أعلنت تركيا إلغاء مناورات "نسر الأناضول" الجوية التي تشارك فيها إسرائيل دون أن تذكر سببا لذلك، لكن مراقبين للشأن التركي عدوا القرار "رسالة احتجاج" من أنقرة على ممارسات تل أبيب العدوانية الحالية في الأراضي الفلسطينية. وبحسب ما ذكرته وكالة "جهان" التركية فقد ألغت أنقرة الخميس 8-10-2009 "القسم الدولي" من مناورات نسر الأناضول التي تعد أحد أكبر وأهم المناورات الجوية المشتركة على مستوى العالم، والمعتاد إجراؤها في سماء ولاية قونيا وسط تركيا 4 مرات في العام بمشاركة طائرات أمريكية وإيطالية وإسرائيلية إلى جانب طائرات تابعة لعدد من دول حلف الناتو. ونقل موقع "أخبار العالم" التركي عن مراقبين سياسيين أن دافع أنقرة الرئيسي وراء إلغاء المناورات، التي كان من المقرر إجراؤها في الفترة من 12 إلى 24 أكتوبر الجاري، هو الحيلولة دون تطبيق الاتفاق العسكري القائم بين تركيا وإسرائيل، والذي يسمح للطائرات الإسرائيلية بالقيام بطلعات تدريبية في الأجواء التركية في إطار مناورات نسر الأناضول الدولية، وبمعنى آخر فإن قرار إلغاء المشاركة الدولية برمتها في المناورات يعد "مناورة تركية لإلغاء المشاركة الإسرائيلية دون إثارة أزمة مع تل أبيب".
وحاول الناطق باسم السفارة الإسرائيلية لدى أنقرة "عميد زاروك" التخفيف من وطأة دلالة القرار بقوله إنه: "لا يشمل إسرائيل فقط، بل أيضا بقية دول حلف الناتو"، مشيرا إلى أنه "من غير المعروف في الوقت الحاضر إذا ما كان قرار الإلغاء سيكون ساريا في الأعوام القادمة أيضا أم لا". ولاقى قرار إلغاء المشاركة الدولية، وفيها الإسرائيلية، في مناورات "نسر الأناضول" ترحيبا واسعا في الشارع التركي الذي طالب حكومته أكثر من مرة بعدم السماح لطائرات الجيش الإسرائيلي التي تقصف بيوت الفلسطينيين بأن تحلق في أجواء الأناضول، بحسب ما نشرته وكالة الأنباء الكويتية "كونا". ولم يصدر بعد حتى عصر الجمعة 9-10-2009 ردود فعل من الولاياتالمتحدة أو إيطاليا أو الناتو بهذا الشأن. "رسالة احتجاج" ورأى مراقبون للشأن التركي أن قرار إلغاء مناورات "نسر الأناضول" يعد "رسالة احتجاج" من أنقرة على ممارسات تل أبيب العدوانية في الأراضي الفلسطينية، وبخاصة في القدس والمسجد الأقصى المبارك. وأضاف هؤلاء المراقبون أن القرار يأتي أيضا متناغما مع سلسلة مواقف تركية تضامنية أخرى مع الوضع الفلسطيني تتابعت في الأشهر الأخيرة، ومنها إلغاء وزير الخارجية أحمد داود أوغلو زيارته لإسرائيل؛ ردا على رفض الأخيرة زيارته لغزة، وإلغاء صفقة شراء طائرات إسرائيلية، ودور أنقرة في رفع تقرير جولدستون الخاص برصد جرائم الحرب في غزة إلى مجلس الأمن الدولي. وكان أوغلو قد صرح في نفس يوم صدور قرار إلغاء المناورات بأن بلاده تتابع عن كثب تطورات الأحداث في مدينة القدسالمحتلة في ظل إجراءات الحصار والتضييق الأمني التي تتبعها السلطات الإسرائيلية ضد أهالي المدينة العرب. وأضاف الوزير في مؤتمر صحفي مع نظيره المجري بيتر بالاز بأنقرة الخميس أن الخارجية التركية "بعثت برسالة إلى إسرائيل أعربت فيها عن القلق مما يجري في المدينة المقدسة بسبب الإجراءات التي تتبعها ضد السكان الفلسطينيين"، مشددا على أن القدسالشرقية التي تجري فيها هذه الإجراءات جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية. كما "التقى القنصل العام التركي المسئولين الفلسطينيين عن الحرم القدسي الشريف للاطلاع على حقيقة ما يجري على الأرض"، داعيا إسرائيل إلى احترام موقع الحرم الشريف نظرا لمكانته في نفوس المسلمين والمسيحيين. وصدرت هذه التصريحات التركية تعقيبا على المواجهات المشتعلة بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي التي تمنع المقدسيين ممن تقل أعمارهم عن 50 من الصلاة في المسجد الأقصى المبارك، وذلك في الوقت الذي تفتح فيه أبواب المسجد أمام المتطرفين اليهود لتنديس باحة المسجد بالقيام فيه بأعمال وطقوس تخالف قدسيته الإسلامية، وذلك بالتزامن مع تسريعها في تنفيذ مشروع تهويد القدسالشرقية. وحاليا تستغل تركيا كونها عضوا غير دائم في دورة مجلس الأمن الحالية في الضغط باتجاه رفع تقرير جولدستون الدولي الخاص برصد جرائم الحرب التي ارتكبت خلال الحرب الإسرائيلية على غزة (في الفترة من 28-12-2008 إلى 18-1-2009) إلى مجلس الأمن تمهيدا لإصدار قرار دولي ملزم يعاقب إسرائيل على جرائمها. وفي سبتمبر الماضي ألغى أوغلو زيارة كانت مقررة إلى إسرائيل ردا على رفض الأخيرة السماح له بزيارة غزة لتفقد أوضاع الفلسطينيين المحاصرين منذ أكثر من عامين فيها. وتأتي دفعة المواقف هذه عقب الموقف الشهير لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان حين انسحب من جلسة جمعته بالرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز في 30-1-2009 بمؤتمر دافوس الاقتصادي في سويسرا؛ احتجاجا على عدم إعطائه الوقت الكافي للرد على كلمة بيريز بشأن عدوان حكومته على قطاع غزة. مناورات "نسر الأناضول" يذكر أن مناورات "نسر الأناضول" التي بدأت عام 2001 في عهد الائتلاف الحكومي العلماني بزعامة بولنت أجاويد بعد شهور قليلة من اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية أثارت سخطا في صفوف الشعب التركي، وكان من بين المحتجين بشأنها حزب العدالة والتنمية ذو الجذور الإسلامية (الحاكم حاليا) والذي كان وقتها في صفوف المعارضة. وثارت توقعات بإلغاء المشاركة الإسرائيلية في هذه المناورات عقب التوتر الذي نشب بين تركيا وإسرائيل؛ نظرا للدعم التركي الواسع على المستويين الشعبي والرسمي للشعب الفلسطيني خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة. ووقتها صرح جنرال تركي عسكري متقاعد بأنه "صحيح أن العلاقات العسكرية المتينة بين البلدين لن تتأثر بشكل قوي، ولن يتم تعليق الاتفاقات العسكرية الموقعة بينهما، إلا أنه من غير المستبعد أن يقوم الجيش التركي ببعض العقوبات على نظيره الإسرائيلي كردود فعل في حالة الضرورة". ونقلت صحيفة "زمان" التركية عن الجنرال الذي لم تذكر اسمه أن من بين هذه "العقوبات" إلغاء اجتماع سنوي رئيسي ينعقد بين القادة العسكريين في الجانبين، وكذلك إلغاء المشاركة الإسرائيلية في مناورات "نسر الأناضول". وشاركت القوات الجوية الإسرائيلية في المناورات 15 مرة بمعدل عشر طائرات في كل مرة، وفقا للاتفاقية الموقعة بين البلدين في عام 1996. وإضافة إلى المناورات الجوية تشارك أيضا إسرائيل القوات التركية في مناورات بحرية، آخرها كان في أغسطس الماضي. وكانت إسرائيل من جانبها ألغت مشاركتها في مناورات "نسر الأناضول" التي جرت يونيو الماضي؛ احتجاجا على موقف أنقرة المتضامن مع القضية الفلسطينية.