صفاقس انقاذ 52 مجتازا وانتشال 5 جثث    منال عمارة: أمارس الفنّ من أجل المال    عاجل/ ضبط 6 عناصر تكفيرية مفتّش عنهم في 4 ولايات    منوبة: الاحتفاظ بصاحب كشك ومزوّده من أجل بيع حلوى تسبّبت في تسمم 11 تلميذا    قريبا: اقتناء 18 عربة قطار جديدة لشبكة تونس البحرية    مديرو بنوك تونسية يعربون عن استعدادهم للمساهمة في تمويل المبادرات التعليمية في تونس    النجم الساحلي يمرّ بصعوبة الى الدور ربع النهائي    الهيئة الإدارية للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس تدعو إلى عقد مجلس وطني للمنظمة خلال سبتمبر القادم    اتحاد الفلاحين: ''أسعار أضاحي العيد تُعتبر معقولة''    عاجل/ مصر: رفع أبو تريكة من قوائم الإرهاب    الوطن القبلي.. صابة الحبوب تقدر ب 685 ألف قنطار    تسمّم تلاميذ بالحلوى: الإحتفاظ ببائع فواكه جافّة    قريبا.. الحلويات الشعبية بأسعار اقل    افتتاح معرض «تونس الأعماق» للفنان عزالدين البراري...لوحات عن المشاهد والأحياء التونسية والعادات والمناسبات    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    سبيطلة : القبض على مجرمين خطيرين    عاجل : مسيرة للمطالبة بإيجاد حلول نهائية للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء    قابس: نقل 15 من تلاميذ المدرسة الاعدادية ابن رشد بغنوش بعد شعورهم بالاختناق والإغماء    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    شبهات فساد: الاحتفاظ بمعتمد وموظف سابق بالستاغ وإطار بنكي في الكاف    فقدان 23 تونسيا شاركو في عملية ''حرقة ''    صفاقس اليوم بيع تذاكر لقاء كأس تونس بين ساقية الداير والبنزرتي    ليبيا: اشتباكات مسلّحة في الزاوية ونداءات لإخلاء السكان    عاجل/ القصرين: توقف الدروس بهذا المعهد بعد طعن موظّف بسكّين امام المؤسسة    محيط قرقنة مستقبل المرسى (0 2) قرقنة تغادر و«القناوية» باقتدار    كرة اليد: الاصابة تحرم النادي الإفريقي من خدمات ركائز الفريق في مواجهة مكارم المهدية    مدير عام الغابات: إستراتيجيتنا متكاملة للتّوقي من الحرائق    المنستير: إحداث أوّل شركة أهليّة محليّة لتنمية الصناعات التقليدية بالجهة في الساحلين    بلاغ مروري بمناسبة مقابلة الترجي والأهلي    وزارة الصناعة : ضرورة النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة لتنويع المزيج الطاقي    بنزرت: جلسة عمل حول الاستعدادات للامتحانات الوطنية بأوتيك    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    ليبيا: إختفاء نائب بالبرلمان.. والسلطات تحقّق    نهائي دوري ابطال إفريقيا: التشكيلة المتوقعة للترجي والنادي الاهلي    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    إنقاذ طفل من والدته بعد ان كانت تعتزم تخديره لاستخراج أعضاءه وبيعها!!    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    الكاف: انطلاق فعاليات الدورة 34 لمهرجان ميو السنوي    كاس تونس لكرة القدم - نتائج الدفعة الاولى لمباريات الدور ثمن النهائي    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده من أجل مخالفة التراتيب الصحية    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    أب يرمي أولاده الأربعة في الشارع والأم ترفضهم    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتخابات تونس : بين الكوميديا والتراجيديا
نشر في الحوار نت يوم 23 - 05 - 2010

شهدت تونس يوم الأحد 9 مايو 2010 م انتخابات بلدية ، فازت فيها السلطة الحاكمة بأكثر من 90 في المائة من المقاعد ، وسط شكوك في نزاهة الانتخابات ، لا سيما وأن وسائل الاعلام الرسمية كانت منحازة بنسبة مائة في المائة للنظام الحاكم وناطقا باسمه ، بل كانت متحفزة جدا لتحاشي ما يفيد بغير ذلك عند حديث الضيوف الذين يمثلون بدورهم لونا واحدا يعبر عن وجهة نظر السلطة وحسب . وقد زاد من امتعاض المراقبين أن يتم ترويج تلك الدعاية الآحادية على أنها " نشرا لثقافة الديمقراطية " وهو الجانب الذي جمع بين الكوميديا والتراجيديا . إلى درجة لا يمكن التمييز فيها بين هذا وذلك . فعندما يقال بأن الدراسات أثبتت بأن الشعب التونسي ولا سيما الشباب عازف عن السياسة ، ثم يقال أن 80،82 في المائة ممن يحق لهم الاقتراع وأغلبهم من الشباب شاركوا في التصويت ، يحار العقل في وضع هذا الكلام في خانة الكوميديا السوداء ، أوالتراجيديا السياسية . وسبب هذا التغيير المفاجئ في موقف النظام من التخريجين ، هو تأكيد المعارضة على أن " عزوف الشباب سببه الانغلاق السياسي ، وغياب الخيارات التي حددها النظام ، في كيانه ، والمختزلة في شخص ، الرئيس ، وبقية الأجرام المجهرية الدائرة في فلكه ، والمختزلة هي الأخرى في كائنات وصولية ، تمثل طفيليات تعيش بين الشعب وتقتات بدمائه وعلى حساب كرامته ، وفي نفس الوقت بعيدة عنه، لكنها موصولة بالسلطة " وكان رد النظام دراميا جمع بين الكوميديا والتراجيديا ، وهو المفاجأة المدوية والزعم بأن الشباب والشعب مقبل على السياسة ؟!!!
الدعاية الانتخابية : يسيطر النظام الحاكم في تونس على جميع دواليب الدولة ، فليس هناك فصل بين السلطات . الشرطة لا تعمل بمهنية ، وليست محايدة سياسيا ، كما هو الحال في الدول التي تحترم فيها آدمية الانسان ، وآليات التداول على السلطة ، وإنما عصا في يد النظام الحاكم . والقضاء غير مستقل بل رافد من روافد السلطة الحاكمة في حالة طوارئ دائما لمعاقبة المطالبين بالحرية ، وبوقف الوصاية على المجتمع من قبل السلطة ، والحرية في إنشاء الأحزاب ، والعودة للشعب عند اختيار من يقومون بخدمته ، وفق قانون الأغلبية المعمول به لدى الأمم الحرة . والاعلام الرسمي ليس مملوكا للشعب ، وإنما هو بوق من أبواق النظام ، يكون دائما في خدمته بما في ذلك مواعيد الانتخابات المزورة . فزعماء الأحزاب المعترف بها ، وتحديدا المغضوب عليهم من قبل النظام ، ممنوعون من الظهور في التلفزيون الرسمي ، الذي هو ملك للشعب . فمية الجريبي ، وأحمد نجيب الشابي ، وبن جعفر ، وغيرهم ، لا يمكنون من هذه المنابر الاعلامية المملوكة للشعب . وعندما أدار التلفزيون الرسمي ، وتحديدا فضائية ، تونس 7 ، موائد مستديرة حول الانتخابات ، كان كل المدعوين من الحزب الحاكم أو الدائرين في فلكه ، ولم تدع المعارضة الجادة أبدا . بل كانت تلك البرامج " تسبيحا " بحمد الرئيس ... وهكذا ينشرون الديمقراطية !
حتى الإقبال على صناديق الإقتراع ، قيل في الاعلام الرسمي أنه " استجابة لدعوة الرئيس " . وكانت الملاحظة الأهم ، والدالة على الحالة السريالية السائدة في تونس ، هو أن جميع العيينات التي تم عرضها على التلفزيون للتعليق على مشاركتها في الانتخابات ، لم يكن بينها صوت واحد معارض ؟!!!
يا سبحان الله ، لا يوجد ولومعارض واحد في تونس !!! ( وهذه هي الحقيقة ) فالديمقراطية على ما يبدو اكتسحت جميع المعارضين ، حتى خلا منهم الشارع قبل صناديق الاقتراع ؟!!!
عيينات مختارة : لم تراقب الانتخابات جهة دولية ، بل جميع الذين راقبوا الانتخابات كانوا من المنتمين للنظام الحاكم والأجرام السياسية الصغيرة الدائرة في فلكه ، حتى الأجانب الذين تمت دعوتهم كانوا مختارين من قبل النظام الحاكم في تونس ، ولم يطلق عليهم صفة المراقبين وإنما ( الملاحظين ) ويالهم من ملاحظين . فلم يكونوا يعبرون عن موقف جهة حقوقية أو سياسية دولية . وإنما كانوا ضيوفا على النظام الحاكم في تونس ، وعلى حساب الشعب التونسي . وقد راعوا أصول الضيافة عند أخذ شهاداتهم المزورة التي أدلوا بها للتلفزيون الرسمي التونسي دون حياء أو شعور بالمسؤولية الانسانية . وكانت العيينات التي بثها الاعلام الرسمي في تونس ، تؤكد على أن كل شئ كان مرتبا ، فلم يعرض سوى المديح الملقن "عبرت عن رأيي ومارست واجبي الانتخابي " و" تمت الانتخابات في هدوء وبشكل قانوني " و " انتخبت استجابة لنداء ، سي رئيس " أي "السيد الرئيس . و" هاضوما اللي يعمل عليهم سي رئيس " أي " هؤلاء الذين يعول عليهم السيد الرئيس " و" نحن عند حسن ظن سي رئيس " و" حقي الانتخابي اللي كرسهولنا سي ريس "وهكذا ....
كان كل شئ يتكلم بصوت واحد ، هو صوت النظام الحاكم ، وكان الأمر كذلك في مراكز الاقتراع ، والفرز ، واعلان النتائج من قبل وزارة الداخلية في تونس . وكانت تلك ديمقراطية الرأي الواحد ، التي تفرز دائما فائزا أوحد وبالأرقام المعروفة التي لا تنزل عن 80 في المائة ، فما فوق .
لم يكن أمام الشعب جميع الخيارات ، كانت هناك أحزاب اختارها النظام الحاكم لمعارضته ، ومنع أحزاب أخرى من العمل ، لأنها تمثل المنافس الحقيقي ، وبالتالي البديل للوضع السريالي الراهن .
الإستئثار بالسلطة : يسيطر النظام الحاكم في تونس ، على الحكم ، وعلى البرلمان ، وعلى الرئاسة ، وعلى الأمن ، وعلى الجيش ، وعلى القضاء ، وعلى الإعلام ، وعلى الإقتصاد ، وعلى التعليم ، وعلى المعارضة المدجنة ، وعلى الشعب بالقوة سالفة الذكر ، ومع ذلك يزعم بأنه "لا يستأثر بالسلطة " ف 20 في المائة من مقاعد البرلمان ، المخصصة للمعارضة المجهرية ، تكرما منه ، والسماح بصدور بعض صحف المعارضة ، يعتبرها اشراكا للمعارضة في السلطة . وتعبيرا عن " تشبع المواطن بالثقافة الديمقراطية " . والحقيقة هي أن المواطن مشبع فعلا بالثقافة الديمقراطية ، ولكن ذلك ما جعل النظام يضغط عليه ، ويعمل على تزييف الديمقراطية في وعيه ، من خلال الزعم بأنه يستجيب لتطلعات تلك الثقافة . فالنظام الذي يحكم منذ أكثر من نصف قرن ، لا يمكنه الحديث عن المشاركة الشعبية فضلا عن الديمقراطية . وليبرر أجواء الكبت السياسي التي يعانيها الشعب يقول النظام بأن " التجربة الديمقراطية حديثة في تونس " بينما هي معدومة ، وكان هامش الحريات في عهد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة أوسع مساحة من الزاوية الحادة التي وضعها فيها نظام بن علي الحاكم اليوم في تونس . ولذلك نجد شرعية الشارع أوالشعب مغيبة ومفقودة . فلا يزال ينظرإلى الشعب بأنه قاصر وفي حاجة لوصاية لأنه " غير قادر على اختيار من يمثله ". وهكذا نجد السلطات في تونس تتهم نفسها والشعب معا ، ففي نفس الوقت الذي تتهم فيه الشعب بأنه "غير قادر على اختيار من يمثله " تعلن أن الشعب ( غير القادر ) اختارها ؟!!!
ديمقراطية الديكتاتورية : في الأنظمة الشمولية ، يجند كل شئ لاخراج مسرحية ، الشرعية ، ومن ذلك تجنيد الرياضيين الذين حققوا انجازات رياضية ، والشعراء الشعبيين ، والغناء الشعبي ، كما رأينا في الانتخابات البلدية في تونس . وكان الفنان مروان الشابي قد عبر عن غير قصد عن المأساة ، فعندما صاح الجمهور بطريقة ما صحح له قائلا " قولوا آه آآآآآآآآآآآآآآآآآآه " أو قول أحد الملاحظين " تونس حضيرة ( حاضرة ) على الدوام " وهو تعبير غير مقصود ، ولكنه أصاب كبد الحقيقية ، وقال ملاحظ آخر ( النظام يرفض كلمة مراقبين ) "ربي يبارك لهم " فذلك الجو يؤكد حقيقة على " ديمقراطية الدكتاتورية " وهي تصوير كل شئ على أحسن ما يرام .
في الدول التي تحترم إرادة شعبها ، يكون الاعلام حزبا معارضا ، بقطع النظر عمن يحكم ، وفي الأنظمة الاستبدادية كالنظام الحاكم في تونس تكون الأحزاب المعارضة ملحقا اعلاميا للنظام الحاكم أولا تكون .وفي الانتخابات الديمقراطية يحظر على الأحزاب المتنافسة الدعاية في اليوم الذي يسبق موعد الانتخابات ، حتى لا يؤثر ذلك على الناخبين ، ولكن النظام الحاكم في تونس ، واصل الدعاية عبر وسائل الاعلام الرسمية المملوكة للشعب ، والمغتصبة من قبل السلطة ، دون مراعاة لهذا المبدأ الانتخابي ، مدللا بما لا يدع مجالا للشك بأن للديكتاتورية ( ديمقراطيتها ) الخاصة جدا ..
من المضحكات في الانتخابات البلدية في تونس ، عبارات وردت في الابواق الاعلامية ، عن " احترام عميق للمواطن في مراكز الاقتراع " ونسوا أن المواطن الذي تزورإرادته ، ولا تمنح له كل الخيارات للاختيار، هو مواطن مغيب ومحتقر من قبل النظام .وأن التعدد الغائب في وسائل الاعلام الرسمية ، هو التعبير الحقيقي عن التعدد الحقيقي في الحياة السياسية . كما أن الأرقام المعلنة سواء عن نسبة المشاركين ، أونسبة الفوز معدة سلفا ، فلم يسبق أن سجل حزب سياسي في الدول التي تجري فيها انتخابات حقيقية كل هذه الأرقام ، أما السارق فلا يترك شيئا في الخزنة التي يسرقها ، إلا إذا قصد التعمية . وفي الانتخابات المزورة ، يركز على الشكل لا المضمون ، مثل سن الناخب والمرشح ، والهدوء ، وأماكن الاقتراع ، إذ أن القبورالجميلة المحاطة بالزهورلا تعبر عن وجود حياة انسانية داخلها .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.