في مصر اليوم مشهد جديد، وهو مشهد يوحي بأن المصريين قرروا أخيرا أن يدخلوا الحلبة المحرمة عليهم على مدى أكثر من نصف قرن، حلبة السياسة! لكن السؤال الذي يطرحه هذا المشهد يدفع المرء إلى التساؤل عن الأسباب التي دعت المصريين إلى الاقتراب اليوم من 'المحرمات' وليس قبل ذلك؟ بتعبير آخر، لماذا رهن المصريون إرادتهم السياسية على مدى ثلاثة عقود لدى 'الرئيس' مبارك؟! والواقع أن السؤال الذي نطرحه هنا هو مجرد سؤال يبرز من داخل المشهد من بين أسئلة كثيرة. غير أن أهمية هذا السؤال وإلى جانبه أسئلة كثيرة أخرى تعود إلى أن مناخ التغيير الذي بث فيه المصريون من روحهم مناخ 'غض' أو 'هش'، ومن ثم فهو يحتاج شأن كل شيء غض أو هش، إلى الرعاية، وأهم أسباب رعايته هو التعلم من دروس دخول حلبة 'المحرمات' وهي كثيرة! الدرس الأول هو تصورنا عن 'الرئيس'! وبتعبير آخر عن رأس السلطة، وهو التصور الذي أصبح 'الرئيس' بموجبه شخصا 'معصوما' أو شخصا 'مفارقا للطبيعة الإنسانية' الأمر الذي يتجلى في هذه الصفات الكثيرة التي يجري إضفاؤها عليه فيصبح 'حكيما' أو يصبح 'مؤمنا أو رجل الحرب والسلام' أو يصبح أو نصبح معه 'على موعد مع القدر'! الأسباب كثيرة! ولكننا نريد في تناولنا لهذه الأسباب أن نقوم بعملية 'تفكيك' لتصور الرئيس أو السلطة، وهو على أية حال الدرس الذي نركز عليه هنا. تاريخيا، كانت السلطة، وكان ممثلها، شخصا غريبا عن الجسم الاجتماعي. ولو أننا عدنا تاريخيا إلى الوراء لأصابتنا الحيرة في اختيار نقطة البداية التاريخية. لكننا سنقفز على تفاصيل التاريخ لكونها كثيرة، من أجل إظهار أن السلطة استمرت منذ نهاية مصر الفرعونية وعلى مدى قرون طويلة ومتصلة ذات طبيعة عسكرية. من ناحية أخرى، اقترنت هذه الطبيعة العسكرية بايديولوجية حرصت دائما سواء كانت هذه السلطة بطلمية أو رومانية أو إسلامية على النظر إلى المصريين على أنهم 'فلاحون'! ويعتبر مؤسس مصر الحديثة، محمد علي، آخر ممثلي هذه الايديولوجية. ومن المعروف أن محمد علي فعل كل شيء من أجل ألا يستعين بالمصريين في الجيش إلى أن اضطر إلى ذلك. ومن المفارقة أن ابنه إبراهيم الذي رأى المصريين في ميدان المعارك هو الذي آمن بالمصريين وآمن بقدراتهم العسكرية. وعندما نضجت العسكرية المصرية انطلقت صرخة عرابي الشهيرة: 'لقد ولدتنا أمهاتنا أحرارا. ووالله، إننا لن نورث أو نستعبد بعد اليوم'. ويوحي تأمل عبارة عرابي بأنه ينطق بلغة 'الفلاح المصري' وبآلامه التاريخية. ولسبب ما فلم يكن الرجل مستعدا بعد لأن يصدق أنه قادر في هذا الموقف الذي يواجه فيه الخديوي توفيق أن يصفي حسابا تاريخيا ثقيلا؛ ومن ثم أصابه التردد بعد ذلك بعد أن اندلعت الثورة. وبسبب هذا التردد لقيت ثورة الشعب المصري الهزيمة، وتمت تصفية الجيش المصري! ثم اندلعت ثورة 1919. ولقد كان من نتائجها أن نجح المصريون - الذين كان شعارهم 'مصر للمصريين' - نجاحا جزئيا في أن يصبحوا جزءا من 'السلطة' السياسية. وصهرت الثورة المصريين جميعا، فظهر مفهوم المواطنة لا يعرف اللبس، وتمثل ذلك في الشعار العظيم 'الدين لله والوطن للجميع'. وهكذا، أصبحت القوى التي تحكم مصر: الانكليز، بقوة السلاح، والملك، والشعب، في إطار نظام ملكي دستوري، تمثل الشعب فيه حكومة تتشكل من الأغلبية. تلك كانت خطوة عملاقة في مسيرة أمة تنشد الحرية وتعمل على تحقيقها وينكر محتلوها عليها قدرتهم على 'الحكم' أو 'السياسة'. أما فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية، فقد ظلت التجربة 'بليدة' في اقترابها من التمايز الطبقي القبيح إلى الدرجة التي دفعت تشرشل إلى أن يقول للملك فاروق: 'ليس ثمة مكان في العالم كله يجمع التناقض بين الثروات الطائلة والفقر الحاد، على النحو الظاهر في مصر'. كما دفعت جان كوكتو، فيما كتبه عن مصر بعد زيارته لها عام 1949 إلى أن يقول: 'وأول شيء يستلفت نظر راكب السيارة هو هذا الخلط بين فرط الترف وفرط الفاقة. وإذا كان هذا الترف يبطن أحيانا سقم الذوق فإن الفاقة تكشف عن وجهها للناظرين على الأرصفة في مشارف أحياء مبنية بالطين'. ثم ظهرت حركة الجيش المعروفة بحركة الضباط وهي حركة لقيت ترحيبا شعبيا خاصة فيما يتعلق بتوجهاتها الاجتماعية. لكن تبين بسرعة أن الحركة تضيق بالديمقراطية. وما إن اندلعت أزمة آذار/مارس 1954، حتى راحت الحركة تطيح يوما بعد آخر بكل تراث تفكيك 'السلطة المطلقة' بإلغائها للحياة الحزبية وتقييد الحرية الفكرية سواء في الحياة الثقافية أو في الجامعة أو تقييد الحركة النقابية والهيئات القضائية! ثم شرعت حركة يوليو في صياغة تصور 'الرئيس'! فماذا كان هذا 'التصور'؟ هناك مرحلتان في وضع نظام عبد الناصر لتصور 'الرئيس'. الأولى، كانت 'تفكيك' الانجاز التاريخي للشعب المصري المتمثل في أن يصبح جزءا من السلطة وتمثل ذلك في القضاء على مبدأ الحياة الحزبية. أما الثانية، فكانت إعادة بناء تصور السلطة، وفي الصدارة منها رأسها، أي الرئيس، بحيث تصبح سلطته سلطة مطلقة، وقادرة رغم الشكل البراق للدستور، وللفصل النظري أو الوهمي بين السلطات، على أن تصبح 'كلمته' أو 'أمره' مثل فعل 'السحر'، فإذا أراد لشيء أن يكون، فما عليه إلا أن يقول له كن فيكون! كانت هناك أداتان ليتحول الرجل، وقد أصبح 'رئيسا' إلى ساحر! الأداة الأولى، جهاز أمني لم ينجح فحسب في تصفية الحياة السياسية، بل وفي زرع 'الخوف' داخل الناس! أما الأداة الثانية، فكانت أداة ايديولوجية أو إعلامية أو فكرية، ومعها تم تصوير قرارات الرجل باعتبارها 'إلهاما'؛ أي كما لو أنها كانت تهبط عليه من السماء! وحتى عندما كانت أخطاء 'الزعيم' زاعقة أو صارخة فقد تكفل أمن النظام من ناحية، و'الخوف' من ناحية أخرى، بكل شيء! ولا شك أن هاتين الأداتين هما سبب 'السحر' الذي تحدث عنه توفيق الحكيم في كتابه 'عودة الوعي'! يقول الحكيم: 'العجيب أن شخصا مثلي محسوب على البلد هو من أهل الفكر قد أدركته الثورة وهو في كهولته يمكن أن ينساق أيضا خلف الحماس العاطفي، ولا يخطر لي أن أفكر في حقيقة هذه الصورة التي كانت تصنع لنا. كانت الثقة فيما يبدو قد شلت التفكير. سحرونا ببريق آمال كنا نتطلع إليها من زمن بعيد، وأسكرونا بخمرة مكاسب وأمجاد، فسكرنا حتى غاب عنا الوعي!' يبقى أن السؤال الرئيسي هو كيف يترجم تصور 'الرئيس' المطلق أو الملهم أو الزعيم نفسه حتى يكتسب 'الهالة' المقدسة؟ يترجم نفسه في قدرة الرئيس على إعادة صياغة النظام السياسي والاجتماعي. سياسيا، في بناء نظام سياسي أو حزب سياسي وحيد مكون من موظفين سياسيين لا من قادة أو كوادر سياسية حقيقية. ومن أهم سمات هذا النظام غياب 'الوزير السياسي' وحضور 'الوزير الموظف'. كما أن من سماته أن المناصب الكبرى داخل جهاز الدولة سواء كان هذا المنصب منصب محافظ أو مدير جامعة أو عميد كلية يتم شغلها من قبل الموالين للنظام بغض النظر عن كفاءاتهم. كما يترجم النظام نفسه اجتماعيا، في قدرته على إنشاء طبقات اجتماعية جديدة تصعد على السلم الاجتماعي بفضله، وعلى القضاء على طبقة اجتماعية أو أكثر، بسببه! فهل فعل عبد الناصر شيئا آخر غير ما فعله محمد علي منذ أكثر من مئتي عام؟ عندما أمسك محمد علي بالسلطة في مصر أعاد صياغة كل شيء. وأثبت مؤسس مصر الحديثة أنه كان يؤسسها بعقلية العصور الوسطى! فقد كان حاكما مطلقا في كل شيء. ثم، إنه فيما يتعلق بالطبقات الاجتماعية، أعاد صياغة المجتمع المصري وأنشأ الطبقة الاجتماعية، أو البذور الأولى للأرستقراطية المصرية التي كانت شرائحها الأساسية من عناصر أجنبية، وفي الصدارة منهم الأتراك. وما هي إلا سنوات من حكم محمد علي حتى أصبح الرجل 'ولي النعم'. يلخص محمد مندور جانبا من التاريخ الاجتماعي لمصر فيقول: 'لا يجهل أحد أن الثروة قد وزعت أيام محمد علي باشا توزيعا على أساس تقديره لخدمات رجاله، وكل مشروعات التوزيع التي تلت ذلك لم تنجح وما كان لها أن تنجح في بناء حق الملكية على مجهود الأفراد بعرق جبينهم'. ثم يضيف: 'تاريخ مصر يثبت أن كثيرا من 'الضياع' و'التفاتيش' الحالية قد أقطعت للناس هبات هدايا، ومن ثم يصبح من الظلم الصارخ أن نقدس ملكيات لا تستند كلها إلى جهد أصحابها'! ثم جاء السادات! ورغم أن الرجل كان قد وضع لنفسه بنفسه مهمة هدم البناء الذي شيده نظام عبد الناصر 'طوبة' بعد أخرى (النظام الاجتماعي والقطاع العام) فإنه كان وفيا لروح تصور 'الرئيس'! وفي وفائه هذا بدا له أن النظام الديكتاتوري وحده ليس كافيا، ومن ثم راح يؤسس لنظام أخلاقي يتواكب مع طبيعته الخاصة فأسس لمصر 'الحديثة' نظاما أخلاقيا جديدا هو نظام أخلاق 'القرية'. وبالفعل، فلم تمض سنوات من حكمه حتى أصبحت القاهرة باعتبارها رمزا لمصر 'قرية' في عشوائيتها وقبحها وأخلاقها الاجتماعية والفكرية! ثم جاء مبارك! ورغم أنه جاء ومصر تتمرد سياسيا (بعد أن تمردت اجتماعيا في انتفاضة كانون الثاني /يناير 1977) على تصور 'أخلاق' الرئيس القروية، وعلى ديكتاتوريته، فإنه نجح بروح 'الرئيس' أن يعيد الحياة إلى 'روح الرئيس' التي كانت الحركة الديمقراطية في عصر السادات تحاول جاهدة على تفكيك التصور الذي يشكل مرجعيته. ومن حسن حظ مبارك بالطبع أن المصريين كانوا قد تعبوا، بشكل ما، من أعباء التركة التي تركها السادات وراءه، فقرروا أن يعطوا الرئيس الجديد 'فرصة' من أجل إعادة صياغة الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية على ضوء الدعوات التي لا نهاية لها والمطالبة بضرورة الإصلاح السياسي. غير أن ما حدث، طوال الوقت الذي منحه المصريون لمبارك، هو أن الآلية الشريرة - آلية أن 'الرئيس' قادر على كل شئ كانت تمارس فعلها ولكن في الاتجاه المضاد! وفي انتظار معجزة أن يقوم مبارك بالإصلاح السياسي، فوجئ المصريون بأن شيئا لم يحدث! لا في السنة الأولى أو الثانية أو الثالثة. ثم تبين للمصريين أنهم ربما أخطأوا في الحساب فبدأوا ينتظرون المعجزة في السنوات العشر الأولى، فلما لم تظهر انتظروا السنوات العشر الثانية. وفي انتظارهم السنوات العشر الثالثة بدأوا يكتشفون أن النظام قد حقق بالفعل معجزته، ولكنها كانت معجزة تقسيم مصر اجتماعيا إلى أغنياء وفقراء، وإلى أحياء عشوائية في جانب، وأحياء مخططة باقتدار وقد أحاطت بها أسوار عالية من ناحية أخرى. ثم اكتشفوا أن مصر التي كانت دائما داخل التاريخ وجزءا من حركته قد خرجت منه! إزاء الكارثة التي أفاق عليها المصريون، بدأوا يدركون الحقائق البسيطة للأشياء، أي بدأوا يدركون أن لا أحد غيرهم قادر على إعادة التوازن في الحياة السياسية والاجتماعية، وأن مدخلهم الوحيد إلى ذلك - وباستلهام تاريخهم - هو القيام بإعادة تفكيك تصور 'الرئيس' الذي أدرك المصريون في خروجهم من سباتهم أنه لم يعد يقتصر على 'الرئيس' وحده، وإنما اتسع ليصبح 'الرئيس وأسرته' في تطور جديد لتصور الرئيس أثار فزعهم! ويمكن التأريخ لهذه اليقظة بمقال لعبد الحليم قنديل دفع ثمنه غاليا (في غياب حركة ديمقراطية تحميه)، وجه فيه الاتهام مباشرة إلى 'الرئيس' باعتباره المسؤول الأول عن الكارثة التي ألمت بمصر والمصريين. ثم كانت الحركة التي يحمل اسمها العبقري وحده 'كفاية' تأكيدا على أن اليقظة لم تكن يقظة عابرة. غير أن هذه اليقظة الجديدة كانت تراوح مكانها سواء بتعرضها للقيود التي برع النظام في تكبيلها بها، أو لعدم وجود شخصية تمثل 'رمزا' يستقطب القوى الحية في المجتمع لقيادة التغيير أو عملية التفكيك خاصة أن النظام أحدث تغييرا في الدستور في المواد 76 و 77 و 88 سد به الأفق أمام أية فرصة للتغيير. ثم ظهر البرادعي في الأفق! ولأن الرجل وضع نفسه منذ اللحظة الأولى 'خارج' النظام فقد أصبحت عملية التغيير، ومن خارج النظام، ممكنة! تتميز لغة البرادعي بأنها تستأنف عملية تفكيك 'الرئيس' في النظام السياسي المصري وهي العملية التي أجهضها نظام 'الرئيس' القادر على صناعة المعجزات، ابتداء من عبد الناصر نهاية بمبارك. ثم إن لغة الرجل منطوية على شيء آخر هو امتداد بالطبع لروح 'ثورة 1919' وإن يكن ذلك بلغة أكثر تقدما واستقامة وهو ما يتمثل في طرح نفسه باعتباره 'فكرة'، وهي بالتأكيد 'فكرة' عميقة عن الديمقراطية. غير أن المرء يستطيع أن يرصد، ونحن في بداية مسيرة التغيير، بعض التعبيرات التي توحي بأننا لم نشف تماما من أمراض 'ثقافة' صناعة 'الرئيس'! من ذلك مثلا أن البعض رأى في ظهور الرجل 'كرامة من كرامات مصر'، كما رأى البعض الآخر فيه 'رجل الأقدار'! والواقع أن هذين التعبيرين يثيران في المرء كثيرا من المخاوف رغم التسليم بما فيهما من ايحاء وجمال أدبي! وأهم هذه المخاوف هو أن نعود إلى بناء تصور 'الرئيس' في وقت لم نخط فيه بعد خطوات بعيدة في تفكيك هذا التصور الشرير. ولذلك، وبسبب هذه المخاوف، سنحاول ترجمة التعبيرين بلغة تضع ظاهرة البرادعي في السياق الطبيعي 'الإنساني' و 'السياسي'! يمثل البرادعي ظاهرة بلا شك. لكننا نعلم جميعا أن الذي جعل من الرجل ظاهرة 'سياسية' ليس كونه (كرامة من كرامات مصر) وإنما القرار الذي اتخذه المصريون قبل أن يظهر البرادعي على المسرح السياسي بإحداث التغيير. وليس معنى هذا أن الرجل لم يفعل شيئا، وإنما معناه حدوث 'التقاء' بين قرار 'تاريخي' اتخذه المصريون، ورجل كان يتابع ما يحدث في وطنه، وأنه أدرك مع المصريين أن 'كفاية' هي كلمة السر. والبرادعي ظاهرة أيضا، لأنه نفذ ببساطة الأشياء إلى أمرين في وقت واحد: نفذ، من ناحية، إلى حقيقة أن تغيير النظام من داخله مستحيل؛ ومن ثم وضع نفسه خارجه، وهذا في تصورنا هو مصدر الثقة في الرجل! كما أنه نفذ، من ناحية أخرى، إلى أن القرار الذي اتخذه المصريون، وهو يعرفهم باعتباره واحدا منهم، لا يمكن أن يكونوا قد اتخذوه من باب الترف السياسي! فهل يمكننا أن نطلق على ظهور الشخص الذي قرأ الواقع بدون خوف على أنه 'كرامة من كرامات مصر'؟! أما تعبير 'رجل الأقدار' فهو يذكرنا بتعبير لنابليون قال فيه عن مصر إن هذا البلد في حاجة إلى رجل الأقدار. ويبدو أن تعبير نابليون قد خايل أذهان بعض المصريين وأثار خيالهم فرأوا في محمد علي 'رجل الأقدار' هذا. غير أننا لا ينبغي هنا أن ننسى ما قاله الشيخ محمد عبده عن محمد علي من أنه لم ير في مصر رأسا تقول أنا إلا أطاح بها! وكانت المرة الأخيرة التي عاد فيها هذا التعبير إلى الظهور، وإن كان بصيغة مختلفة، مع عبد الناصر في قوله إننا 'على موعد مع القدر'. تعبير 'رجل الأقدار'، وتعبير 'إننا على موعد مع القدر' تعبيران جميلان، بل ورومانتيكيان. لكننا اكتشفنا مع عبد الناصر، الذي أطاح بنضال مصر الديمقراطي، كما اكتشفنا من قبل مع محمد علي الذي أطاح ب 'الأنا' المصرية، مدى سذاجتنا السياسية في الاعتماد على الزعيم الفرد سواء كان ألبانيا أو مصريا! ونحن نريد بذلك أن نقول إنه ينبغي لنا أن نتعلم الدرس جيدا. والدرس هو أنه لا حاجة بنا إلى كرامات أحد، ولا إلى رجل أقدار أيا من كان هذا الرجل، وإنما حاجتنا هي إلى 'عقد اجتماعي' جديد، أو دستور جديد ينتقل بمصر من جمهورية 'الرئيس' إلى جمهورية برلمانية، وفي أسوأ الأحوال جمهورية تستلهم دستور 'الجمهورية الخامسة' الذي وضعه ديغول لفرنسا وهو دستور يجمع بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني. أما الجمهورية الرئاسية جمهورية عبادة الفرد صانع المعجزات - فلقد رأينا من كوارثها ما فيه 'الكفاية' ويزيد! كاتب مصري