رغم أن المعسكر العلماني في تركيا تلقى العديد من الضربات منذ وصول حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية إلى السلطة ، إلا أن الفضيحة الجنسية التي تورط فيها زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض التركي دينيز بايكال تعتبر الأخطر من نوعها التي تهدد وجوده منذ عقود . فمعروف أن حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة هو صوت النخبة العلمانية في المدن والتي تضم القضاة وقادة الجيش وكبار موظفي الدولة ، ورغم أنه كان هدد أكثر من مرة بإجهاض التعديلات الدستورية التي قدمتها حكومة رجب طيب أردوجان للبرلمان مؤخرا ، إلا أن تفجر الفضيحة الجنسية جاء ليربك كافة حساباته بل ويهدد أيضا بإضعاف نفوذ العلمانية أكثر وأكثر . وكانت مواقع على الإنترنت نشرت في 6 مايو / أيار تسجيل فيديو يظهر فيه زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض التركي دينيز بايكال في وضع مخل مع إحدى عضوات الحزب وهي امرأة متزوجة . ويظهر في تسجيل الفيديو بايكال وهو يرتدي ملابس داخلية في غرفة نوم مع امرأة تبدو نصف عارية كشفت وسائل إعلام تركية أنها نائبة سابقة ، وفي أجزاء أخرى من الشريط ، يظهر بايكال وهو يرتدي ملابسه ويهم بالمغادرة وكذا تفعل المرأة . استقالة بايكال
دينيز بايكال وبعد أيام من الصمت ، خرج بايكال " 71 عاما " على وسائل الإعلام في 10 مايو / أيار ليعلن تقديم استقالته من رئاسة الحزب ، زاعما أن تسجيل الفيديو الذي أظهره على علاقة بامرأة متزوجة في حزبه كانت سكرتيرته في السابق ليس إلا مؤامرة ضده ، ملقيا باللائمة على الحكومة. وأضاف أن التسجيل الذي تم تصويره سرا لم يكن لينجز لولا موافقة حزب العدالة والتنمية الحاكم في البلاد ، قائلا :" من المستحيل أن تنظم مؤامرة مثل هذه في وقت قصير دون علم الحزب الحاكم" . وتابع بايكال الذي يدافع عن قيم العلمانية في مواجهة الحكومة المنبثقة من التيار الإسلامي " ليس شريط فيديو ذو طابع جنسي ، إنه مؤامرة والذين يقفون وراء هذه المؤامرة فعلوا ذلك لأسباب سياسية ، أقدم استقالتي من رئاسة حزب الشعب الجمهوري ، لكن استقالتي لا تعني أن أتنازل أو أن أحاول الإفلات من هذه المؤامرة ، بل بالعكس ، إنه تحد " . واختتم قائلا :" هذه المؤامرة لا تستهدف شخصا واحدا بل نضال حزب الشعب الجمهوري من أجل الدفاع عن الجمهورية والديمقراطية ودولة القانون". ورغم أن بايكال حاول التخفيف من وطأة الفضيحة الجنسية التي يواجهها عبر الحديث عن مؤامرة حاكها حزب العدالة والتنمية الحاكم ، إلا أن هناك عددا من الأمور تضعف حججه من أبرزها أن نشر الشريط جاء قبيل عقد الحزب الجمهوري مؤتمره العام في 22 مايو / أيار والذي كان من المتوقع فيه أن يعاد انتخاب بايكال زعيما للحزب ، ولذا تحدث كثيرون حول أن نشر الشريط في هذا التوقيت كان الهدف منه إضعاف بايكال داخل الحزب العلماني وضمان عدم انتخابه مجددا . هذا بالإضافة إلى بايكال الذي يتولى زعامة حزب الشعب الجمهوري منذ عام 1992 التزم الصمت عدة أيام قبل الإعلان عن استقالته وهو ما يرجح أنه تأكد من إدانته ، خاصة وأن الادعاء العام في تركيا كان بدأ في 7 مايو تحقيقا فوريا لمعرفة الجهة التي قامت بتصوير الشريط وتسريبه ، بل إن بعض وسائل الإعلام التركية أشارت إلى أن الشريط يعود إلى عام 2001 أو إلى 2007 وهو ما يؤكد براءة حزب العدالة والتنمية تماما لأنه لو كان يريد اللعب بتلك الورقة لكشف عنها في أوقات حرجة كثيرة مرة بها منذ وصوله للسلطة عام 2002 . بالإضافة إلى أن التنصت على الاتصالات الهاتفية والكاميرات الخفية هو أمر كان شائعا في الحياة السياسية التركية منذ عقود ، إلا أن حزب العدالة والتنمية قرر حظر هذا الموضوع منذ وصوله للسلطة . تصاعد شعبية أردوجان
تأييد شعبي واسع لسياسة أردوجان وفي ضوء ما سبق ، فإن مزاعم بايكال تفضح المعسكر العلماني وتضاعف شعبية أردوجان أكثر وأكثر بالنظر إلى أنه لم ينف صحة شريط الفيديو وإقامته علاقة غير شرعية خارج إطار الزواج وإنما ركز فقط على الحديث عن مؤامرة تقف وراء بث شريط الفيديو في هذا التوقيت وهو الأمر الذي أثر سلبيا على سمعة حزبه الذي يعتبر أقدم حزب سياسي في تركيا وتسبب في تراجع شعبيته بل إن هناك توقعات بأن يتلقى هزيمة قاسية خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة أواسط عام 2011. ورغم أن بايكال كان تعهد بعرقلة خطط الحكومة لإجراء استفتاء على إصلاحات دستورية تهدف إلى إصلاح القضاء وإخضاع أفراد الجيش للمحاسبة أمام المحاكم المدنية ، إلا أنه بعد تفجر الفضيحة الجنسية فإن تحركاته للطعن في التعديلات الدستورية أمام المحكمة الدستورية لإبطالها قد لا تجد آذانا صاغية ، هذا بالإضافة إلى أن التعديلات تفي بالشروط التي وضعها الاتحاد الأوروبي لانضمام تركيا إليه . وكانت حكومة أردوجان نجحت في 7 مايو في تمرير حوالي 27 تعديلا جديدا بالدستور التركي كان من أبرزها تقليص صلاحيات الهيئات القضائية العليا المناهضة للحكومة والتي تعد معقل الدفاع عن علمانية الجمهورية التركية وحصنها الحصين. وبسبب عدم حصول التعديلات على ثلثي أصوات البرلمان " 367 من أصل 550 " الضرورية لإقرار تعديل دستوري من دون استفتاء، فإنه تقرر طرحها على استفتاء عام في يوليو/تموز 2010 . ورغم فشل حكومة أردوجان بتمرير تعديل دستوري يضع قيودا على حظر الأحزاب ، إلا أن الموافقة على أغلب التعديلات التي قدمها للبرلمان تعجل بإضعاف آخر قلاع العلمانية الحصينة المتمثلة في القضاء والجيش . ويبدو أن فرص المعسكر العلماني تكاد تكون معدومة تجاه فرص إجهاض التعديلات الدستورية في الاستفتاء الشعبي ليس فقط للشعبية الواسعة التي يتمتع بها حزب العدالة والتنمية وإنما لأنها تتوافق أيضا مع شروط الانضمام للاتحاد الأوروبي . هذ بالإضافة إلى تراجع مصداقية المعسكر العلماني بشدة بعد تفجر عدد من الفضائح من أبرزها الكشف عن مؤامرتي "أرجينيكون و"بليوز " اللتين كانتا تخططان للإطاحة بحكومة أردوجان ، وأخيرا الكشف عن فضيحة بايكال الجنسية . وتبقى حقيقة هامة وهي أن حكومة أردوجان تسير بتركيا على طريق إعادة الهوية الإسلامية عبر التمسك بالديمقراطية ومبادئ العلمانية نفسها ما يضع مؤيديها في حرج بالغ ليس أمام الأتراك فقط وإنما أيضا أمام العالم بأكمله . مصدر الخبر : محيط a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=6485&t=أردوجان وفضيحة "بايكال" الجنسية &src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"