الجمعة 9 نيسان (أبريل) 2010 اللغة العربية ضحية مؤامرة والحكومة عاجزة عن الدفاع عنها تلعب الثقافة القومية دورا رئيسيا في مقاومة الشعوب للاستعمار، قديمه وجديده. فقد استطاع الإسمنت الديني أن يحافظ على الشخصية المعنوية في البلاد العربية ولم تذب كما ذابت شخصية شعوب أمريكا اللاتينية ممّا مكّن شعوب المغرب العربي مثلا من التخلّص من الاستعمار مستعملين حسا وطنيا خليطا بين الدين والقومية. وبعيدا عنّا استطاع الشعب الياباني أن يحافظ على لغته بعد هزيمته أمام الاستعمار الأوروبي في أواسط القرن التاسع عشر وأمام الولاياتالمتحدة في أواسط القرن العشرين واستطاع باحتفاظه بلغته التي تُكتب بثلاث طرق مختلفة أن يبني تعليما جامعيا عصريا وصناعة متطورة جعلت منه اليوم ثالث قوة اقتصادية في العالم بعد الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي. كما تمكّنت كوريا الجنوبية من بناء شخصيتها الوطنية العصرية وبناء صناعة متطوّرة لأنها أنجزت تعليما جامعيا عصريا وتعليما مهنيا مستعملة في التدريس لغتها الوطنية التي تُكتب بالرموز وليس بالأحرف، وحتى كوريا الشمالية، رغم الحصار ورغم قحل أراضيها وشحّ مواردها الطبيعية، فقد استطاعت بفضل استعمال لغتها في التدريس أن تبني صناعة متطوّرة مكنتها من صناعة القنبلة النووية وأبعدت عنها شبح الاحتلال الأمريكي. تُعتبر اللغة الوطنية أهمّ مكوّن للشخصية القومية، والحفاظ عليها يمكّن من السيطرة على التكنولوجيا ويجعل البلاد قادرة على الصمود في الحرب الاقتصادية المسعورة التي تدور رحاها اليوم في العالم. وإن كان حكّامنا لم يفهموا ذلك فإن الاستعمار الجديد فهم أن تدمير المكوّنات الثقافية لشعب ما يمكّن من السيطرة عليه واستعباده وجعله تابعا، واتجه لتدمير لغتنا الوطنية لتعويضها بلغة جديدة. الحكّام في بلداننا لم يكترثوا باللغة ولم يدافعوا عنها ولم يستعملوها كسلاح في الحرب الاقتصادية، وأصبحت كعب أخيل في مكوّنات الشخصية العربية، واغتنم الاستعمار الجديد والحركة الصهيونية تغافل الحكاّم في الدفاع عن اللغة العربية ليخطّطوا لاغتيالها وتحجيم دورها حتى تصبح لغة ميتة كاللاتينية لا يتعلّمها الناس إلا للدراسات التاريخية. وكان مخطّطهم جهنميا خبيثا، بدأ بالبحث عن عملاء محلّيين لأنهم يعرفون أن التخريب الفعّال لا يقع إلا من الداخل فأقنعوا البعض بحججهم وعملوا على إعانتهم لبلوغ مراكز القرار، وساعدتهم سياسة الإقصاء التي تنتهجها الحكومة التونسية تجاه الخبراء المحليين بجلبها خبراء فرنسيين أقنعوا بعض إطارات التربية والتعليم العالي بجدوى نصائحهم فتكوّن لوبي تونسي قوي معاد للعربية أقنع السّلط السياسية بأن لغتنا الوطنية لا تصلح لتدريس العلوم، وبثّوا هذا المعتقد في الأوساط التربوية حتى أصبح ذلك قناعة راسخة لدى أغلب إطارات البلاد ولدى الطلبة بالخصوص حتى أن بعضهم لا يصدّق بأن الجامعة العبرية بالقدس تدرّس كل العلوم بالعبرية ولا أن كل الجامعات الصينية واليابانية والكورية والبلغارية والإيرانية والسلوفاكية تدرّس العلوم بلغتها الوطنية، وهناك من يعتقد من بين طلبتنا أن هذه البلدان تدرّس العلوم مثلنا باللغة الفرنسية (والله !). القضاء على اللغة العربية في بلادنا له أهداف مختلفة لكن نتيجته بالنسبة لنا واحدة. أمّا الصهاينة فهم يهدفون إلى خلق لغة تَخاطُب في شمال إفريقيا تختلف عن العربية، لا تملك قواعد نحو ولا قواعد تركيب جمل، تتركّب من خليط بين كلمات عربية وأخرى فرنسية، ويأملون أن تعوّض هذه اللغة الجديدة لغتنا الدارجة التي يتكلّمها آباؤنا وأجدادنا. وهم يريدونها أن تعوّض فعلا لغتنا الدارجة خلال جيلين ليجد الجيل الثالث نفسه أمام خيارين، فإما أن ينتقل مباشرة إلى الفرنسية لأنها لغة متكاملة تتطوّر باستمرار وتملك قواعد نحو ويتعلّمها الناس في المدارس وتدافع عنها الحكومة الفرنسية بواسطة قوانين عديدة وتُعتمد كشرط أساسي للدخول إلى الكليات المرموقة في فرنسا وحتى في تونس، وإمّا أن تُخلق لغة جديدة مكتوبة باللاتينية تشبه المالطية الحالية وتكون خاصة ببلدان المغرب الأربعة. وإن ينجح المخطّط فلن يربطنا أي رابط ثقافي ببلدان الشرق الأوسط، خاصة وأننا سنّيون مالكيون وهم خليط بين سنيّين وشيعة ومسيحيين ودروز، وتصبح علاقتنا بالشعب الفلسطيني كعلاقتنا بشعب أذربيجان وسينطفئ عداؤنا للصهيونية وسنساند الفلسطينيين كما ساندنا أذربيجان في القرن الماضي ضد أرمينيا. هذه هي أهداف "روبرت ميردوخ" مسوّق الحرب على العراق وشريكه "برلوسكوني" فهما يبثّان سمومهما لدى شبابنا من خلال قناة "نسمة تيفي" التي يستعملونها كوسيلة أساسية في هذا المخطّط. وتساهم شركة الإشهار "التونسية" "قروي أند قروي" في هذا المخطّط الصهيوني بحماس، فهي لا تكتفي بالاعتداء على لغتنا في القناة المذكورة التي تملك جزءا من رأس مالها بل جعلت معلقاتها الإشهارية مكتوبة بهذه اللغة الهجينة بالأحرف اللاتينية فقط أو بخليط بين الحروف العربية والحروف اللاتينية ، لأن إحدى وسائل تطبيق المخطط الصهيوني هي معاداة اللغة العربية المشتركة بين الشعوب العربية لغاية واضحة. ويشارك مالكو إذاعة "موزاييك" أعداء لغتنا في نفس المخطط إمّا عن جهل وغباء وإمّا عن سوء نية. وأمّا الاستعمار الجديد فأهدافه واضحة، فهو يريد تعويض العربية في بلادنا بالفرنسية ممّا سيجعلنا دائما في موقع ضعف سيكولوجي أمام الفرنسي في النقاشات الثنائية وفي المفاوضات، لشعورنا بأننا لا نملك أداة التخاطب بيننا بل يملكها هو ولا نملك المعرفة لأننا نحصل عليها من خلال كتبه ومواقع الواب الناطقة بلغته ولا نشتري ما نحتاجه من آلات وأجهزة إلا لديه سواء صنعها في بلده أو استوردها من بلد ثان. وفي صورة نجاح هذا المخطّط الصهيوني الاستعماري فإننا سننفصل عن موروثنا الحضاري الحالي الذي يمثّل مصدر افتخار لدينا لكونه يحتوي على آلاف المخطوطات المكتوبة باللغة العربية التي سيجهلها أحفادنا كما يجهل سكان المكسيك لغة الأستاك، وستكون لغتنا الجديدة الهجينة فقيرة من الناحية اللكسيكية وفقيرة من الناحية التاريخية، وتصبح بذلك شخصيتنا الثقافية تعادل الشخصية الثقافية لقبائل إفريقيا الوسطى، لا تملك موروثا ثقافيا مكتوبا بلغتها، ويصبح من الصعب على أحفادنا قراءة القرآن وفهمه، لأن اللغات الميتة لا تجلب اهتمام المتعلمين، وينتج عن المخطّط أيضا إضعاف شخصيتنا الثقافية وتحقيرنا أمام من يتكلمون العبرية والفرنسية والفارسية والتركية وغيرها من لغات شعوب العالم التي تحترم نفسها وتحترم حضارتها، وينخفض احترامنا لذاتنا، وينتج عن هذا الانخرام لميزان القوى عجز ميزان التبادل في كل الميادين الاقتصادية والتجارية والثقافية والعسكرية وغيرها. حكومتنا لا تقوم بواجبها في حماية بلادنا كما تقوم الحكومات الأوروبية بالدفاع عن لغة شعوبها فهي صامتة أمام هذا الاعتداء على لغتنا وإضعافها، وهي لا تدرك أن ذلك يرهن مستقبل شعبنا ويضعف لُحمته واعتداده بذاته باعتماده على موروثه الثقافي الذي ساهم في تقدّم المعرفة ورقي الشعوب، بل تركت الحبل على الغارب ليغتنم أعداء حضارتنا وأعداء شعوبنا هذا التخاذل ويلعبوا دورا تخريبيا واضحا في القنوات الإذاعية والتلفزية التونسية وفي الإشهار في الفضاءات العامة وفي بيداغوجيا التدريس. وينتج تخاذل الحكومة عن ضعف الدولة أمام مراكز القوى التي يمثّلها الأثرياء الجدد الذين يخدمون مصالح أولياء نعمتهم من أعداء لغتنا والذين وضعوا أنفسهم فوق القانون رغم أنهم جنوا ثروتهم من المال العام سواء بالإشهار للشركات الوطنية أو باستغلال النفوذ وتوظيف أجهزة الدولة لفائدتهم الخاصة وحصلوا على امتيازات حُرم منها غيرهم. أمّا الذين يستعملون شعار الوطنية للتهجّم الرخيص على المعارضة فهم لا يتجرّؤون على الكلام عن الاعتداءات التي تتعرّض لها اللغة الوطنية لجبنهم أمام مشغّليهم ولأن وطنيتهم لا علاقة لها بالوطن وبمقوماته وإنما بما يُدفع لهم من مال مقابل خدمات تُرضي وزارة الداخلية أساسا. تخاذل الحكومة اليوم أمام المخطّطات الهدّامة يحمّلها مسؤولية تاريخية وواجبها في الدفاع عن الوطن يحتّم عليها أن تطبّق بحزم مناشير الوزارة الأولى في هذا المضمار لمنع الاعتداء على اللغة العربية، ولكن هل هي قادرة ؟ بقلم :أ.د. أحمد بوعزّي