بَعْضُ وسائلِ الإعلامِ التونسيّ لم يتخلّصْ بَعْدُ مِن غوغائيَّةٍ تصبُّ مَوضوعيَّاً في تجهيلِ المُتلَقِّي وتضليله إذا افتَرَضْنا وُجُود النّوايا الحسَنة عند هذا البعض. فمنذ تنطُُُّعِ "صحفيّة؟" من أصل لبنانيّ لترؤسِ القسم العربي والدُّولي في صحيفة تونسيّة عاودت الصدور يوميّاً في ظلِّ تداعياتِ ما نُسِبَ إلى عربةِ خضار الراحل محمد البوعزيزي ، والصفحات العربية والدولية في تلك الصحيفة تتحوَّل إلى مِنبر يُجَعجع ضدّ الدولة السورية ، ليس فقط بتكثيف الحوارات مع رموز ماكان يُسمّى "الثور ة" المزعومة في سوريا كممثليّ مجلس اسطنبول وغيره من فصائل "المعارضة الخارجية" العميلة التي شاركت في مؤتمر أعداء سوريا الذي افتتحه في أحد فنادق قمّرت " محمد المنصف المرزوقي " بصفته آنذاك رئيسا مؤقتا للجمهورية التونسية ، بل وكذلك بصياغةٍ مُوَجَّهة للأخبار المتعلقة بالأزمة السورية وبإنشاء تعليقات تحريضية لا تصدر عن خلفية انتقامية حاقدة فقط وإنما أيضا عن جهل بألف باء المهنة الصحفيّة والتأهُّل للكتابة في الشأن السياسي كأن تزعم رئيسة القسم العربي والدولي في بعض "تحليلاتها" السياسية الأولى المتعلقة باستخدام موسكو وبكين حق النقض "الفيتو" لأول مرة في مجلس الأمن الدولي انتصاراً لدمشق ، أنّ "الصين كانت واحدة من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق"! . والمُفارَقة هُنا أنّ هذه الصحيفة عندما تتحوّل إلى منبر تعتليه قوى سياسية سورية ظلامية كالمجلس الوطني السوري "مجلس اسطنبول" ربيب قطروتركيا الذي تمثل جماعة الإخوان المسلمين السورية عموده الفقري ، بينما تحاول الصحيفةُ ذاتها البروزَ في المشهد الإعلامي التونسي منبراً ليبراليّا مدنيّاً حداثيّا مُناهِضا لحركة النهضة والسلفيين الذين يقفون وراء شبكات تجنيد الشابات والشبان في تونس وإرسالهم إلى القتال ضد الدولة السورية بذريعة "الجهاد" ، وبذلك تكون هذه الصحيفة مثلها مثل مواقف المرزوقي قد ساهَمَت في خلقِ مَناخٍ مُعادٍ للدّولة السوريّة يُسَهِّلُ عَمَلَ شبكات تجنيد الإرهابيين والقوى المحلية والأجنبية التي تقف وراءها. لقد استفز ذاكرتنا لنوردَ ما أوردناه أعلاه أنّ الغوغائيّة الجهولة التضليليّة لم تنحصرفي القسم العربي والدولي من ذات الصحيفة بل تفشّت وجاوزته إلى القسم الثقافي فيها، ففي عددها الصادر يوم الخميس2014/12/4أجرت صحفيّة من القسم الثقافي حوارا مع "شاعرة" تونسية عائدة من كردستان العراق بعد مشاركتها في الدورة الثامنة عشرة لمهرجان كلاويز الدولي للأدب التي افتتحها في قاعة هولي تاور وسط مدينة السليمانية المدعو "قباد الطالباني" النجل الأصغر لجلال الطالباني والذي يُعَدّ ، أعني قبادا، حلقةَ وصْلٍ بين اللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدةالأمريكية والقوى الكردية التي ترنو إلى علاقات مع الكيان الصهيوني ، خاصة وأن قباد الطالباني ذو علاقات واسعة في أوساط اللوبي الصهيوني الأمريكي.فالمهرجان إذن انعقد في الثلث الأخير من شهر نوفمبر /تشرين الثاني2014 في السليمانية تحت رعاية "قباد الطالباني" نائب رئيس حكومة إقليم كردستان العراق ، أي نائب "مسعود البرزاني" الذي ورث عن أبيه الملا مصطفى البرزاني أوثق العلاقات مع الكيان الصهيوني، مما جعل أربيل والسليمانية وغيرهما من مدن الإقليم مرتعاً مركزيَّاً لنشاط المخابرات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، إلا أنّ الصحيفة إياها عيْنها تزعم أن المهرجان انعقد في "كوباني" وأن "الشاعرة التونسية" التي تحاورها قادمة من كوباني!. فتبدأ الصحفية التونسية اللبيبة محاورة شاعرتها بالسؤال التالي: (* كيف كانت رحلتك الأخيرة إلى كوباني ، هذه المدينة التي أنهكتها النزاعات ، وأتعبتها الدواعش؟).فتتحدث "الشاعرة " في إجابتها عن "رحلة رائعة كانت أشبه بحلم جميل"و"بلد يزدحم بالروائح والألوان الساحرة " وفي تخليط عجيب تؤكد ما تخلعه من صفات على البلد المضيف وسكانه الذين يحتفون بالحياة"رغم الفجائع والجرائم التي قصفت أرواحَ الآلاف في مجازر رهيبة مثل حلبجة والأنفال"، وتسترسل "الشاعرة" إلى آخر الحوار بدون أن تصلح خطأ السؤال الأول لتوهمَ القارئ هي الأخرى أنها عائدة من كوباني ، ويزيد الأمر تضليلا عنوانٌ فرعيّ تضمنه الحوار يقول حرفيا"في كوباني تعرفتُ على المرأة الكردية فكانت عاشقة للحياة ومنفتحة في تفكيرها ولديها روح إنسانية عالية وقدرة على تقبُّلِ الآخر" . وقد انتظرت أياما بل أسابيع عسى الجريدة تستدرك وتعتذر عن خطيئتها المهنية بتزوير المعلومة وبإقحام "كوباني" في مغالطة حمقاء تصرّ على ليّ عنق الجغرافيا السياسية.انتظرتُ عبثاً فأيقنتُ بأنه لم يعد أمامي غير ترديد المثَل القديم (في "المغرب" لا تستغرب" !) ،واغتنام هذه الفرصة لأحدثكم عن"كوباني" التي لم تطأها قدما "الشاعرة التونسية" ولم تلمحها عيناها ، ذلك أنها كانت في مهرجان أدبي في العراق بينما كوباني تشهد مهرجان دم ولهب ودمار وأزيز رصاص ودويّ قذائف متنوّعة وقتال ضروس ليلاً نهارا وعلى كلّ شبْر مِن ثَراها السوريّ الطاهر. إنّ مدينة "عين العرب" /كوباني هي المدينة السورية الواقعة على الحدود السورية الشمالية مع تركيا (ولا توجد مدينة غيرها تحمل اسم "كوباني" لا في إقليم كردستان العراق ولا غيره) ، وجغرافيا وإداريا تتبع محافظة حلب ، فهي على بعد 30 كيلومترا من نهر الفرات ويبلغ عدد سكانها حسب إحصاء سنة 2004 قرابة الأربعة وأربعين ألف نسمة معظمهم من الأكراد السوريين، وقد سيطرت عليها قوات حماية الشعب في 2012/6/12، ومنذ حاوَلَ تنظيم "داعش" اقتحامَها أوائل سنة 2014تمَّ إخلاؤها من السكّان المدنيين بعيدا عن مخاطر جرائم تنظيم "الدولة الإسلامية..." الذي مازال يسيطر على ربع مساحة المدينة (جنوبي شرق وشماليّ شرق كوباني) ، أما بقية مساحتها فهي تحت سيطرة قوات الحماية الشعبية المؤلّفة مِن ألفيّ مقاتل ، عدد المقاتلات الكرديات السوريات منهم ثمانمئة رفيقة مُقاتلة باسلة سَطَّرن وسطّروا ويُسَطِّرَْنَ ويسطّرون بطولات مُبْهِر ة في التصدّي لقطعانِ الذئاب والضباع الداعشيّة وردّها عن بيوت وشوارع المدينة المُدَمَّرَة ،إضافة إلى حوالي 700 مقاتل مما يُسمّى كتائب "بركان الفرات" التي تشكل نواة "المعارضة المسلحة المعتدلة" التي تراهن عليها واشنطن كي تكون بديلا لداعش في الحرب الأمريكية المستمرة على دمشق، وكذلك 157مقاتلا من البشمركة أرسلهم مسعود البرزاني بالاتفاق مع أردوغان عَيْنا تتجسَّس على قوات الحماية الشعبية التي يشكل الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري pyd القريب أيديولوجيا من عبد الله أوجلان وحزبه pkk نواتها الصلبة، إضافة إلى عصابة من المسمى "الجيش الحر" بقيادة "عبد الجبار العكيدي" حاولت تركيا فرضها لكنّ تورط أفرادها وانشغالهم منذ وصلوا ا"كوباني" في جرائم سرقة البيوت المهجورة جعل قوات الحماية الشعبية تطردهم من المدينة الجريحة شرّ طردة. وقد بلغ حتى الآن عددُ القتلى في صفوف تنظيم "داعش" التكفيري الإرهابي داخلَ و على أسوار مدينة "كوباني" السورية الباسلة وحدها أكثر من ستة آلاف قتيل مُعظمهم مِن الأجانب الشيشان والأوزبكستان والأتراك (الذين تقوم داعش بالاتفاق مع حكومة أردوغان بقطع رؤوس الذين يُقتَلون منهم في المعركة وإخفائها كي لاتُفتَضح هويتهم التر كية) والتونسيين والليبيين والأعراب "الشوايا" من المنطقة الشرقية السورية وغيرهم . ولئن كانت صحيفة "الأخبار" اللبنانية قد تحدثت يوم الخميس 2014/12/18عن زيارة أنهاها الأسبوع الفائت بصمت وبعيداً عن عدسات الكاميرات، "وفدٌ أميركي برئاسة بيتر غالبريث، سفير الولاياتالمتحدة الأميركية السابق في كرواتيا والمساعد السابق للأمين العام للأمم المتحدة في أفغانستان وثلاث شخصيات سياسية وعسكرية أميركية زيارة ل«مقاطعة الجزيرة» (محافظة الحسكة) استمرت لعدة أيام، وذلك بعد أن عبَر الحدود مِن معبر سيمالكا بين شمال العراق ومحافظة الحسكة. وزار الوفدُ مدنَ القامشلي ورميلان وعامودا ورأس العين، تجوَّل خلالها في مواقع عسكرية ونفطية عدة، والتقى عدداً من قيادات حزب الاتحاد الديموقراطي «pyd» و«الإدارة الذاتية» بهدف «الاطلاع على تجربتهم وإمكانية تعميمها في بقية المحافظات السورية»"، وحسب الجريدة اللبنانية فإن الوفد "عرضَ أمام مستضيفيه جملة من المطالب، مقابل توفير الدعم لهم".و حدّد هذه المطالب ب«ضرورة تنفيذ اتفاق دهوك مع المجلس الوطني الكردي وتوحيد القيادة الكردية للمنطقة». و «الوفد تعهد بتقديم الدعم العسكري والأسلحة الثقيلة لوحدات الحماية التي يرونها معارضة معتدلة على غرار الجيش الحر يمكن الاعتماد عليها في قتال داعش في المنطقة». وركّز الوفد "في كل اللقاءات على أن نجاح تجربة الحسكة كفيلة بتطبيقها في كل من حلب ودرعا وفقاً للواقع الميداني الحالي"...، فإنّ قائدا بارزا في حزب الاتحاد الديمقراطي الكرديpyd أكد لي شخصيا في أكثر من مناسبة أنّ حزبه وقوات الحماية الشعبية في كوباني غير معنيين باستراتيجيات البرزاني الإنفصالية ، بل هم يقاتلون بمرجعية استراتيجية وطنية سورية تهدف إلى إفشال أجندة أردوغان التي ينفّذها تنظيم "داعش" و"أحرار الشام " و"جبهة النصرة" "و"الجبهة الإسلامية" وغيرها من الجماعات التكفيرية المسلحة ، وهي أجندة ترمي إلى إفراغ المناطق السورية المحاذية للحدود مع تركيا والتي يسكنها مواطنون سوريون أكراد، لإقامة منطقة عازلة تمهيدا لتحقيق حلم أردوغان العثماني السلجوقي القديم بضمّ هذه المناطق السورية إلى تركيا كما سبق وأن تمّ ضمُّ لواء اسكندرون إليها. وقال القائد الكردي نفسه لي مؤكدا إن قوات الحماية الشعبية الكردية السورية لم تُخْفِ يوماً استراتيجيّتها الوطنية الرامية إلى إقامةِ دولة مدنية سورية برئاسة الدكتور بشار الأسد أو أي زعيم وطني آخر يختاره الشعب السوري.فالأكراد السوريون يرنون إلى الحصول على حقوقهم القومية والمدنية ضمن مشروع وطني يحافظ على وحدة الجغرافيا السياسية للدولة السورية والوحدة الوطنية لجميع مكوناتها على قاعدة المُواطَنَة السوري فقط. هذه هي بعض ملامح كوباني الباسلة (عَيْنُ السوريين) التي يُسطِّر أبناؤها مِن أجملِ المقاتلات والمُقاتلين مثلهم مثل مقاتلي ومقاتلات الحزب القومي السوري الإجتماعي والحرس الجمهوري ووحدات الجيش العربي السوري كافة على كل شبرمن تراب سوريا، يسطّرون في "كوباني"أيضا إرادةَ الحياة الحرّة الكريمة في مواجهةِ جحافل الظلام والموت الداعشية التي تُحاصِرُها من كلّ الجهات بما في ذلك الجهة التركية التي منها أيضا يعتدي الداعشيون على كوباني ، وفي هذه الجهة التركية يُعالَج جرحى داعش القَتَلة بينما يُرْسَل جرحى القوات الشعبية الذين يدافعون عن كوباني إلى السجون التركيٍة، لكن المدينة الباسلة مع كلّ فَجْرمِن نَهاراتِها لا تترك خياراً لتنظيم "داعش"وحلفائه غير تجرع كأس الخيبة والفشل والهزيمة ، وغير عَدّ قتلاه ومُراكمَتِهِم الجثّة فوق الأخريات وورفعها عن مكان مقتلها في كوباني التي تطلب المزيد من أرواح الداعشيين السوداء ، لنقل تلك الجثث ودفنها بعيدا في منبج وجرابلس وغيرهما من الأماكن التي مازال ظلام داعش يُخَيِّم عليها مؤقتاً.