هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    النواب يناقشو مهمة رئاسة الحكومة: مشاريع معطّلة، إصلاح إداري، ومكافحة الفساد    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    الجزائر.. الجيش يحذر من "مخططات خبيثة" تستهدف أمن واستقرار البلاد    شوف وين تتفرّج: الدربي ومواجهات الجولة 14 اليوم    التشكيلات المحتملة للدربي المنتظر اليوم    تعرفش شكون أكثر لاعب سجل حضوره في دربي الترجي والإفريقي؟    سحب وأمطار بالشمال وانخفاض طفيف في الحرارة    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    اختتام الدورة الثالثة للمهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع": مسرحية "الهاربات" لوفاء الطبوبي تُتوّج بجائزة أفضل عمل متكامل    الأربعاء المقبل / إطلاق تحدّي " تحدّ ذكاءك الاصطناعي" بالمدرسة العليا للتجارة    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    مالي: اختطاف 3 مصريين .. ومطلوب فدية 5 ملايين دولار    تشيلسي يصعد لوصافة الدوري الإنجليزي بالفوز على وولفرهامبتون    الأحد: أمطار رعدية والحرارة في انخفاض    زيادة في ميزانية رئاسة الحكومة    وزارة الصحة: 1638 فحص أسنان: 731 حالة تحتاج متابعة و123 تلميذ تعالجوا فورياً    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    منخفض جوي وحالة عدم استقرار بهذه المناطق    منتدى تونس لتطوير الطب الصيني الإفريقي يومي 21 و22 نوفمبر 2025    إعداد منير الزوابي .. غيابات بالجملة والبدائل جاهزة    الجولة 12 لبطولة النخب لكرة اليد :سبورتينغ المكنين وجمعية الحمامات ابرز مستفيدين    تونس تحتضن ندوة دولية حول التغيرات المناخية والانتقال الطاقي في أكتوبر 2026    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    من كلمات الجليدي العويني وألحان منير الغضاب: «خطوات» فيديو كليب جديد للمطربة عفيفة العويني    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    عماد الأمن الغذائي والمنظومة الإنتاجية .. الدعم لإنعاش الفلاّح وإنقاذ الفلاحة    دعوة الى رؤية بيئية جديدة    رئيس الجمهورية يكلّف المهندس علي بن حمودة بتشكيل فريق لإيجاد حلول عاجلة في قابس    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    ألعاب التضامن الإسلامي – الرياض 2025: فضية لجميلة بولكباش في سباق 800 متر سباحة حرة    ربع التوانسة بعد الأربعين مهدّدين بتآكل غضروف الركبة!    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    تونس - الصين: 39 طالبا وطالبة يحصلون على "منحة السفير" في معهد كونفوشيوس بجامعة قرطاج    الرابطة الثانية – الجولة 8 (الدفعة الثانية): النتائج والترتيب    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    حريق في مستودع للعطور بتركيا يخلف 6 قتلى و5 مصابين    البنك المركزي: نشاط القطاع المصرفي يتركز على البنوك المقيمة    عاجل: من مساء السبت والى الأحد أمطار رعدية غزيرة ورياح تتجاوز 90 كلم/س بهذه المناطق    الدورة الاولى لمهرجان بذرتنا يومي 22 و23 نوفمبر بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس    العلم يكشف سر في المقرونة : قداش لازمك تحط ملح ؟    عاجل/ محاولة اغتيال سفيرة إسرائيل بالمكسيك: ايران ترد على اتهامها..    هام/ الهيئة الوطنيّة للوقاية من التعذيب تنتدب..#خبر_عاجل    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    بايدن يوجه انتقادا حادا لترامب وحاشيته: "لا ملوك في الديمقراطية"    جلسة عمل بوزارة الصحة لتقييم مدى تقدم الخطة الوطنية لمقاومة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية    أمطار بهذه المناطق خلال الليلة المقبلة    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    عاجل: حدث نادر فالسماء القمر يلتقي بزحل ونبتون قدام عينيك..هذا الموعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإعتذار عن الحقبة الإستعمارية مازال يُسمّم العلاقات الفرنسية المغاربية
نشر في الفجر نيوز يوم 06 - 03 - 2010

هل صحيح أن عقدة التاريخ تسمم العلاقات المغاربية - الفرنسية وتعطل تنمية التعاون بين الجانبين، أم أنها الشجرة التي تُخفي الغابة؟
الكلام عن التاريخ ليس دائما هو بيت القصيد، فالحملة التي شنتها وسائل الإعلام التونسية في الفترة الأخيرة على باريس لتذكيرها بماضيها الإستعماري ومطالبتها بالإعتذار عن الجرائم التي اقترفها جيش الإحتلال، أتت في سياق زماني محدد.
في الواقع، تزامنت الحملة مع الإنتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة التي منح خلالها الإعلام الفرنسي ملاجئ لمعارضين من تونس، فرأى مراقبون في فتح خزائن التاريخ مناورة لإحراج باريس وحملها على "ضبط" وسائل الإعلام المنفلتة من الرقابة. وما عزز تلك القراءة هو أن الهجوم الشامل على فرنسا أتى بعدما امتلأت وسائل الإعلام نفسها بالثناء عليها وعلى قيادتها خلال زيارة رئيسها ساركوزي في 2008 ورئيس وزرائها فرنسوا فيون في 2009.
أما مع الجزائر فتبدو الأزمة الثنائية أكثر تعقيدا، لأن نسق تحسين العلاقات كان يسير في اتجاه تصاعدي بعد مجيء بوتفليقة إلى سدة الرئاسة، وكان الجانبان على أبواب التوقيع على معاهدة صداقة. لكن ما أن بادر البرلمان الفرنسي بسن قانون في 23 فبراير2005 امتدح فيه الإستعمار وبرر أعماله حتى انتكس التقارب وعصفت أزمة حادة بالعلاقات، مُعطلة أجندة الزيارات الرسمية بين كبار المسؤولين في البلدين.
وأثار القانون سخط الجزائريين، وعلى رأسهم بوتفليقة الذي وصف مبادرة البرلمان الفرنسي ب «الوقحة و(تنم عن) قلة حياء». وطالب عبدالعزيز بلخادم الأمين العام لجبهة التحرير الوطني أثناء الاحتفال باليوم الوطني للهجرة في 17 أكتوبر الماضي بوجوب سن قانون لتجريم الاستعمار. وفعلا لوحظ أن نوابا في البرلمان الجزائري تبنوا مشروع قانون في هذا المعنى، وشط أجواء أعادت الوئام إلى الأحزاب السياسية الكبرى أوما يُعرف ب «الحركة الثورية».
قاعدة التعامل مع فرنسا
وتمثلت الخطوة اللاحقة بعقد الكتل البرلمانية لقاءات في المجلس الشعبي في ديسمبر الماضي لدرس تفاصيل مشروع القانون الذي يحوي 15 مادة متشعبة تتناول جل الملفات التاريخية والآنية في علاقة فرنسا بالجزائر. وأفاد أحد المشاركين في إعداد المشروع swissinfo.ch أن المواد تتصدرها مطالبة السلطات الفرنسية بتعويض الجزائريين عن كامل الحقبة الاستعمارية، ومحاكمة مجرمي الحرب، وتعويض ضحايا التجارب النووية الفرنسية في الصحراء، ومواد أخرى لها إسقاطات تنديدية بالجرائم التي ارتكبها الاحتلال.
وأضاف المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه أن مشروع القانون اعتبر الاعتراف باقتراف الجرائم هو «قاعدة في التعامل مع فرنسا»، وأن يُرفق الاعتراف بتقديم اعتذار، كما فعلت ألمانيا مع فرنسا نفسها بعد الحرب العالمية الثانية. واشترط مشروع القانون على السلطات الفرنسية «الاعتراف بكل الحقائق السلبية المدوّنة في الذاكرة قبل تطبيع حقيقي ونهائي للعلاقات الثنائية معها». كما طالب باسترجاع الأرشيف «الذي أخذته الإدارة الاستعمارية عندما غادرت الجزائر» بعد الاستقلال عام 1962.
وبعدما ظلت الأحزاب الجزائرية القريبة من السلطة ترفض لسنوات تمرير مشروع قانون في هذا الإتجاه، بسبب حسابات أخذت في الاعتبار إمكان تدهور العلاقات بين الدولتين إلى مستويات أكثر مما كانت عليه، صبت التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الذي حمل على الجيل المشارك في معركة الإستقلال، الزيت على النار.
ولوحظ أن الطبقة السياسية الجزائرية بدأت تقترب أكثر من النواب الخمسين الأوائل الذين أطلقوا مشروع قانون تجريم الاستعمار. كما نجح نواب جبهة التحرير الوطني، الذي يرأسه شرفياً الرئيس بوتفليقة، في تحقيق التفاف نيابي حول ما فشلت فيه قبل عامين «حركة الإصلاح الوطني» (حزب اسلامي معتدل). وعلى رغم أن هدف المشروع واحد في نسختيه الأولى والحالية، إلا أن الذي تغيّر هو تلقي أحزاب السلطة إشارات إلى أن الحكومة رفعت يدها عن أي «حرج» قد يُحدثه مشروع القانون في العلاقات مع باريس. أكثر من ذلك طالب النواب، وبينهم القوميون والإسلاميون والمستقلون، السلطات الجزائرية بالسعي لدى الأمم المتحدة إلى إصدار قرار يدين الاستعمار.
أربعة منغصات
غير أن السفير الفرنسي في الجزائر كسافيي دريانكور رأى في تصرحات أدلى بها أخيرا لصحيفة جزائرية أن التجاذب في شأن الذاكرة التاريخية ليس الخلاف الوحيد الذي نغص العلاقات. وذكر ثلاثة ملفات أخرى أولها قضية الدبلوماسي الجزائري حسان زياني الذي أوقفه القضاء الفرنسي، وهي القضية التي أزعجت كثيرا السلطات الجزائرية، إلا أن دريانكور أكد أن قاضي التحقيق الفرنسي المكلف لا يمكنه الخضوع للإعتبارات السياسية، مستدلا بأن رئيسا فرنسيا (في إشارة إلى شيراك) خضع لملاحقة مماثلة ولم يستطع أحد التأثير على المجرى القضائي. والملف الثاني هو قضية الصحراء الغربية «لاعتقاد الطرف الجزائري بأن فرنسا تقف إلى جانب المغرب على حساب الطرف الصحراوي» على ما قال. أما المأخذ الثالث فيتعلق باعتقاد الجزائريين أن الاستثمار الفرنسي في بلدهم لا يعكس حجم العلاقات بين البلدين وأنه يبحث عن الربح غير المكلف، على خلاف الصينيين مثلا.
وعلى رغم الإتصالات الدائمة بين السفير دريانكور والخارجية الجزائرية لتخفيف الإحتقان، على أمل تذليل الصعوبات التي أدت إلى إرجاء زيارة بوتفليقة إلى باريس إلى أجل غير مسمى، لم يصل إلى نتيجة وصرح لصحيفة "الشروق" الجزائرية بأنه لا يعلم تاريخ الزيارة "ولا يستطيع حتى القول إن موعدا تم ضبطه لأن هذا الأمر سيفصل فيه رئيسا الجمهوريتين ومعاونوهما". وفي قلب هذا التباعد يوجد رفض باريس تقديم اعتذار للجزائر أسوة بما فعلته مع مدغشقر.
ويرى الفرنسيون أن ما قاله الرئيس ساركوزي في خطاب شهير ألقاه بقسنطينة عندما زار الجزائر منذ سنتين، كان قويا وكافيا إذ صرح بأن الاستعمار ظالم وغير عادل. واعتبر السفير الفرنسي في الجزائر أن ما قاله ساركوزي لم يصدر من أي رئيس قبله، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن سفراء فرنسيين أدانوا في كل من ڤالمة وسطيف الجرائم الإستعمارية المقترفة فيهما. واقترح دريانكور القيام بعمل مشترك في سنة 2012، بمناسبة الذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر من دون الكشف عن مضمون هذا العمل المشترك. غير أن الجزائريين مرتابون من باريس وخاصة بعد تصريحات كوشنير التي رأى فيها الجزائريون "بوادر أزمة حقيقية لا تخص الخلاف حول الماضي التاريخي فحسب وإنما أيضا الحاضر والمستقبل ببعده السياسي والاقتصادي والاجتماعي. واعتبروها دليلا على "أن فرنسا التي تدّعى حقوق الإنسان والمساواة لم تتخل قط عن فكرها ''الكولونيالي'' إلى اليوم، وأن عهد ساركوزي والجيل المحيط به من اليمين المتطرف ليس بوسعه تقديم قراءة صحيحة لما تريده الجزائر كشروط للتطبيع".
وقالت الإعلامية نوارة باشوش ل swissinfo.ch إن التصريحات التي أطلقها كوشنير هي مجرد حلقة من مسلسل الحشد الإعلامي الذي أطلقه نظام ساركوزي ضد مشروع تجريم الاستعمار الفرنسي، خاصة بعد إعلان نواب البرلمان عن ذهابهم بعيدا في اقتراحهم بشأن هذه القضية وإقامة محاكم جزائية مختصة في هذا المجال، وهو ما أثار ردود فعل منددة بين نواب فرنسيين لأول مرة" كما قالت. ومع اقتراب افتتاح الدورة الربيعية للبرلمان الجزائري في بداية مارس يبدو أن باريس تبذل قصارى جهدها من اجل إفشال المصادقة على هذا المقترح، أو على الأقل تأجيله إلى فترة لاحقة قد تتحسن خلالها الظروف التي تحكم علاقات البلدين لصالحها. وإذا ما تمت المصادقة فإن السفير الفرنسي سيغادر الجزائر مثلما أسر بذلك هو نفسه إلى نواب من حزب جبهة التحرير في حفل استقبال أقامه أخيرا على شرفهم في بيته.
لماذا تذكروا الآن؟
غير أن المؤرخ التونسي الدكتور عبد الجليل التميمي تعاطى مع الدعوات التي أطلقتها بعض الأحزاب والمنظمات والأنظمة المغاربية بكثير من التحفظ، قائلا "هل تساءلت تلك الأحزاب والمنظمات والأنظمة التي تم استعمار شعوبها، عن سبب غياب اهتمامها الكامل منذ أكثر من 50 سنة أي منذ استقلالات بلداننا، عن هذا الملف وعدم إعداده وفقا للأصول القانونية المتبعة لمثل هذه المطالبات؟".
وقال التميمي ل swissinfo.ch: "كان أجدر بالأحزاب والمؤسسات البحثية العربية وسائر المنظمات على اختلاف توجهاتها، الاهتمام بهذه القضية وإعداد الدراسات الموثقة والمدعمة بالإحصاءات الدقيقة والمستمدة من مخزون الأرشيفات المحلية والفرنسية والبريطانية والإيطالية والإسبانية، التي تكشف بالأدلة والقرائن والخرائط، الأضرار البالغة في عديد المجالات، الفلاحية منها والاقتصادية والمالية والتجارية وخصوصا التربوية، لتكتسي مطالبتنا شرعيتها لدى المنظمات الحقوقية الدولية". ولاحظ أن "مطالبنا لم تتعد التصريحات الظرفية الصحفية النارية، إذ لم تقم أي دولة عربية واحدة بإعداد مشروع مدروس أشرفت عليه هيئات خبيرة بهذا الملف ومدركة لكل أبعاده القانونية والحضارية المختلفة".
وعلى أساس هذه الرؤية أكد التميمي على ضرورة التفريق بين المطالبة بالاعتذار والمطالبة بجبر الأضرار "الذي وجب أن يستند على معطى رقمي دقيق وموثق للتداعيات الخطرة للاحتلال الفرنسي على فضائنا المغاربي، وعلى الأخص منه الجزائر، إذ لا يمكن إطلاقا لأي مؤرخ مهما كانت قناعاته وثوابته الإيديولوجية، أن يتغافل عن المآسي التي حلت بالشعب الجزائري طوال الاحتلال الفرنسي. لكنه اعتبر أن ما قام به الرئيس الفرنسي السابق شيراك بإلغاء مفعول القانون الذي سنه البرلمان لتمجيد الإستعمار "طمأن مثقفي العالم بأن فرنسا لن تسمح بهذا المس الخطر بالمبادئ والقيم"، مُشددا في الوقت نفسه على أن "مطالبة الشعوب المستعمرة بالاعتذار أمر تفرضه طبيعة المتغيرات اليوم إذ أن الإمتناع عنه لا يمكن قبوله البتة مهما كانت الأسباب والتعلات".
ومن هذه الزاوية لا يستبعد الدكتور التميمي فتح ملف اغتيال مؤسس النقابات العمالية التونسية فرحات حشاد في 5 ديسمبر 1952 ، وهو يعتبر أن هذا الملف التاريخي "يحتاج إلى روية وجمع كل المعلومات من الأرشيفات المختلفة الفرنسية أساساً وأخذ شهادات الفاعلين على غرار الذين سمعناهم مؤخراً في قناة الجزيرة الوثائقية". ورأى أن هذا الملف "لم يفتح بعدُ لأن الآليات التي تتألف منها هذه العناصر مفقودة، ونحن أول مؤسسة (مؤسسة التميمي) نظمت مؤتمرا دوليا عن حشاد ونشرنا أعماله، وهو ملف ينبغي دراسته في ضوء المعطيات الأرشيفية في فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وأمريكا وخاصة الموجودة لدى المخابرات البريطانية وغيرها".
نصب تذكاري في باريس؟
وعلى رغم اعتراض اليمين الفرنسي القوي على فكرة الإعتذار لا يمانع سياسيون وأكاديميون يساريون من الإقدام على خطوات تصحيحية، فعندما دعا المؤرخ أوليفيي لاكور غرانميزون لإقامة نصب تذكاري لضحايا مذبحة 8 مايو 1945 في سطيف (الجزائر) تجاوبت مع دعوته دانييل جيولي غوفري، مساعدة عمدة باريس المكلفة بالذاكرة، وقالت إنها على استعداد للنضال من أجل تجسيد المقترح.
وأشارت غوفري في تصريح للصحافة على هامش الملتقى المنظم بباريس حول أحداث 8 مايو 1945 في كل من سطيف وقالمة وخراطة، إلى أن مثل هذه المبادرات مهمة جدا لأنها تسمح بتسليط الضوء وتشجع الفرنسيين ''على الاهتمام بهذا الجانب من التاريخ في فرنسا''، مؤكدة أنها ستعمل كل ما في وسعها لكي يصادق مجلس بلدية باريس على مقترح غرانميزون باعتباره الوسيلة الأفضل لمصالحة الشعوب من خلال البحث عن الحقيقة. وفي السياق نفسه دعا المشاركون في ندوة أقيمت أخيرا بمدينة بسكرة الجزائرية عن ثورة الزعاطشة (1849) الرئيس بوتفليقة إلى العمل على استعادة رؤوس قادة تلك الثورة ممثلة في الشيخ بوزيان وابنه والشيخ موسى الدرقاوي الموجودة بالمتحف الأنثروبولوجي بباريس، ودفنها في موقع المعركة ببلدية ليشانة، والتي كانت مفتاحا للثورات الشعبية في الجزائر ضد المستعمر الفرنسي.
لكن مثقفين آخرين اعتبروا ذلك النوع من الخطوات الجزئية غير كاف. وفي هذا الإطار قارن الأكاديمي الجزائري حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات حول الوطن العربي وأوروبا في جنيف (سويسرا) بين موقف باريس من الإعتذار التركي لأرمينيا وموقفها من الإعتذار للجزائر، موضحا أن الجميع يذكر ما قامت به باريس كي تمنع تركيا من الانضمام للاتحاد الأوروبي، فاشترطت اعتذارا تركيًا لأرمينيا على ما تزعم أنها جرائم إبادة ضد الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، بينما هي تنسى الاعتداد بهذا الموقف لما يتعلق بها وبجرائمها التي ارتكبتها في حق ملايين الجزائريين، بل وصل الأمر بوزيرهم الأول فرانسوا فيون إلى حد مطالبة الجزائر بسحب مشروع القانون من البرلمان". لكن عبيدي وضع الإصبع على خلفية مهمة تتمثل في الصراع الدائر داخل مركزي القرار في الجزائر وفرنسا حول هذه المسألة.
وقال في هذا المضمار لصحيفة "الخبر" الجزائرية: "مثلما ليس لفرنسا مقاربة واحدة تتعامل بها مع الجزائر، للأسف نحن أيضا لا نتعامل مع باريس بمقاربة واحدة. ويؤسفني القول بأن الموقف الرسمي الجزائري غير متجانس، وهذه نقطة الضعف فيه". وشرح قائلا "هناك من يدعم فكرة نسيان الماضي وطي الصفحة والانتباه للمستقبل.. وهذا أمر لا يجب أن يسود في أذهان الجزائريين... وفي باريس، يوجد من يدعو إلى معاملة الجزائر بطريقة خاصة والتزام الحيادية في القضايا التي تضر بالعلاقة معها، وفي مقدمتها الموقف (الفرنسي) المنحاز والمتعارض مع الشرعية الدولية فيما يتعلق بمسألة الصحراء الغربية.
وغير بعيد عن الجزائر وتونس تعرضت ليبيا لاستعمار إيطالي ترك جراحا غائرة وآثارا مؤلمة في نفوس الليبيين، غير أن رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني لم ير غضاضة في تقديم اعتذار علني لليبيا ووعدها بصرف تعويضات مالية، وإن كانت ليست بحاجة إليها. إلا أن هذا الإعتذار بدا كما لو أنه حركة بهلوانية دعائية ترمي فقط لفتح الحقول النفطية الليبية أمام الشركات الإيطالية. وعلى أي حال يبدو مستحيلا توقع خطوة مماثلة من جانب الفرنسيين.
ويُقدم الدكتور التميمي مفهوما للإعتذار قد يشكل مخرجا من هذا التباعد العميق في المواقف، وهو يقول "إننا لا نحتاج إلى تعويض مالي فمثلا دولة مثل الجزائر تنعم بحقول البترول والنفط وهي لا تحتاج إلى تعويض مالي، بل أن يترجم (الإعتذار) بمعاملة المهاجرين في فرنسا معاملة إنسانية وإعطائهم حقوقهم، وأن تقوم (فرنسا) بتأطير الخبراء وفتح مجال التعاون الأكاديمي، وأن تتألف هيئة من الخبراء في القانون والتجارة والمالية ووضع إحصاءات ثابتة وموثقة لتحديد أطر التعويضيات عن الجرائم التي اقترفتها في عهد الاستعمار".
واستدرك الدكتور التميمي قائلا: "لو فكرنا ملياً سنجد أن فرنسا قدمت بعض أشكال التعويض عبر تمويل الآلاف من مشاريع التنمية منذ الإستقلال وفي عديد المجالات والاختصاصات، وهي تستطيع أن تستكمل التعويض الحضاري عبر حماية أسس الديموقراطية في دولنا الحديثة وتوفير المخابر الحقيقية لتجنيد إبداعات الشباب ودعم المؤسسات العلمية وخلق مناخ للتطوير العلمي والأكاديمي، وهذا هو التعويض الحقيقي" كما قال. ورأى أن ألمانيا اعتذرت لفرنسا "عندما مسحت تاريخ النازية من أوروبا فكانت أجمل هدية قدمتها هي محاربتها للنازية بكل وسائل الإعلام والمنابر الفكرية والأكاديمية مما مهد لإقامة الوحدة الأوروبية.
تونس – رشيد خشانة - swissinfo.ch


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.