من حين لاخر ، يتناهى إلى مسامعنا ، نحن سكان تونس الخضراء، خبر مفاده أن 'حضرة' الامير قد حل ركبه الميمون بصحراء بلادنا الغربية منطقة الجريد أو الجنوبية الشرقية على الحدود التونسية الليبية ليمارس هو وصحبه ' رياضة ' الصيد البري ، عفوا 'رياضة' قتل حيوانات من أجمل ما جادت به الطبيعة ، أقصد الغزلان الرائعة وطائر الحبارة النادر ، المهدد بالانقراض. هذا الخبر المزعج لا يقض مضجع بريجيت باردو وحدها وإنما أيضا المواطنين التونسيين العاديين الذين يقلقهم فعلا قدوم رهط من الباحثين عن ' لذة القتل' في جحافل من السيارات رباعية الدفع ، لاشباع نزواتهم العدوانية مقابل تدمير مكونات الطبيعة الصحراوية ونشر التلوث في ربوعها. والادهى والامر أن هذا الرهط ، بمعنى الجماعة ، وليس بالمعنى الدارج للكلمة ، لا يكتفي بالصيد العادي الذي يسمح به القانون عند فتح موسم الصيد ، وإنما يمعن في قتل الحيوانات بطريقة مكثفة وبشعة لا تليق بأي صياد يحترم نفسه . وفي باب الصيد، تحضرني حادثة لها أكثر من مغزى يتداولها أهل الجنوب الشرقي التونسي وهي أن أحد رعاة الابل ، وأنا أريد أن أطلق عليه صفة ' سمو الراعي' وأنزع هذه الصفة عن الامراء ، استفاق ذات يوم كعادته مع بزوغ الفجر ، ليعثر في منطقة رعيه في الصحراء على ' جثث ' العديد من الغزلان وطيور الحبارة الرائعة ، خلفها وراءه فريق أميري خليجي من 'القتلة '، فحز ذلك في نفسه كثيرا ، واستشاط غضبا ، وهو الراعي الذي لا يعرف الكتابة ولا القراءة ولا ينتمي طبعا لا الى حزب بريجيت باردو ولا إلى جمعيات حماية البيئة ، ولما سأله أحد الزائرين للصحراء عن سبب غضبه العارم والذي قد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه قال ' سمو' الراعي إن قيام الامراء وأتباعهم بقتل الغزلان والطيور النادرة بهذه الطريقة المرعبة والعشوائية يجعلهم أتعس من الوحوش الكاسرة ،إذ أن الوحوش لا تقتل إلا عندما تجوع وبأعداد محدودة لسد الرمق ، أي أن الصياد المحترم يجب أن يحترم الطبيعة ويراعي التوازنات البيئية وان لا يقتل الحيوانات لمجرد القتل بل لسد حاجة غذائية وفي حدود المعقول. لاحظوا من خلال هذه الحادثة أن وعي 'سمو الراعي ' هو أفضل بكثير من جهل و جشع 'حضرة الامير' ومن لف لفه من أتباعه المغرورين باستخدام أسلحة نارية فتاكة ، دون مراعاة لحاجياتهم الحقيقية ودون التفكير في مصير البيئة. ولنذهب أكثر من ذلك ، لنفترض جدلا ان الامراء وأتباعهم في حاجة إلى كميات كبيرة من اللحوم ، فما عليهم الا أن يستوردوا بالبترو دولار ما شاء لهم من اللحوم من أكبر بلد منتج لها في العالم وهو الارجنتين . ولنفترض أيضا أن الامراء وأتباعهم في حاجة للحم طائر الحبارة قصد تقوية 'نشاطهم' الجنسي مثلما يخيل إليهم ، فما عليهم إلا أن يستوردوا حبوب الفياغرا سيما وأن الدعاة وفقهاء الفضائيات قد أصدروا فتاوي تسمح بتعاطي هذه الاقراص الزرقاء وغيرها. والحاصل ، ' حضرة' الامير ، أرجوك ، إستمع إلى كلام ' سمو الراعي' واترك الغزلان والطيور الجميلة جدا تسرح وتمرح في الطبيعة، لآننا لا نخشى من الصيادين التوانسة الذين يحترمون قوانين وأصول الصيد بل من تهور 'القتلة' الذين يتصورون أنفسهم دائما فوق القانون. 'حضرة' الامير ، أعدك بأنني سأعيد إليك صفة ' سمو ' إذا استطعت أن تسمو بنفسك عن غريزة القتل العشوائي لحيواناتنا الجميلة جدا، ولكن ، للاسف ، ما أظن أن ذلك سيحصل ف ' دون ذلك خرط القتاد ' كما يقول شعراء الجاهلية.