إصابة 8 جنود سوريين في غارة صهيونية على مشارف دمشق    القصرين: اكتشاف أول بؤرة للحشرة القرمزية    الجامعات الغربية تخاطب النظام العالمي الأنغلوصهيوأميركي.. انتهت الخدعة    بايدن يتحدى احتجاجات الطلبة.. "لن أغير سياستي"    بجامعة لوزان..احتجاجات الطلبة المؤيدين لفلسطين تصل سويسرا    أبناء مارادونا يطلبون نقل رفاته إلى ضريح في بوينس آيرس    مجاز الباب.. تفكيك وفاق إجرامي مختص في الإتجار بالآثار    حالة الطقس ليوم الجمعة 3 ماي 2024    القبض على منحرف خطير محلّ 19 منشور تفتيش    وزير الداخلية يدعو لانطلاق أشغال اللجنة المشتركة لمراقبة العودة الطوعية للمهاجرين    منزل جميل.. تفكيك شبكة مختصة في سرقة المواشي ومحلات السكنى    ساقية الزيت: حجز مواد غذائية مدعّمة بمخزن عشوائي    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنان عبد الله الشاهد    وفاة الممثل عبد الله الشاهد‬    ماذا في لقاء لطفي الرياحي بمفتي الجمهورية؟    النادي الافريقي يراسل الجامعة من أجل تغيير موعد الدربي    منوبة: مشتبه به في سرقة المصلّين في مواضئ الجوامع في قبضة الأمن    قيس سعيد: الامتحانات خط أحمر ولا تسامح مع من يريد تعطيلها أو المساومة بها    قضية التآمر على أمن الدولة: رفض مطالب الافراج واحالة 40 متهما على الدائرة الجنائية المختصة    صفاقس : غياب برنامج تلفزي وحيد من الجهة فهل دخلت وحدة الانتاج التلفزي مرحلة الموت السريري؟    انتخابات جامعة كرة القدم.. قائمة التلمساني تستأنف قرار لجنة الانتخابات    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    عاجل : معهد الصحافة يقاطع هذه المؤسسة    رئيس الجمهورية يتسلّم دعوة للمشاركة في القمة العربية    الروائح الكريهة تنتشر في مستشفي قابس بسبب جثث المهاجرين    إغتصاب ومخدّرات.. الإطاحة بعصابة تستدرج الأطفال على "تيك توك"!!    الترجي يقرّر منع مسؤوليه ولاعبيه من التصريحات الإعلامية    شوقي الطبيب يرفع إضرابه عن الطعام    عاجل/ إستقالة هيثم زنّاد من ادارة ديوان التجارة.. ومرصد رقابة يكشف الأسباب    البنك المركزي يعلن ادراج مؤسستين في قائمة المنخرطين في نظام المقاصة الالكترونية    مجددا بعد اسبوعين.. الأمطار تشل الحركة في الإمارات    رئيس لجنة الشباب والرياضة : تعديل قانون مكافحة المنشطات ورفع العقوبة وارد جدا    مدنين: بحّارة جرجيس يقرّرون استئناف نشاط صيد القمبري بعد مراجعة تسعيرة البيع بالجملة    هام/ الترفيع في أسعار 320 صنفا من الأدوية.. وهذه قيمة الزيادة    اليوم: جلسة تفاوض بين جامعة الثانوي ووزارة التربية    إرتفاع أسعار اللحوم البيضاء: غرفة تجّار لحوم الدواجن تعلق وتكشف..    وزارة التجارة تنشر حصيلة نشاط المراقبة الاقتصادية خلال الأربعة أشهر الأولى من سنة 2024    بنزيما يغادر إلى مدريد    عبد المجيد القوبنطيني: " ماهوش وقت نتائج في النجم الساحلي .. لأن هذا الخطر يهدد الفريق " (فيديو)    وزارة التربية على أتم الاستعداد لمختلف الامتحانات الوطنية    حادث مرور قاتل بسيدي بوزيد..    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    الحبيب جغام ... وفاء للثقافة والمصدح    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    الحماية المدنية: 9حالة وفاة و341 إصابة خلال 24ساعة.    هذه حقيقة فتح معبر رأس وعودة حركة العبور..#خبر_عاجل    تونس تشهد تنظيم معرضين متخصّصين في "صناعة النفط" و"النقل واللوجستك"    ''أسترازنيكا'' تعترف بأنّ لقاحها له آثار قاتلة: رياض دغفوس للتونسيين ''ماتخافوش''    روبليف يقصي ألكاراز ويتقدم لقبل نهائي بطولة مدريد المفتوحة للتنس    يهم التونسيين : حيل منزلية فعالة للتخلص من الناموس    مصطفى الفارسي أعطى القصة هوية تونسية    تونس:تفاصيل التمديد في سن التقاعد بالقطاع الخاص    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    نَذَرْتُ قَلْبِي (ذات يوم أصابته جفوةُ الزّمان فكتب)    عاجل : سحب عصير تفاح شهير من الأسواق العالمية    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركة الطلابية التونسية في السبعينات: زاخرة بالقوّة، مفعمة بالأمل بقلم : الأستاذ منير العوادي
نشر في الحوار نت يوم 08 - 04 - 2010

الحركة الطلابية التونسية في السبعينات: زاخرة بالقوّة، مفعمة بالأمل
الإربعاء 7 أفريل 2010
بقلم : الأستاذ منير العوادي
يندرج هذا العمل في إطار تصور يرى أنّ النظرة المتفحصة للماضي، بما فيه من أخطاء وهزائم، وبما فيه أيضا من حقائق وانتصارات، تمكّن من تعميق نظر الباحث في القضايا الأساسية الراهنة.
وإننا إذ ندعو إلى تسليم الراية للأجيال الجديدة، فإننا نحرض هذه الأجيال على أن لا تدخر جهدا حتى تكون على بيّنة ودراية بما حدث في تاريخ الحركة الطلابية وأن لا تثنيها عمليات الطمس والتشويه عن السعي للوعي بما وقع فعلا دون تضخيم أو استنقاص، ثم لها بعد ذلك أن تأخذ من هذا الرصيد ما تراه إفادة، إن كانت له إفادة أصلا، أو أن تلقي به جانبا وأن تلقي به جانبا وأن تخوض تجربتها الخاصة إن ارتأت ذلك.
في هذا السياق تأتي دراستنا لحركة فيفري ولما ترتب عنها في حينها وفي تاريخ الحركة الطلابية التونسية.
أولا: حركة فيفري 72: الوقائع والعبر
لئن تمكن النظام منذ سنة 1956 من إفراغ الإتحاد العام لطلبة تونس من مضمونه الأصلي كأداة للنضال من أجل التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي، بعد أن جعل منه ومن هياكله القيادية بالخصوص إطارا للارتزاق والوصولية،فإنّه سيجد نفسه، بداية من أوائل سبعينات القرن الماضي، في حالة عجز عن توجيه الحركة الطلابية والتأثير فيها، كما سيصبح طلبة الحزب الحاكم مطاردين ومنبوذين في المؤسسات الجامعية، وغير قادرين على إعلان هويتهم السياسة علنا.
لقد مثلت الانتفاضة الطلابية في فيفري ذروة التعبير عن رفض الحركة الطلابية واستنكارها الشديد لاختياراته وممارساته، فكانت بحق لحظة فارقة في تاريخ الحركة الطلابية، لحظة اقترن فيها إنبجاس الفكر بتحرر الإرادة. إنّها فعل إبداع في مستوى الرؤية والممارسة وتعبير عن عبقرية الجماهير الباسلة حينما تختار طريق الهمة والفتوة والمساهمة بقوتها ووحدتها في تدبير شؤونها ورفض كل أشكال المهانة والمذلة.
هناك حدثان مباشران مهدا لحركة فيفري72:
الأوّل هو طرد الطالب فريد بن شهيدة المرسم بالسنة الأولى بكلية العلوم بتونس لمدة سنة، بعد مثوله أمام مجلس التأديب بسبب » موقفه الماس من كرامة أستاذة تونسية«. وقد شنّ طلبة كلية العلوم يوم 21 جانفي 72 إضرابا عاما عن الدروس للمطالبة بإرجاعه فورا.
والثاني هو البدء في محاكمة المناضل أحمد بن عثمان الرداوي وزوجته سيمون للوش. وكان أحمد بن عثمان قد وقعت محاكمته سنة 1968 في إطار قضية » تجمع الدراسات والعمل الاشتراكي التونسي« من قبل »محكمة أمن الدولة« ثم أطلق سراحه عام .1970
وقد دفع هذان الحدثان أغلبية الطلبة إلى إعلان إضراب عام في كافة المؤسسات الجامعية يومي الإثنين 31 جانفي والثلاثاء 1 فيفري 1972. ويوم محاكمة أحمد بن عثمان تظاهر الطلاب أمام قصر العدالة بشارع باب بنات وساحة باب سويقة حتى وصلوا إلى قلب العاصمة بشارع بورقيبة.
رغم أهمية هذين الحدثين، إلا أنّ المحرك الأساسي لحركة فيفري هو ما جدّ في المؤتمر الثامن عشر للاتحاد العام لطلبة تونس الذي انعقد في الفترة المتراوحة ما بين 12 و20 أوت 1971 بمدينة قربة بولاية نابل. كان المؤتمر مبرمجا لأن يدوم أربعة أيّام، ولكن نتيجة للصراع القوي حول البرامج وخاصة في لجنة السياسة العامة حول استقلالية الاتحاد وآليات تكريس ذلك، بادرت إدارة الحزب وميليشياته في اليوم التاسع من المؤتمر إلى التدخل السافر وإلغاء اللائحة السياسية العامة ووضع حد لأشغال المؤتمر وتنصيب قيادة صورية قابلة للانصياع لإرادة الحزب الحاكم.
وقد أدّى ذلك إلى انسحاب أغلبية النواب وتعبيرهم في لائحة تضمّ 105 إمضاء على رفضهم للانقلاب وتفويض لجنة إعلامية تتكون من: رشيد مشارك وخالد قزمير وعيسى البكوش وعياض النيفر ومصطفى بن ترجم، لتوضيح ما حدث في هذا المؤتمر لكلّ الأطراف.
منذ هذه الواقعة تفجرت معركة مفتوحة بين الحزب الحاكم وأجهزته من جهة والحركة الطلابية وقواها المناضلة من جهة أخرى.
هذا هو السبب الأقوى إلي جعل حركة فيفري تتخذ نسقا تصاعديا، وتتحوّل من حركة احتجاج إلى انتفاضة طلابية وشبابية شملت كافة أنحاء القطر.
فلقد تجمع يوم الإربعاء 2 فيفري 1972 بكلية الحقوق حوالي 4000 طالب (من أصل 11 ألف طالب مرسّمين بالجامعة التونسية) للتنديد بقمع السلطة الحاكمة وللتأكيد على عزمهم على عقد المؤتمر 18 الخارق للعادة.
وبالفعل انطلقت أشغال المؤتمر يوم الخميس 3 فيفري1972 بمشاركة آلاف الطلاب، حيث تكونت 5 لجان تحضيرية: اللجنة السياسية العامة، لجنة الشؤون الداخلية، لجنة الشؤون النقابية، لجنة الشؤون الثقافية ولجنة الصحافة والإعلام، وقد شارك في بعض اللجان (اللجنة السياسية العامة) أكثر من ألف طالب. وقد أفضت أشغال هذه اللجان إلى إقرار شعارات مركزية أو مبادئ أساسية موجهة، أهمها:
النضال من أجل اتحاد عام لطلبة تونس ديمقراطي وجماهيري ومستقل.
النضال من أجل ثقافة وطنية وتعليم ديمقراطي وجامعة شعبية.
اعتبار الحركة الطلابية جزء لا يتجزأ من الجماهير الشعبية.
مساندة حركة الكفاح الوطني العربية والعالمية.
استمرّت أشغال المؤتمر يوم الجمعة 4 فيفري 1972. وفي يوم السبت 5 فيفري 1972، وقبل تلاوة البيان الرسمي والختامي للمؤتمر، تدخلت ميليشيا الحزب الحاكم، التي كانت ترفع شعار »يحيا المجاهد الأكبر«، فيرد عليها الطلبة بشعار » لا مجاهد أكبر إلا الشعب«.
وبعد فشل الميليشيا تدخلت فرق النظام العام (BOP) بكل ضراوة ووحشية، وهو ما أدّى إلى مواجهات دامية وإيقاف أكثر من 900 طالب.
من أهم النتائج التي تمخضت عنها حركة فيفري إعادة طرح قضية الشرعية. وتعتبر هذه المسألة لب العمل السياسي والنقابي إذ من خلالها تتحدد مكانة الهياكل والقرارات والنتائج.
بالنظر لذلك شكلت حركة فيفري 72 منعطفا في تاريخ الحركة الطلابية ،إذ رفضت الجماهير الطلابية الموقف الإنقلابي للسلطة، المتمثل في تنصيب هيئة إدارية موالية، وتشبثت بحقها الشرعي في إيجاد هياكل ممثلة.
هناك صدام وتعارض إذن في تصور الشرعية: ما تعتبره السلطة شرعيا هو في نظر الجماهير الطلابية غير شرعي، وما تعتبره السلطة غير شرعي هو في نظر الجماهير الطلابية شرعي.
هذا التعارض المبدئي سيقع ترجمته في الواقع الحي، وسيسعى كل طرف إلى تكريس رؤاه وتوجهاته عبر كل ما يمتلك من قوة ووسائل وأدوات.
شرعيتان متعارضتان: واحدة ترتكز على استعمال حق القوة، والأخرى تعتمد على قوة الحق، وكان لواحدة أن تنكسر ولأخرى أن تنتصر، مهما تنوعت أساليب التشويه والتزوير.
لأوّل مرّة في تاريخ القطر منذ سنة 1956 على الأقل يحدث هذا الأمر: حركة اجتماعية، بجماهيرها وقياداتها، تعلن رفضها لكل أشكال الحجر والوصاية من جهة، وسلطة “أبوية” غاشمة لا تتورع عن استعمال كل أساليب الإكراه والبطش والترويع من جهة أخرى.
لقد حولت حركة فيفري72 قضية الحرية من مطلب إلى حاجة ضرورية وحيوية وإلى ممارسة اجتماعية، إذ أصبحت كلية الحقوق بتونس في بحر بضعة أيام فضاء حرا ليس فقط لنقد الاختيارات الأساسية للسلطة، بل وضعت وطنية هذه السلطة في الميزان.
لقد كانت حركة إنتليجنسيا بأتمّ معنى الكلمة حضر فيها الفكر الثوري بقوة بما هو فكر يقوم على نقد البديهيات وخلخلة القيم السائدة وتفكيك الأراجيف والثوابت المزعومة ( السلم الاجتماعية الوحدة القومية الفتنة اليوسفية ...).
ثانيا: موقف أركان النظام
قرر مجلس الوزراء يوم الثلاثاء 8 فيفري إغلاق كلية الآداب والعلوم الإنسانية التي كانت تضمّ 3200 طالبا، وإغلاق كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية التي تضمّ 1867 طالبا، علما وأنّ العدد الجملي للطلبة التونسيين يساوي آنذاك: 11489 طالبا. وقد تقرر هذا الإغلاق في البداية إلى غاية 30 سبتمبر 1972.
كما ترافق هذا القرار، فضلا عن خسارة سنة تعليمية، بجملة من التهديدات أو الإجراءات المرافقة: خسارة المنحة غلق المبيتات غلق المطاعم سحب تأجيل الخدمة العسكرية.
وقد تدخل في نفس اليوم وزير التربية» القومية« آنذاك محمد مزالي في »مجلس النواب«، وكان مما قاله حول التحركات الطلابية :» إنّ هؤلاء (ويقصد من قاد التحركات) لا همّ لهم إلا القضاء على جميع ما لهذه البلاد من مكاسب ومن قيم دينية وروحية«، كما أضاف قائلا: » إنّ هذه الأحداث تبيّن بوضوح أنّ أغلبية الطلبة ليسوا مكونين تكوينا تونسيا، لذلك كما قالت الحكومة من قبل، يجب مراجعة محتوى التعليم وبرامجه«. ( جريدة الصباح التونسية الإربعاء 9 فيفري 1972 ص 3).
وفي إطار نفس هذه الحملة المسعورة، انعقد تجمع »حاشد«، شاركت فيه إضافة إلى الحزب الحاكم كل المنظمات »القومية «، أي المنظمات التي تدور في فلك السلطة، يوم الجمعة 11 فيفري 1972 بقصر الرياضة بالمنزه، حيث تناول الكلمة الوزير الأوّل آنذاك الهادي نويرة، الذي ذكّر الحضور بالشعارات التي رفعها الطلبة، وهي كما يقول هو: لا ديمقراطية إلا للطبقة الكادحة الوحدة القومية خزعبلة بورجوازية الجامعة ليست معملا لتخريج إطارات الدولة بعتم تونس بالدقيق. ثم أضاف قائلا: » وتوجد شعارات أخرى يخجل الإنسان عند قراءتها، والمؤسف أنّها تتردد في مواطن مكتظة بالفتيات، .... مثل “حرية الصلات الجنسية”، أي حرية الغريزة والإباحية والشهوة الحيوانية«. ( جريدة الصباح التونسية السبت 12 فيفري 1972 ص 4).
وفي نفس هذا الاجتماع تدخل الحبيب عاشور الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل الذي قال هو الآخر: » وكما أنّ الصيني في وطنه ماويست والروسي في بلده لينينيست والكوبي كاستريست فنحن في تونس بورقيبيست«.
ويواصل عاشور: » إننا نقول للرئيس بورقيبة وللشعب التونسي من جديد، بأنّ البلدان الأجنبية الشيوعية أو التي تنسب إلى الشيوعية لها حرس أحمر يسمّى في الصين الحرس الأحمر الماوي وفي روسيا الحرس الأحمر اللينيني وفي كوبا الحرس الأحمر الكوبي، ونحن في تونس الحرس الرسمي لبورقيبة وللنظام التونسي، ونقول له إنّ العمال اليوم معك أكثر من أيّ وقت مضى حتى تضع حدّا لجرائم أعداء الشعب، وتخدم وطننا حتى يكون وطنا عصريا ينعم بالحرية والاستقرار«. ( جريدة الشعب التونسية العدد 190 16 فيفري 1972 ص 7).
وكان الحبيب عاشور قد صرّح يم الأحد 6 فيفري 1972 لدى إشرافه على اجتماع الإطارات النقابية بولاية نابل: »إنّنا لا نقبل تنظيم إضراب من أجل امرأة صهيونية وإثارة الاضطرابات من أجلها، وإذا لم يدرك الطلبة هذه المعاني، ولم يردّوا الجميل بالمثل، فإنّ الحكومة مضطرّة لاتخاذ تدابير تحفظ بها ناموسها«. ( جريدة الشعب التونسية العدد 190 16 فيفري 1972 ص 10).
وبهذا الاندفاع الحماسي الفائق في الدفاع عن النظام يكون الحبيب عاشور قد استحقّ عن جدارة ولو في تلك الفترة الشعار الذي رفعه الطلبة ضدّه، وهو شعار: » يا عاشور يا دجال يا خائن العمال«.
كشف ردّ أركان النظام عن كلّ ما هو مضمر: عدوانية سافرة تقوم على التسلط ونفي حقّ الطلبة في التمثيل النقابي، وهي في سبيل خلق حالة من الاستثارة والاستنفار تعتمد كلّ أساليب الافتراء والمغالطة واختلاق الأكاذيب والافتراءات.
هناك سبب دفين آخر غير معلن يفسر موقف السلطة إزاء الحركة الطلابية، إذ هي تعرف أنّ الطبقات المحظوظة وخاصة البورجوازية وبدرجة أقل كبار ملاكي الأراضي تعلّم أبناءها في المدارس الإبتدائية والمعاهد الثانوية التابعة للبعثة الثقافية الفرنسية، ثم ترسلهم إلى الجامعات الأوروبي وخاصة الفرنسية. أما الجامعة التونسية فهي مأوى لأبناء الطبقات الشعبية وللمدرسين الذين لم يستطيعوا الظفر بعمل في الجامعات الأجنبية. ومهمة هذه الجامعة هي رفع الأمية وتكوين في حدود متطلبات سوق الشغل إطارات متوسطة طيّعة وخاضعة، بعد أن يكون التلقين والتكرار والاجترار قد فعل فعله. إنّها نقيض الجامعات العريقة في العالم التي تضع نصب اهتمامها تنشئة الشباب على الإبداع والابتكار.
إنّ الجامعة التونسية كما تشكلت في بداية الستينات هي مجمع لمدارس عليا وكليات مبعثرة تخضع لتسيير بيروقراطي سلطوي، وليست مؤسسة حرّة ومستقلة تنهض على أساس تشريك الأطراف الفاعلة في رسم تصور لمهامها ووظائفها في مجالي التدريس والبحث وتوفير الإمكانيات الضرورة لذلك.
في فترة الستينات تمكنت الجامعة بما هي عليه من تخريج الأطر بعد الفراغ الناجم عن رحيل الفرنسيين وأفراد الجالية اليهودية، وخاصة في مجالات التعليم والوظائف الإدارية و الخدمات ( البنوك المحاماة وفي فترة لاحقة الطب...). أمّا في السبعينات فقد تقلص هذا الاحتجاج وبدأت ظاهرة جديدة في البروز، وهي بطالة خريجي التعليم العالي.
منذ تلك الفترة بدأ النظام يسلك إزاء الحركة الطلابية سياسة مزدوجة تقوم على تناوب القمع الإحتوائي والقمع المفضوح: الترغيب والترهيب، في محاولة لتلجيمها وجرّها إلى ركابه.
أعلنت الهيئة الإدارية المنصبة عن استقالتها في ديسمبر 72. ووافق وزير التربية آنذاك محمد مزالي على برنامج 73 بمنشور مؤرخ في 15 فيفري 1973.
وبعد شهر من إصدار هذا المشروع سحب النظام اعترافه باللجنة الجامعية المؤقتة، ونظم في أفريل 73 محاكمات سياسية تحت غطاء مجلس التأديب، وأخضع العديد من الطلبة للتجنيد الإجباري. ثم رجع النظام من جديد إلى سياسة الترغيب، إذ أقام حوارات مع “اللجم” في أوت سبتمبر 73، تمخضت عنها إيقافات جديدة وقمع شرس للطلائع المناضلة. ثم حاول النظام تنظيم أيام ثقافية لتطبيق برنامج مزالي ( خلق هيئات في كلّ المؤسسات في الجامعة التونسية ذات طابع إداري بحت كبديل عن الهياكل النقابية المؤقتة). وأمام رفض الطلبة لهذا المشروع رجع النظام إلى أسلوب الترهيب، إذ نظم محاكمتين للطلبة استهدفت 41 طالبا (أفريل 74). وفي ماي 74 سنّ النظام قانون الفيجيل ( تنصيب فرق جديدة من البوليس المدني في المؤسسات الجامعية).
وفي 74 75 رجعت الدوائر الحكومية والحزبية إلى محاولة المناورة من جديد من خلال بعث ما سمي ب »مشروع الرابطات«، والذي يعني بعث رابطات على نطاق الكليات تكون مستقلة الواحدة عن الأخرى ولكلّ منها مؤتمرها الخاص مع إمكانية الإنضمام للهيئة الإدارية المنصبة.
وفي نفس السياق بعث النظام بالإعتماد على الهيئة المديرة المزعومة ما أسماه الهياكل النقابية خارج الكلية. وأمام رفض الطلبة لجأ النظام إلى بديل آخر تمثل في المؤتمر الصوري بالمنستير (ما سمي بالمؤتمر19) في صائفة 1975، قوبل بالرفض الجماهيري. وكانت ردة فعل النظام القيام بهجوم شرس تمثل في الطرد التعسفي والجماعي في كل الأجزاء الجامعية (1976). ثم عاد إلى التآمر مرّة أخرى من خلال ما أسماه مؤتمرا استثنائيا أو المؤتمر 20، الذي انعقد ببنزرت في ربيع 77 وقاطعته الجماهير الطلابية، فكانت حملات التجنيد والطرد.
ثم بدأت تحاك خيوط مؤامرة جديدة بداية من 1978 والتي اتفق على تسميتها في الحركة الطلابية »مؤامرة بن ضياء«، التي دعت إلى حلّ مشاكل الطلبة النقابية عبر مجالس الكليات. ولما اكتشف النظام فشل مثل هذه القنوات في تمرير سياسته رجع إلى الاستعمال المكثف للعنف، من خلال الزج بالعديد من الطلبة في المعسكرات.
ثم جاءت مبادرة محمد مزالي بعد توليه الوزارة الأولى في فيفري 80، وهي ليست سوى مناورة دبّرها في محاولة لإخماد الوضع المتفجر والذي تمثل في تلك السنوات في مدّ نضالات الجماهير العمالية والطلابية.
فلقد تمكنت الجماهير المسحوقة من خلال الانتفاضة الشعبية العارمة في 26 جانفي 1978 من تجاوز القيادة النقابية التي كبّلت الطاقات النضالية للعمال لسنوات طويلة، والتي كانت تسعى إلى استغلال مشاعر السخط والغضب لدى الجماهير الكادحة ومحاولة توظيفها في صراع الأجنحة في السلطة من أجل الحصول هي وحلفائها على مناصب سياسية أعلى.
لكن رغم القمع الدموي ورغم وابل الرصاص الذي حصد أرواح الكثير من الفقراء والجياع والمحرومين، ورغم تنصيب النظام لقيادة بوليسية على رأس الإتحاد، تمكنت بعض القوى الوطنية والوطنية الديمقراطية في السنوات 78 و79 و80 من الانصهار ولو نسبيا في الحركة العمالية. وقد بدأ هذا الانصهار يؤتي أكله في مستوى بعض الهياكل القاعدية للاتحاد العام التونسي للشغل، حيث تواصلت حركة الاحتجاج والرفض لسياسات النظام.
وقد أثار هذا الأمر ذعر السلطة الحاكمة والقيادة المنصّبة وحتى القيادة »العاشورية« (التي كانت تراقب تطور الأوضاع عن كثب وبقلق بالغ)، فسارعوا جميعا إلى إجراء استباقي يتمثل في عقد » مؤتمر مصالحة«، قبل أن تتنامى »الجرثومة الثورية« داخل الحركة العمالية، وحتى لا يتكرر ما وقع تجريبه في الحركة الطلابية.
لم يقتصر العنف المنهجي المنظم المسلط من قبل السلطة على الحركة الطلابية فحسب، بل شمل أيضا العديد من القوى والأطراف السياسية التي كان لها وجود متفاوت التأثير في الوسط الطلابي. ويبين الجدول التالي أهمّ المحاكمات التي وقعت في عقد السبعينات:
التاريخ المحكمة القضية عدد المتهمين الأحكام
مارس 1973 المحكمة الجناحية بتونس العامل التونسي 14 من سنة إلى 3 سنوات سجن.
18 أفريل 1973 المحكمة الجناحية بتونس الحركة الديمقراطية الجماهيرية 14 4 أحكام بالسجن من 3 إلى 8 أشهر
أوت 1974 أمن الدولة العامل التونسي + التجمع الماركسي اللينيني التونسي 202 من 1 إلى 12 سنة سجنا.
18 ديسمبر 1974 المحكمة الجناحية بتونس الجبهة التقدمية لتحرير تونس 33 من سنتين و6 أشهر إلى 6 سنوات سجنا.
ماي 1975 محكمة الإستئناف تونس الجبهة التقدمية لتحرير تونس 19 من سنتين إلى 7 سنوات سجنا.
7 جويلية 1975 أمن الدولة العامل التونسي 42 من سنة واحدة إلى 3 سنوات سجنا.
أكتوبر 1975 أمن الدولة العامل التونسي 101 من سنة واحدة إلى 9 سنوات سجنا.
ماي جوان 1979 المحكمة الجناحية بتونس حزب الشعب الثوري التونسي 38 من سنة واحدة إلى 7 سنوات سجنا.
22 أوت 1979 المحكمة الجناحية بتونس الشعب السرية 47 من سنة إلى 4 سنوات سجنا.
ثالثا: تأجيج روح المقاومة
أمام وضع كهذا، وما تؤكده الوقائع والأدلة من سعي حثيث من قبل السلطة الحاكمة لبسط نفوذ كلي على الحركة الطلابية، كان لا بد من ضبط مشروع ثوري يحدد دون لبس أو مواربة الأهداف والمهام، كما يحدد بكل دقة ووضوح الوسائل والطرق التي تمكن من الوصول إلى تلك الأهداف.
بدأ بروز الخط الوطني الديمقراطي في الموسم الدراسي 74/ 1975. ولئن شكّلت كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية نقطة انطلاق الطلبة الوطد، فإنّ باقي الكليات والمعاهد العليا عرفت تأثيرا تزايدت أهميته لهذا الطرف، وخاصة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية ودار المعلمين العليا بباردو و»الجهة الجنوبية« ( معهد الصحافة ودار المعلمين العليا للتعليم التقني وبدرجة أقل كلية الشريعة وأصول الدين)، دون نسيان التأثير الفاعل في بعض المؤسسات الأخرى: مثل كلية العلوم بتونس ومدرسة البريد بأريانة ومعهد الطب البيطري بسيدي ثابت والمعهد الأعلى للتربية البدنية بقصر السعيد. بحيث يمكن القول أنّه منذ الموسم الدراسي 77/ 1978 وإلى غاية موسم 80/ 1981 تحول الخط الوطني الديمقراطي إلى القطب الأساسي في الحركة الطلابية، وبلغ من القوة ما لم يبلغه أيّ فصيل طلابي يساري آخر في تاريخ الحركة الطلابية. وقد اقترن هذا النهوض بحدث هام حصل في جوان 1977 تمثل في الانفصال عن مجموعة »الحركة«، أي »حركة الطلبة الوطنيين الديمقراطيين«، المرتبطة بتنظيم »الشعلة«، حيث أصبحت هذه المجموعة أقلية، ذات وجود محدود، وأطلقت على نفسه إسم »طلبة وطنيون ديمقراطيون« ( مجموعة النكرة)، في حين حافظت الأغلبية على التسمية الأصلية »الطلبة الوطنيون الديمقراطيون« ( سنشير إليهم اختصارا بلفظ الوطد).
في إطار بلورة الأطروحات الأساسية للخط الوطني الديمقراطي طرحت مسألتان فيما يتعلق بالحركة الطلابية : المؤتمر وصيغ النضال.
1 حول مسألة المؤتمر18 الخارق للعادة:
طبع مطلب عقد المؤتمر 18 مجمل نضالات الجماهير الطلابية وأصبح التعبير المكثف لمطامحها، ذلك أنّ الأداة النقابية، المتمثلة في الإتحاد العام لطلبة تونس، هي وحدها التي تمكن من تحقيق وحدة الجماهير الطلابية وتحديد مطالبها وتبويبها وخوض النضالات من أجل هذه المطالب.
لم تتمكن القوى الثورية الوطنية الديمقراطية من رسم آفاق التجاوز إلاّ من خلال تقييم نقدي لواقع الحركة الطلابية وتاريخها. وقد تنبهت إلى أنّ قراءة تاريخ الحركة لا يعني الوقوف على الإخفاقات فقط، بل خاصة على النجاحات والأفعال التي زلزلت أركان النظام القائم وعصفت بشرعيته وبما يتباهى به من قوة وبطش. ومن أهمّ هذه اللحظات المشرقة والوضاءة في تاريخ الحركة الطلابية التونسية حركة فيفري 72 المجيدة.
إنّ حجر الزاوية في أيّ حل لمسألة التنظم النقابي هو رفض تدخل السلطة بأيّ شكل من الأشكال في هذا الأمر، واعتبار هذا الموقف من القضايا المبدئية وغير القابلة للتصرف.
إنّ الحق النقابي جزء من الحقوق الأساسية للجماهير الطلابية ولا يملك أي أحد أن يساوم عليها أو يقرر فيها نيابة عن هذه الجماهير. لذلك فإنّ تحقيق مهمة إنجاز المؤتمر 18 الخارق للعادة يجب أن تكون خارج إرادة النظام وخارج شرعيته القانونية.
لقد مثل التمسك بتراث حركة فيفري المجيدة وروحها الخط الفاصل بين تصورين:
الأوّل: يقوم على السعي لاسترضاء السلطة واستعطافها لتقديم بعض “التنازلات” لحفظ ماء الوجه.
الثاني: يقرّ ضرورة المضي قدما نحو عقد المؤتمر الإستثنائي دون ترخيص مسبق وخارج كل قانونية وباستقلالية تامة عن السلطة الحاكمة.
لقد بيّنت حركة فيفري بما لا لبس فيه أنّ النظام الحاكم هو العدو الطبقي، وأنّه يتعين على الحركة الطلابية أن تعتمد على قواها الذاتية لتحقيق مهامها. ذلك أنّ غاية الجماهير الطلابية ليس أن تكون لها نقابة معترفا بها قانونيان، لأنّه من السهل أن يعترف النظام بنقابة تغازله وتنهي حالة العداء بينه وبين الحركة، بل إنّ غايتها أن تكون لها نقابة مناضلة تسهم بقدر طاقتها في التحرر الوطني والديمقراطي.
لذلك فإنّ الجري واللّهث وراء عقد المؤتمر مهما كان الثمن لن يكون إلاّ تخليا عن محتواه ولن يكون إلا مسألة شكلية يستغلها بعض السماسرة خدمة للسلطة ولتحقيق مآربهم.
2 حول مسألة الصيغ النضالية والتنظيمية التي يجب توخيها :
تمثلت قوّة الخط الوطني الديمقراطي في كونه لا يعبر عن رموز فردية قيادية بل في كونه تعبير عن تصور يقوم على صهر كل الإرادات في مشروع ثوري محدد وواضح المعالم يجسد إرادة المواجهة والتصميم على ممارسة الحقوق.
ومن مستلزمات تطوير عناصر القوّة والصمود تكوين كوادر قادرة على خوض النضال بمختلف مضامينه وأشكاله.
وحتى يمكن تأمين سلامة هذه الكوادر لا بدّ من اعتبار السرية الشكل الأساسي للنضال، سواء في مستوى الحلقات أو النواتات، مع ما يضمنه ذلك من مراكمة الخبرة في مجال البناء التنظيمي والمهارات الميدانية، وبالتالي القدرة على توفير أحد الشروط الضرورية للاستمرار في الوجود والنشاط، خاصة وأنّ المسألة التنظيمية شكّلت أحد نقاط الضعف الأساسية في تجارب اليسار التونسي.
رابعا : العوائق والتحديات
وإذا لم تنجح الحركة الطلابية في رسم الخطوات العملية المباشرة وتجاوز هوانها الداخلي رغم الخطوات العملاقة التي قطعتها فهذا يعود إلى عدّة أسباب، لعل أهمّها:
السبب الأوّل: بروز اليمين الرجعي بزعامة الإخوان المسلمين، الذي وجد في السلطة سندا من أجل ترويج مفاهيمه وتصوراته المغرقة في الظلامية. وقد تحالف هذا التيار مع بعض الأقليات اليمينية الإصلاحية التي احترفت تسويغ مؤامرات السلطة وتسويقها من أجل تحقيق مآرب نفعية ذاتية، ثم أسرع إلى التخلي عنها حينما اشتدّ عوده وتبيّن لها أن لا فائدة ترتجى من هذا التحالف، بالنظر إلى هامشية تلك الأقليات وبالتالي عدم قدرتها على الفعل والتأثير.
تتسم نظرة الإخوان المسلمين لماضي الحركة الطلابية وخاصة لحركة فيفري 72 بالعدمية، لأنّهم بكل بساطة لم يكونوا طرفا فاعلا فيها.
وقد تجلت طبيعتهم اللامبدئية في رفعهم الشعار ونقيضه: في البداية، أي إلى حدود الموسم الدراسي 79/1980، نادوا ب » انتخاب الهياكل النقابية المؤقتة«، ثم في مرحلة ثانية بداية من الموسم الدراسي 80/ 1981 رفعوا شعار » المؤتمر التأسيسي«.
أما من حيث الشكل فهم يراوحون بين معسول الكلام عن الديمقراطية وبين استعمال أشدّ أشكال العنف ضراوة لتكسير التحركات وضرب الهياكل. وبين هذا وذاك رفع »الإخوان« شعار: » حرية الكلمة حقّ لكلّ طالب، ومن لم يفهمه اختيارا يفهمه اضطرارا«.
إنّهم يريدون “نقابة” أو بتعبير أدق منظمة تكون مرآة تعكس تصوراتهم وتحقق الأمل الذي راودهم، وهو »أسلمة الجامعة« كمدخل ل »أسلمة المجتمع«.
لقد كان من المفترض إعداد مناضلي الخط الوطني الديمقراطي وفق خطة سياسية وفكرية وتنظيمية جديدة، بما يتناسب مع متطلبات نضال مستجدة من أهمّ محاورها مواجهة عدو متغطرس ( متمثل في الإخوان المسلمين)، لا يتوانى عن توجيه أقسى ضرباته لكوادر الحركة بهدف اقتلاعهم واجتثاثهم والإجهاز عليهم نهائيا.
لم يكن هدف هذا الإعداد الرّد على الاجتثاث بالاجتثاث، لأنّ هذا الأمر مستحيل عقليا وواقعيا، وإنّما ردع العدو ودفعه إلى التراجع والكف عن عدوانه، وبالتالي تأمين الحماية اللازمة للمناضلين.
ساهم العجز في مواجهة هذه المسألة المصيرية والصعبة في ظهور تشوهات ضارة في صلب الخط الوطني الديمقراطي، من أهمّها: الارتياب غياب المصارحة تغيير أولويات الصراع التكتل والتجنح العشائرية رفض الحضور في الإطار المركزي الموحد( إطار الصراع)، بل إنّ بعض العناصر اختارت »الهروب« بجلدها ومغادرة الحركة الطلابية، بعد عملية المواجهة الدموية العنيفة في 30 مارس 1982 بكلية الآداب بمنوبة، والتي حصلت بين الطلبة الوطد وحلفائهم من جهة وبين الإخوان المسلمين من جهة أخرى، والتي كانت نتيجة للممارسات » الإخوانية«: ضرب الهياكل حملات التأديب التي تستهدف الأفراد والمجموعات طلب سحب تعبير الإخوان المسلمين بالقوة....، والتي كانت تهدف في النهاية إلى دفع الآخرين إلى التواري والصمت أو الإذعان والتسليم.
السبب الثاني: عدم تفطن بعض الأطراف الوطنية إلى أهمية المسألة النقابية أو عدم اهتدائها إلى النظرة الصائبة حول هذا الأمر.
ويتعلق الأمر بتيار »الطلبة الوحدويين التقدميين الأحرار« ( هكذا كان يسمّى في بدايته)، وهو تيار ناصري انتقل تدريجيا إلى تبني أطروحات عصمت سيف الدولة. كما انتقل هذا التيار من الدفاع عن الهياكل النقابية المؤقتة وعلى ضرورة أن تكون » ممثلة« إلى رأي آخر مفاده أنّ الحركة الطلابية (وحركة الشبيبة المثقفة) عموما لا تحتاج إلى التنظم النقابي.
أما »الطليعة الطلابية العربية«، وهي ذات توجه بعثي، فقد دعت منذ وجودها في الموسم الدراسي 80/ 1981 إلى مؤتمر تأسيسي لاتحاد وطني لطلبة وتلاميذ تونس.
أدّى غياب تصور واضح حول المسألة النقابية إلى اللبس في علاقة الوطد بهذين الطرفين وإلى الاقتصار على التنسيق في التجمعات العامة حول القضايا العامة.
الخاتمة
بعد كلّ هذا الذي حدث ووقع، هناك أسئلة تطفوا ضرورة إلى السطح: هل فشلنا؟ ما هي معايير الفشل والنجاح في هذه الحالة؟ لماذا لم تكن الشجاعة للاعتراف بفشلنا في الإبّان؟ إن كنّا قد فشلنا، هل نجح غيرنا؟ هل أنّ فشلنا هو فشل تجربة أم فشل جيل؟
ثم أخيرا: ألم تعلمنا النظرية الثورية والتجربة التاريخية للشعوب أنّ »الفشل أبو النجاح«، بما أنّه يسهم في زيادة الخبرة والكفاءة ومغالبة التحديات مهما كان شأنها؟
هذه الأسئلة، وكثير غيرها، مشروعة دون شك، ولكن ما هو غير مشروع أن تظل تجاربنا طيّ الكتمان وأن يكون مصيرها التلف والنسيان. في هذه الحالة سيتحول الفشل إلى هزيمة نكراء. أمّا في الحالة العكسية، أي حينما ننكب بكل صدق وموضوعية على دراسة تجربتنا وتجربة شعبنا، وأن ننفذ إلى أعماقها، حينئذ سنحول الفشل إلى نجاح ولو بعد حين، وستحقق الأجيال اللاحقة ما لم نحققه نحن.
--
المرصد التونسي للحقوق و الحريات النقابية
Observatoire tunisien des droits et des libertés syndicaux


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.