كم كانت صعبة وقاسية السنوات القليلة الماضية التي حكمت فيها النهضة ومشتقاتها البلاد والعباد فأفسدت أكثر مما أصلحت وكم انتظرنا ليعود إلينا وطننا من جديد. لقد عادت تونس من بعيد, من بعيد جدا بعد أن أنهكوها وأهانوها واغتصبوها ودنسوا تاريخها وعمقها. في السنوات الثلاث الماضية التفّ المستأجرون والمتآمرون والحاقدون والطماعون والفاشلون حول تونس فانتهكوا عرضها وظللنا نقاوم ونقاوم حتى انتصرنا. لا يهمني أن الباجي قايد السبسي هو من انتصر بقدر ما يهمني أننا أبعدنا عن التصرف في شؤوننا هؤلاء الذين أصبحنا متأكدين أنهم لن ينفعوا البلاد في شيء. في لحظات قصيرة جدا عندما كان ينتابني بعض اليأس أحس بالغربة وأنا أتجول في شوارع تونس بمظاهر لا أعرفها ولم أعرفها إلا سابقا في اليمن وباكستان وبعض مناطق إيران عندما كنت أسافر إلى هذه البلدان في عمل صحفي. أرادوا تغيير وجه تونس واقتلاعها من جذورها وكنا نشعر بالخطر العظيم يحيط بنا من كل جانب وكانت خيوط المؤامرات تتشابك أمام أعيننا ولم نكن نملك إلا الشارع والفضاء العام فتحركنا رجالا ونساء, ولم نكن نملك إلا وسائل إعلامنا الوطنية التي اصطفت في خندق الدفاع عن مشروعنا المجتمعي الحداثي المعتدل. في المقابل كان المرتزقة والعملاء يهددوننا بالسحل وينهالون علينا ضربا بالهراوات ويخنقوننا بالغاز ويرموننا بسلاح الرش وينتهكون أعراضنا والقائمة طويلة لا أريد تعدادها حتى لا أخضع لمنطق الضحية الذي مارسوه علينا. لقد كانوا عبر تاريخهم ''بكّائين'' يتمعشون من عقلية ''الضحية'' ويتلذذون بطريقة أقرب إلى السادية بسرد روايات تعذيبهم في السجون زمن الاستبداد, وحتى بعد أن اقتسموا كعكة الوطن لم يتخلصوا من نفس العقلية فباتوا يبكون بشكل استباقي خوفا من عودتهم إلى السجون ولدينا في بكاء عدنان منصر مثالا الذي فهم ''تلذذ'' الإسلاميين بدور الضحية فلعب على وترهم الحساس هذا. أدخلتم الوطن في مهاترات وقضايا جانبية عن الدين والهوية والمساواة والمرأة, ولامستم المناطق الأكثر حساسية في أجساد بناتنا وأخواتنا ونحن ننظر إليكم تتجادلون ''مستمتعين'' في المنابر الإعلامية حول ''قطع بظر الأنثى'' ,ولا أقول المرأة لأنكم تعتبرونها أنثى وحسب. وبكل شبقية تنظّرون لشهوة المرأة الجنسية, وكنا نحن نموت في جلدتنا حياء من المنحدر الذي جذبتمونا إلى قاعه... وعندما نتكلم ونحتج تنعتوننا بالكفار وبجرحى الانتخابات و''بالمتفرنسين'' وكان أشدكم جهلا يتهكم علينا ويدعونا لنشرب من البحر. لقد احتللتم وطننا وكنتم في قرارة أنفسكم تعتبرونها غزوة وصدّق الكثير منكم أنكم ''فتحتم بلد الكفار'' ولكن هيهات أخرجناكم من اعتقادكم الخاطئ دون أن نخرجكم من الوطن الذي أردتم احتلاله لأننا نؤمن أنه وطنكم أنتم أيضا, وتونس على صغر مساحتها فسيحة جدا تتسع للجميع. عاد إلينا الوطن واستعدنا هويتنا ومرحبا بكم إلى جانبنا مواطنين تؤمنون بقدسية الوطن وأولويته على جميع الأولويات الإيديولوجية والإقليمية والتنظيمية التي لا تخدم مصالح الوطن. نحن اليوم سعداء جدا ونكاد نطير فرحا ليس لأننا نكرهكم ونرغب في الإطاحة بكم ولكن لأن مشروعنا التونسي الأصيل انتصر على مشروعكم الإخواني المدمّر. تونس عادت إلينا, ألف حمد لله على سلامتك أيتها العروس..