوزن المُضاد، الذي توصّلت له إدارة الجمارك، هو 142.540 كلغ، أما الوزن الذي توصّلت له هيئة الضابطة القضائية، فهو 264.460 كلغ. وأظهرت بشكل خاص أن ضبّاطا في الجمارك تعمّدوا تزوير عمليات تدقيق الوزن لكي تكون مطابقة لِمَا أثبتته الضابطة العدلية، بالإضافة للتّلاعب بالأسعار المرجعية للنفايات غير الحديدية، التي تُحدِّدها وزارة التجارة.
كما تمّ تحرير مَحاضر بعدما سجّل التليفزيون الجزائري في أواخر 2000 شريطا خُصِّص للتحقيق في تصدير النِّفايات الحديدية وغير الحديدية والتّلاعبات في ملفّ استيراد الأجهزة الإلكترونية والكهرومنزلية بواسِطة نظام "أس كادي \ سي كادي"، لكن تلك المحاضر كانت مزوّرة وأرسلت إلى الرئاسة التي أحالتها بدوْرها إلى وزارة العدل والنيابة العامة لمُعاودة التحقيقات.
3000 ملف
وطِبقا لقرار الإحالة، أصدَر قاضي التحقيق يوم 23 نوفمبر 2006 أمرا بتعيين خبير أسْنِدت له مهمّة تحديد الأموال المستحقّة للخزينة العمومية، جُزئيا، في هذا الملف الضّخم. وصدر حُكم ضد المصدِّرين للنفايات الحديدية وغير الحديدية، مع تحديد حجم المبالغ المالية المستحقّة لكل مصدر، لكنهم طعنوا في قرار المحكمة وقبلت هيئة الإستئناف طعْنهم، وأحالت الملف برمّته إلى غرفة الإتهام، لدى مجلس قضاء العاصمة، مع تشكيله تشكيلا مغايِرا، غير أن الملف ما زال يُراوح مكانه في أرْوِقة الدوائر القضائية.
وتحدّثت صُحف جزائرية أخيرا عن "المصير الغامِض لثلاثة آلاف ملف فساد" في الفترة الفاصلة بين 1994 و2000 فقط... أكثر من ذلك، كشفت أخيرا صحيفة "الشروق" أنه "تمّ إتلاف بعض الملفات الضخمة في كل من ميناء الجزائر وميناء وهران وعددها 25 ملفا، تضمّنت عشرات مليارات من السنتيمات"، وأشارت في هذا السياق، إلى عثورها على مراسلة مؤرّخة في 3 أكتوبر 2004، صادرة عن مسؤولين بميناء الجزائر، أكّدت ضَياع محاضر معاينة قائلة أن عددها بلغ 19 ملفا وقدرت قيمتها الإجمالية، بحسب المراسلة، بأكثر من 30 مليار سنتيم. وأوضحت أن تلك الملفات "أصابها التَّقادم الجُمركي والجزائي بقوّة القانون، وهذا ما يؤدّي إلى تبديد المال العام، بفعل الإهْمال وسوء التسيير".
غير أن اغتيال العقيد علي التونسي، المدير العام للأمن الوطني في مكتبه يوم 25 فبراير 2010، رفع الغطاء عن الحجْم المُتزايد لسرطان الفساد، الذي يبدو أنه ضرَب قِطاعات حسّاسة، وما القرار الذي أعلن عنه وزير العدل الطيب بالعيز بإحالة قاتل التونسي العقيد شعيب ولطاش على النيابة العامة، سِوى تأكيد غير مباشر للفرضيات التي راجت في شأن تورّط الأخير في صفقات مشبوهة، ما حمله على التخلّص من العقيد التونسي، على خلفية أنه كان وراء تحقيق حول الصفقات التي أشرف عليها الجاني بصِفته مسؤولا على أكبر صفقة لتجهيز هيئات الشرطة في 48 ولاية بمُعدّات الإعلام الآلي. ولم يكن الجاني يتوقّع قرار الفصل وربّما السجن، حسب ما ورد إليه.
ويتوقّع مراقبون أن تُرفَع قضية ولطاش الغطاء عن قضايا فساد كبيرة، قد تكون مُحرجة لأطراف نافذة، ما قد يُعزِّز موقِع الدّاعين إلى "لفلفة" القضية، والذين لم يرشح شيء عن هُوياتهم أو مناصبهم.
معركة قديمة
ولا يختلف الوضع في المغرب عن حال الجزائر في هذا المجال ولا عن سائر البُلدان المغاربية الأخرى، وإن بدرجات مُتفاوتة وباختلاف في مستوى الكشف عن القِسم العائم من جبَل الجليد الضّارب عميقا في البناء المجتمعي. ويمكن القول أن أول إعلان حرْب على الفساد في المغرب، صدر في أواخر حُكم الملك الراحل الحسن الثاني، والذي سبق الإطاحة بوزير الداخلية القوي إدريس البصري في أواخر التسعينات، إذ مهَّد لتنحِيته بضرب رجاله البارزين، وفي مقدمتهم محافظ الأمن الشهير ثابت الذي ملأت محاكمته الدنيا وشغلت قصَص الفساد، التي كشفت النقاب عنها الناس أشهرا طويلة.
وتتالت قضايا الفساد بعد الحسْم القضائي في ملفات ثابت، وتهاوَت رؤوس كبيرة أُطِيح بها سياسيا أو قضائيا، في مسار اعتُبر تصفِية لحِقبة الحسن الثاني وفتحا لصفحة جديدة اعتُبرت بيضاء، غير أن الفساد عاد ليطفُو على السطح مجدّدا، وخاصة من خلال التقارير الدورية، التي دأبت على إصدارها منظمة "الشفافية العالمية"، المعروفة باسم "ترانسبارينسي"، والتي سُمح لها بفتح فرع في المغرب، وهي خُطوة لم تتجاسَر بلدان مغاربية أخرى على قَطعها.
واعتبرت نوارة باشوش، الصحفية في جريدة "العلم" الناطقة باسم "الإستقلال" حزب رئيس الحكومة، أن ملفّ الفساد ما زال في قلْب العلاقات بين المغرب وشريكه الرئيسي الإتحاد الأوروبي. وأشارت إلى أن الوفْد المغربي أكّد أمام المُنتدى الإسباني - المغربي، الذي عُقد في غرناطة أخيرا، على هامش القمة الأولى بين الاتحاد والمغرب، أن إصلاح القضاء "يشكِّل خِيارا لا رجعة عنه، بوصفه العَمود الفِقري للديمقراطية".
ويوافق خبراء كُثر على أن إصلاح القضاء ومنحه مقوِّمات الإستقلال والنظافة، يشكلان المدخَل الأفضل لمكافحة الفساد. وقال الخبير المالي التونسي محمود البارودي ل swissinfo.ch، إن استمرار استشراء الفساد يكلِّف البلدان المعنِية خسارة صافية تُقدر بنقطتيْن إلى ثلاث نقاط من نمُوها. ومعلوم أن متوسط نِسبة النمو المتوقّعة في السنة الجارية في البلدان المغاربية، لا تتجاوز تلك النِّسبة، ما يعني أن المحاربة الجادّة والمنهجية للفساد، ستضاعف من نسبة النُمو المحقّقة.
ولكن، ماذا أعَدّت السلطات المسؤولة في البلدان المغاربية لمكافحة الفساد؟
في الجزائر، حيث يتخذ الفساد حجْما ضخما بحُكم أهمية مواردها، أدانت محكمة الجنح في حاسي مسعود مطلع الشهر الجاري في جلسة علنية، أربعة كوادر من مؤسسة الأشغال المتخصّصة في الآبار النفطية Entpe، وهي إحدى فروع مجموعة سوناتراك. وكانت القضية أسالت الكثير من الحِبر بسبب تكوين شركة "ألباس" الوهمية، في حين برّأت نفس الهيئة الرئيس المدير العام السابق لشركة Entpe .
بلخادم وأويحيى
غير أن الأوساط المُستفيدة من الفساد والتّلاعب بالمال العام، تُعرقِل أي خطوة إصلاحية، ف "الهيئة الوطنية للوِقاية من الفساد" لم تَر النور طيلة سنوات، على رغم تكليف الحكومة بإصدار النصوص التنظيمية، التي تسمح بتكوينها منذ سنة 2005 في عهد عبد العزيز بلخادم. وتمّ تجديد التكليف بعد تسلّم غريمه أحمد أويحيى رئاسة الحكومة، لكن لم يتقدّم التنفيذ قيْد أنملة، مع ذلك، تم أخيرا تسريب تقارير سرِية أبلغت إلى الرئيس بوتفليقة وكشفت عن خسائر تكبّدتها الخزانة العمومية، تجاوزت قيمتها 7 مليارات دولار.
وقال عبد الوهاب بوكروح، إن الكيْل طفح بعد سلسلة التقارير المفصّلة التي بلغت بوتفليقة من مصادر مختلفة، أجمعت على خطورة الوضع، على غِرار حادثة استيراد مائة ألف ثلاجة من أوروبا بأسعار مخفَّضة جدّا لا تتعدّى 3 يورو أي 300 دينار جزائري للثلاجة، وتمّت جمركتها على أساس هذا السِّعر الغريب، بهدف إغراق السوق الوطنية بهذا المنتوج الذي يقدّر سِعره الحقيقي ب 280 يورو، ممّا يسهِّل لبعض العناصر خنْق المؤسسة الوطنية للمواد الكهرومنزلية، التي توجد ورشاتها في ولاية تيزي أوزو ودفعها نحو الموْت المؤكد. وأحيلت هذه القضية على محكمة سيدي امحمد بالعاصمة الجزائر، فقرّرت إدانة 20 متورِّطا فيها بالسِّجن النافذ.
وقدّر خبراء الأضرار التي لحِقت الخِزانة العمومية جراءها ب 180 مليار سنتيم، ما حفَّز السلطات العليا على تعقّب مُرتكبي تِقنية التصريح المخفّض بقيمة السِّلع، بغرض الإثراء غير المشروع عن طريق التهرّب الضريبي والجبائي، لكن المفارقة، أن رجال الجمارك الذين كشفوا عن تلك الجريمة، تعرّضوا للمعاقبة، وهي القضية التي بلغت الرئيس بوتفليقة ليطَّلع على عيِّنة من الفساد الذي بلغته إدارة الجمارك.
وحذر معلِّقون من تأخير صدور المراسيم التطبيقية للمادة القانونية الجديدة، لأن التأخير سيفتح باب التلاعُب على مِصراعيه أمام اللوبيات المختلفة المعشّشة في إدارة الجمارك والإدارة الاقتصادية، على حدّ قولهم. ونفس المصير تلقاه هيئة مهمّة جدا في حماية المال العام، وهو مجلس المحاسبة، الذي قيل إنه يعيش حالة موْت سريري، إذ جُمِّدت أعماله على الرّغم من أن له صلاحية الفصْل في أحكام قضائية قابِلة للتنفيذ، وتحويل الملفات للقضاء العادي لتنفيذ الأحكام المتعلِّقة بالسجن أو الغرامات الجزائية. وعزا مراقبون عرقلته إلى إرادة التجميد، الصادرة عن جهات نافذة، لم يريدوا الكشف عن هُويتها.
ولاحظوا أن الرئيس بوتفليقة التفّ على البرلمان بسَنّ مرسوم رئاسي، كي لا يضيع التعديل القانوني في متاهات البيروقراطية بين غرفتَي البرلمان، فتنقَضّ عليه مجموعات المافيا المتربِّصة بقطاع التجارة الخارجية، والتي "تحذق التلاعب بالقوانين والتشريعات، لجعلها تصُب في مصلحتها" حسب تأكيد البعض، وأشاروا إلى محاولة وَأْد التعديل في المهْد، إذ تحجّجت المافيات بضرورة فتح نقاش حول تعديل قانون الجمارك وإشراك نواب المجلس الشعبي الوطني (المخوّل دستوريا لتشريع القوانين)، متحجّجين بأن الإجراء "يشكِّل تعديا على السيادة الوطنية، بعد ما تصبح تحت رحمة الشركات الأجنبية، التي ستستفيد من مداخيل هامّة بالعُملة الصعبة، تتراوح ما بين 500 مليون دولار ومليار دولار سنويا، وهي المبالغ التي كانت تذهب سنويا إلى الخزانة العمومية".
وتدعم المنظمات والهيئات الدولية المختصّة مثل هذا الموقف الصارم، وفي مقدِّمتها المنظمة العالمية للجمارك وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي والمنظمة العالمية للتجارة. وفي هذا السياق، قرّر الرئيس بوتفليقة في ضوء الملف الشامل عن الفساد الذي تلقّاه، تحويل صلاحيات المراقبة من الجمارك الجزائرية إلى شركات أجنبية متخصِّصة تعتمدها السلطة التنفيذية من خلال مراسيم تضبط لها عملها، وفي حال المخالفة، يتم اللجوء ليُفسخ العقد المُبرم بينها وبين الدولة الجزائرية، مع إمكانية ملاحقتها جزائيا وإلزامها بدفع التعويض أمام الهيئات الدولية المتخصّصة.
وعلمت swissinfo.ch أن مِن بين الشركات المتخصصة التي اتّصلت بها بعض الأطراف الجزائرية، بطريقة غير قانونية وغير شرعية، شركة "أس جي أس" (SGS) المعروفة (مقرها جنيف) ، وتنشط هذه المجموعة في مجالات المراقبة وتسيير المخاطر والاستشارة التِّقنية والتكوين والتحليل في مجالات الصناعات الغذائية والمنتوجات الفلاحية والسِّلع الاستهلاكية المختلفة ومجالات البيئة والخدمات المختلفة والصناعة والمنتوجات الصيدلانية، إضافة إلى النفط والغاز والمواد الكميائية والتدقيق والمصادقة على الجودة.
وفي هذا السياق علمت swissinfo.ch أن الوزير الأول الجزائري أحمد أويحيى وجّه منشورا وزاريا داخليا إلى كامل الشركات العمومية ومؤسسات الدولة تضمن استمارة شاغِرة عنوانها "تعهد بالاستقامة"، تلتزم بمُوجبها الشركات الأجنبية المتعاقدة مع مؤسسات جزائرية، بالامتناع عن منح رشاوى وإغراءات، مهْما كان نوعها وقيمتها، للأعوان العموميين في الشركات والهيئات التابعة للدولة، سواء كانت تلك الرّشاوى على شكل هدايا وعطايا أو تربُّصات وتكوينات في الخارج على حسابها أو سفريات استعلامية أو تكوينية. وتوعّدت الحكومة باتخاذ إجراءات صارمة ضدّ الشركات المخالفة التي يثبت تورّطها في هذه الممارسات، تصل إلى حد تسجيلها في القائمة السوداء للمتعاملين، وفسخ العقد المُبرم معها ومتابعتها قضائيا.
ما من شك في أن مثل هذه الإجراءات ستُخفّف من حجم الفساد وتجعل بعض الضالِعين فيه محلّ ملاحقات قضائية، إلا أن الظاهرة انتشرت في السنوات الأخيرة بأحجام لافتة في جميع البلدان المغاربية واستطرادا العربية، ما جعل مجلس وزراء الداخلية العرب يخصِّص له بندا مستقلا في دورته الأخيرة، ويُصادق على اتفاقية عربية لمكافحته.
غير أن الخبراء يؤكِّدون أن الظاهرة بصدد التوسّع على نحو جعل اجتثاثها اليوم هدفا صعبَ المنال بسبب غموض لُعبة اللوبيات وحذاقة المحترفين الذين يُخفون أوراقهم جيِّدا وقُدرتهم على شراء تواطئ موظفين عموميين من مستويات مختلفة أو على الأقل ضمان صمتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.