نددت جهات عدة باعتقال الصحفي التونسي فاهم بوكدوس بعد عشرة أيام من تثبيت حكم عليه بالسجن أربعة أعوام, واتهم محاميه الشرطة بممارسة ضغوط على الأطباء للإسراع بإخراجه من المستشفى, واعتبر رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان مختار الطريفي أن محاكمة بوكدوس كانت الأسوأ مقارنة بمن حوكم قبله من الصحفيين التونسيين. واعتقل فاهم بوكدوس الخميس أمام زوجته من قبل أفراد من رجال الأمن بالزي المدني، من داخل المستشفى إثر عودته لتسلم بعض الوثائق الطبية والأدوية.
وعبرت زوجة بوكدوس عن قلقها بسبب اعتقاله من قبل الشرطة وهو في حالة صحية خطيرة واقتياده إلى جهة غير معلومة، إلى أن تمّ إبلاغها فيما بعد بأنه في طريقه إلى السجن.
وقالت عفاف بالناصر للجزيرة نت "لقد رفضت الشرطة إبلاغي إلى أيّ مكان سيقتادونه، وبعد بحث دام ساعات أعلمني محامي زوجي بأنه تمّ إرسال بوكدوس إلى السجن بقفصة".
وجاء القبض على بوكدوس بعد يوم واحد من خروجه من المستشفى بمحافظة سوسة (وسط البلاد)، حيث كان يخضع للعلاج (منذ أسابيع) من أزمات تنفس حادّة بسبب إصابته بمرض الربو..
اعتقال متوقع وكان الاعتقال متوقعا بعد إقرار محكمة قفصة الثلاثاء الماضي، سجن بوكدوس أربعة أعوام مع النفاذ تثبيتا لحكم ابتدائي صدر ضدّه مطلع هذا العام على خلفية تغطيته الصحفية لأحداث الحوض المنجمي بقفصة، بعدما قمعت الشرطة احتجاجا شعبيا على البطالة والفقر.
وحسب محاميه رضا الرداوي فإن الشرطة مارست ضغوطا على الأطباء الذين يباشرون علاج بوكدوس للإسراع بإخراجه من المستشفى، لكن طبيبه المباشر رفض الانصياع بسبب تعكر صحة مريضه.
ورغم أنّ الأطباء وافقوا على خروج بوكدوس من المستشفى يوم الأربعاء، فإنّهم أشاروا إلى أنّ وضعه ما زال يستوجب العناية، بسبب تواجد جرثومة في جهازه التنفسي.
ومن جانب آخر، قال رئيس اللجنة الوطنية لمساندة الحوض المنجمي مسعود الرمضاني إنّ بوكدوس تعرض قبل عملية اعتقاله لعدّة محاولات أمنية لأخذه بالقوة من المستشفى.
واستنكر طريقة محاكمته بدعوى أنها شهدت خروقات كثيرة بدءا من الطور الابتدائي، وقال إنّ بوكدوس -الذي يعمل مراسلا لقناة الحوار التونسي (المحظورة)- يحاكم بسبب نشاطه الصحفي.
واعتبر أنّ تغطية بوكدوس لملف الحوض المنجمي قد أحرجت السلطة بسبب فضحه انتهاكات الشرطة وقمعها للمظاهرة السلمية التي شنها أبناء الحوض المنجمي ردا على البطالة والفقر والمحسوبية، حسب رأيه.
وعرفت منطقة الحوض المنجمي في صيف 2008 مظاهرة شعبية حوكم بعدها عشرات النقابيين، لكن رغم العفو الرئاسي للإفراج عن الكثير منهم، فقد بقي مصير فاهم بوكدوس نقطة سوداء في هذا الملف.
ووجهت السلطة تهمتيْ "تكوين عصابة" و"بث نشرات تعكر النظام العام" ضدّ بوكدوس في هذه القضية، لكن المحامين لم يتمكنوا من الترافع عنه وحكمت عليه المحكمة غيابيا دون حضوره للدفاع عن نفسه، رغم أنه كان مطروح الفراش في المستشفى.
المحاكمة الأسوأ ومن جهته، يقول رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان مختار الطريفي إنّ محاكمة بوكدوس كانت الأسوأ مقارنة بمحاكمة الصحفييْن توفيق بن بريك وزهير مخلوف، اللذين قضيا حكما بالسجن ستة وأربعة أشهر على التوالي، في قضايا حق عام ترفض السلطة أن تكون قد فبركتها حسب رأي الحقوقيين.
ويضيف الطريفي للجزيرة نت "الأسوأ في هذه القضية أنّ بوكدوس حوكم دون توفر أبسط شروط المحاكمة العادلة، وهو حضور المتهم للدفاع عن نفسه، هذا إضافة إلى أنّ الحكم الصادر ضدّه قاس جدا".
وحمّل الطريفي السلطات مسؤولية تدهور صحة بوكدوس في السجن، قائلا إن وضعية سجناء الرأي تبعث على القلق داخل السجون التونسية، وإنّ المرافق الصحية المختصة تكاد تكون منعدمة، حسب قوله.
وشنت منظمة العفو الدولة ولجنة حماية الصحفيين ومراسلون بلا حدود انتقادات عنيفة ضدّ السلطة. كما انتقدت وزارة الخارجية الأميركية محاكمة بوكدوس وتدهور مناخ الحريات بتونس.
وفي المقابل، انتقدت الحكومة التونسية تحامل بعض المنظمات عليها، وردت على انتقادات أميركا بأنها تسرعت في إطلاق الأحكام عليها، وأنّ بوكدوس ليس صحفيا وأنه يحاكم على أساس تهم حق عام. ويحمل بوكدوس بطاقة صحفي من الاتحاد الدولي للصحفيين.