القبح وجه آخر للجمال..و العنف وجه آخر للطف... و الصمت وجه آخر للكلام... و السجن وجع آخر للحرية ... هكذا علينا أن نؤمن لنستمر.. يقول ظافر . في الوطن.. أكاد أجن.. أطرش في النهار تماما عن كل صوت .. اعتزل الناس أهيم على رأسي.. في شعاب الخيال أفتش عن أهل فقدتم ...و إخوان أو دعتهم أشتاتا على كل صخرة في كل منافذ الوطن السحيقة .. أنسى وجعي نهارا .. ولكن كل شيء يستيقظ ويحيل ذلك السبات.. إلى كابوس في ليل زنزانتي ...حين آوي الى مهجع الذكريات و تلا حقني صور من خلفت و رائي ..أب أوسد رأسه الأرض و ختم الصمت الأبدي على شفاهه .و أم إحدودب ظهرها.. أودعتها الى شيخوختها و وجعها زوجة ملتاعة، و بنين يتما.. أحتمل جدران الزنزانة السوداء المتسخة ...و أعاود قراءة الخرابيش المحفورة ، أحتضن الصمت الذي رافقني و تلك القضبان ا لنافذة، التي أتوق يوما للانعتاق منها مع خشية أن يعاودني طعم ريحها في الذكرى...."و المفزع حقا هي رائحة الموت ،إنها رائحة خاصة لا يعرفها إلا من مر من هناك..الأعوان أدمنوها كعطر لا يفارقهم ،يحملونها في ثيابهم لزوجاتهم ،تبدوا في نقودهم المغمسة بالدم يطعمونها أطفالهم..." يقول ظافر. هنا و حسب أستطيع أن أستشعر طعم الحرية .. و مرارة فقدها .. وأتخيل الشمس التي لا أحسها.. وأنسى مناكفات سخيفة كانت تأرقني في صف العمل مع الإخوة.... بين يقظة الأسئلة و صمت الأجوبة.. تأخذني الظنون الى غربة دين مستفحلة ..وأشواق في الرقي به مبرحة ... و قدرة دون ذلك مكبلة .. في صمته يجلس ظافر على حافة الوطن المنتفخ " ثرثرة " كفقاعة تنفثها "كرابيج الداخلية" و عين الرقيب و ألسنة المدح الصحفي المأجور بشدة، كلما دعت الحاجة لذلك . فتجري في أودية الوطن و جباله و سهوله مدحا و كذبا وثناء و تزكية ...و تمديد سلطة ... بقرار عن ممثلي الشعب، لمن أغتصب كرائمه و كريماته ..و عذب و عاقر كبائر الفواحش ،و سرق الوطن و أرواح الأحرار.. كثيرا ما يسألك الناس لماذا تصمت ؟!..وكثيرا ما تتردد في الإجابة... الصمت ليس كله محمدة ...و لا هو كذلك دائما...و لا هو بالأحرى مكرمة و لا هو أبدا كذلك !!! ببساطة ..نصمت لأننا لا نجد من يقدر قولنا أو يعيه ،نصمت لنتكلم في دواخلنا فكرا ..و ليكون جهرنا ذكرا ...حينها يكون الصمت خيار الأقدر.. ونسيج كتمان دؤوب، لا يرجو صاحبه به من الناس ثناء و لا محمدة، حتى إذا استوى أظهره للناس فعلا ناجزا ،باغت كل رقيب و متربص. يجثو الزمن في وطني على الناس ثقيلا تحت ظلال الرعب ،و كتامة النفس ،وعين الرقيب فيفزعون الى الثرثرة في كل ما لا يرغبون الحديث فيه أو تقلوه فطرهم ،فذاك هو المسموح به المسكوت عنه ،المدفوع إليه.يحدثونك عن الفن و سخافة الفنانين وعن الكرة و الملاعب واللاعبين،وعن الأخرى و الآخرين ...و عن صنوف الطبخ ومهارة الطباخين وعن الحظ و البخت و المبخوتين..وعن الحانات والميسر و عن "الحرقة" و إبداعات "الحراقين ..." إنهم يصنعون لوقتهم عكاكيز يسوقون بها عجلة الزمن ...و يضربون بها خيول السماء المربوطة بشدة الى الأرض كي تعدو ..ولكن بعيدا عن وجهة الوطن . تراهم يمشون في الشارع وهم يلهثون ....لماذا يا ترى ...لا لشيء إلا لأننا في زمن السرعة ..وكذلك هي الحياة في باريس ..و روما ..ومدريد ..ولندن . يتصنعون الثبات وهم بإمعييتهم يقفون على رخو العيش ..وأمن الغذاء و أصباغ الحرية ...و أحبار القانون!!و عسف البرد... وحر الجوع. إذا حدثك أحدهم حيد اسمه و مشاعره ,حيد معنى المعنى الذي يختزنه... الكائن الذي يخنق الحرية في نبضات روحه ،عليه أن ينكمش على ذاته المبتوتة ،ويدرأ عنها عبق الحرية و عطرها ،الذي يملأ الفضاء ، و يرش هامدات الأنفس بمعنى الحياة، و حق الحياة و روح الأمل، كي لا تستحيل شخوصا ذوابل ،و آلات صماء صلدة كتلك التي رآها ظافر في السجن تنتج العنف وتغذيه، و تربي فلول القبح وتنفث معنى العدم كسموم تنين أسطوري ..تتمدد في فضاء الأمل ..كالحرائق في الغابات.