يبدو أن الثورة التونسية حادت اليوم عن أهدافها الأساسية التي من أجلها قامت، فبعد أن ثار الشعب التونسي على الفقر والتهميش والبطالة و"اللاعدالة" بين الجهات والظلم والاستبداد ،لم يتحقق أي من هذه المطالب بل وأصبحنا اليوم نرى بعض الأطراف تقيم ثورة جديدة على الهوية التاريخية وعلى رموز الحضارة التونسية، ثورة على مقامات الأولياء الصالحين بالحرق والمس من حرمة القبور. ظاهرة جديدة يرى فيها البعض استكمالا لثورة الحرية والكرامة،ثورة أخرى لكنها تستهدف الرموز الحضارية،و إرث تونس التاريخي المصنف أغلبه من قبل اليونسكو كتراث عالمي، ذلك أن حرق مقامات الأولياء الصالحين ليس مجرد حدث عرضي جاء نتيجة سبب معين وانتهى بل إنه فعل يتكرر يوميا ،حيث تعرض قرابة ال 40 ضريحا للاعتداء إما عن طريق الحرق أو التدنيس أو الهدم في كامل أنحاء البلاد في فترة وجيزة نسبيا. ومن هذا المنطلق، كتب البعض أنه من الممكن اعتبار الاعتداء على المقامات والأضرحة ظاهرة تنم عن وجود استراتيجية للقضاء على ما أسموه ب " الإسلام الشعبي" في تونس باعتبار أن مقامات الأولياء هي الفضاء المؤسساتي لممارسة طقوس الإسلام الشعبي القائمة على مركزية مفهوم التبرك ،واتهم فيها المنتمون إلى التيار السلفي باعتبار أنهم يعارضون هذه الأفكار. ومن جهة أخرى استغل الطيف السياسي على تنوعه هذه الظاهرة وأشعل نار الغيرة على الأولياء الصالحين و في المقابل اعتبر العديد في وقت مضى حادثة فضاء العبدلية بالمرسى وغيرها من الحوادث، من قبيل حرية التعبير والإبداع والفن، واليوم يرثون المقامات والأضرحة ويتباكون على أطلالها في انتظار ما سيسفر عنه القضاء. والأمر الذي أصبح أكيدا لدى العديد أن حرق بعض الأضرحة والمقامات في تونس، يدخل في إطار استراتيجية تكفير مرتادي المقامات وسحب معاني التبرك والطقوس التي يمارسها العديد من الرؤية العامة للتونسيين الاجتماعية في ما يتعلق بعلاقاتهم بالأولياء الصالحين في حين أن انتشار الزوايا والمقامات في تونس بمدنها وأريافها منذ القديم يساهم في تعليم القرآن وإيواء المسافر وعابري السبيل وإطعام الفقير والعلاج الروحي وغيرها...واليوم أصبحت مستهدفة ضمن استراتيجية جديدة. إنها لثورة جديدة على الأولياء الصالحين وإنه لنصيبهم من الثورة التونسية التي تحولت من ثورة الكرامة و الحرية إلى ثورة من أجل الهوية.