ونحن في اليوم الأخير من سنة 2014 وبينما تستعدّ بطوننا لاستقبال العام الجديد علينا أن نتفق أولا أن هذا العام كان عاما صعبا على البشرية جمعاء لما ابتلانا به من كوارث وحروب وأمراض وأوبئة. لكنه يبدو أصعب بكثير على الأمة العربية بالتحديد التي سجلت في هذا العام ولادة ظاهرة خطيرة تحولت بسرعة البرق إلى مارد مخيف. إنه داعش. ذلك التنظيم الإرهابي الذي يريد العودة بنا إلى العصور الغابرة فيزيد أمتنا العربية تخلفا على تخلفها ويقضي على ما تبقى من الدول أو الكيانات العربية بعد أن قضى الربيع العربي على جزء مهم منها. بكل امتياز كان العام 2014 عام داعش وتنظيماته الإرهابية التي تفرعت عنه أو تلك التي بايعته فنرى آثار داعش الدموية المتوحشة في سورياوالعراق والأردن وليبيا ومصر وغيرها من بلاد العرب. وحتى بلاد الغرب هبّ عدد لابأس به من شبابها للقتال في صفوف داعش. داعش ضرب الأمة العربية في خصرها فباتت بالكاد تقوى على السير حينما اجتاح حلب السورية وامتدّ ''تاتارُهُ'' إلى الموصل والفلوجة العراقيتين. وبين المحطتين المجيدتين في تاريخ الأمة العربية حيث نشتمّ عبق الدولة العباسية في العراق والأموية في سوريا, نجد داعش يمرّغ التاريخ العربي بسيوفه الحادة يقطع بها أعناق الرجال ويعود بنا إلى ما قبل التاريخ العباسي والأموي فيسبي نساء العرب ويبيعهنّ في سوق النخاسة ويسترقّ أطفالهم أمام أعينهم. وبعد أن غرس داعش خنجره في خاصرة الأمة العربية فقأ عينهم في ''عين العرب'' أو كوباني حيث لم يواجهه إلا الأكراد وأبطؤوا مفعول تقدمه السريع ولم تعد مهمته سهلة كما كانت عندما اجتاحها في البداية. ستنتهي ظاهرة داعش القاسية وعلى العرب بعدها الوقوف على أطلال بلدانهم التي خلفها هذا التنظيم الإرهابي وستفهم العرب – وإن كان متأخرا – أن قوى عظمى استغلت نقمة الشعوب العربية على أنظمتها الفاسدة فظهرت تنظيمات متطرفة لتعويض الأنظمة بعد إسقاطها, ولم تكتف بذلك بل ستلغي هذه التنظيمات حدودا كانت مرسومة ودولا كانت قائمة لتقوم مكانها دويلات متناحرة لن تعرف الاستقرار لسنوات طويلة أخرى. وعندما ينكبّ المؤرخون على كتابة هذه الفترة القاتمة من تاريخ العرب سيشيرون إلى عام 2014 كعام محوري لن تعود بعده الخارطة العربية كما كانت, تماما كما كتب المؤرخون عن ''نهاية الرجل المريض'' عندما سقطت الامبراطورية العثمانية وقامت جمهورية تركيا الجديدة. ستختفي ''كيانات'' في وطننا العربي وستولد ''كيانات'' جديدة وسيموت ''الرجل العربي المريض''.