مازالت السياسة الخارجية للبلاد التونسية تتخبط جراء أخطاء ارتكبها رفيق عبد السلام وزير الخارجية السابق في حكومة الترويكا . و ألقت عديد الأحداث الدولية بظلالها على تونس و منها الأزمة السورية التي تم فيها إقحام الشباب التونسي و كذلك الحرب في مالي و التي يقترب فيها المسلحون شيئا فشيئا في اتجاه الحدود مع الجزائر وسط مخاوف من تسربهم إلى كل من ليبيا و تونس. بشأن كل هذه الأحداث المستجدة كان لنا حديث مع وزير الخارجية السابق في حكومة الباجي قائد السبسي، أحمد ونيس . في البداية ، تطورت الأزمة في سوريا وسط حديث عن دور الشباب التونسي في هذا الصراع و عن الأزمة التي خلقتها وزارة الخارجية التونسية بإلغائها كافة العلاقات الديبلوماسية مع سوريا قبل حتى أن تطمئن على سلامة مواطنينا هناك. لو توضح لنا تداعيات الأزمة السورية على تونس ديبلوماسيا ؟ وزارة الخارجية التونسية أهملت قضايا الأمة و ساهمت في تقتيل الشعبين السوري و الفلسطيني ،أما الحكومة التي تولت زمام الحكم في 2012 فهي لا تؤمن بأولويات الوطن و اهتمت بأولويات الأوطان الأخرى و الشباب التونسي أصبح يتوجه إلى غايات بلدان أخرى عوض الاهتمام بغايات الدولة التونسية نفسها و ذلك بسبب ضعف الحكومة. و التونسيون الذين ذهبوا إلى سوريا قد تم توجيههم نحو القتل و الدمار و ليس نحو البناء و في صورة عودتهم إلى تونس فسيمثلون عبئا على الدولة. هل من الممكن أن يعود إقحام الشعب التونسي في مثل هذه الصراعات و الحروب بالوبال على تونس ؟ إن تذبذب السياسة الخارجية لتونس يمكن أن يعود علينا بالخطر فالخطة التي اتخذتها الحكومة للتعاطي دبلوماسيا هي خطة مخطئة. في ظل الأوضاع الحالية و تطور المعطيات الميدانية و ارتفاع حصيلة الضحايا بسوريا فيما يتمثل الحل للخروج من هذه الأزمة بأخف الأضرار؟ إن حل القضية السورية لا يكون إلا بالتوافق و الحوار بين الأطراف السورية نفسها دون تدخل أجنبي. و يجب سحب جميع الشباب التونسي من سوريا و جميع الشباب العربي و عليهم أن يعودوا إلى أوطانهم. إن الذين عادوا منهم إلى بلدانهم هم عادوا نتيجة شعور بالخيبة ، عادوا خائبين يائسين و يجب عليهم أن يتحدثوا عن كل ما تعرضوا إليه و ما قاموا به هناك بصدق. لقد تمت دمغجة عقولهم و هم يعتبرون مرضى و يحتاجون إلى المساعدة و إلى إدماجهم في حلقات للحديث مع الشباب التونسي ،الذي لم يغادر ،عن تجاربهم و الدوافع التي جعلتهم يعودون إلى تونس و بعد ذلك فقط يمكن إعادة بناء ضمائرهم و إخراجهم مما سقطوا فيه . عدم التوافق بين البلدان العربية وسط غياب جامعة الدول العربية و اتحاد المغرب العربي و تباين المواقف أثر على أداء وزارات خارجية بلدان العالم العربي مما جعل المشهد يعيش حالة من الانفلات... هناك انفلات في الساحة العربية على مستوى الوظائف الأمنية و الدبلوماسية، و هناك كذلك تشويش على المصالح الدبلوماسية ،و الساحة العربية اليوم ليست موحدة في التوجهات الدبلوماسية لأن النظام الحاكم في عديد من الدول ضعيف يستوجب ضبط السياسة الخارجية. و الهوان الذي ينخر البلدان العربية يجعل القوى الأخرى تستطيع السيطرة على ثروات العالم العربي و مدخراته. و لتجاوز غياب النشاط الدوري لجامعة الدول العربية و اتحاد المغرب العربي يجب وضع قضية فلسطين و سوريا على رأس اهتمامات الدولة علما و أن أهم الغايات التي يجب التوافق عليها هي مصالح الأمة مهما كانت الأنظمة القائمة عليها و هنا أريد أن أذكر بقضية الجولان ،فالاهتمامات السياسية العربية قد همشت الجولان باعتبارها جزءا من الأراضي المحتلة و هي اليوم مدعوة إلى طرح قضية الجولان و تحسيس الرأي العام بها. بعد تحصنهم بجبال إفوغاس أصبح هؤلاء المسلحون في مالي يمثلون تهديدا على بلدان الجوار ما دفع بالجزائر إلى فرض رقابة صارمة على حدودها . و اليوم يزداد تضييق الخناق عليهم فهل يمكن لهم أن يمثلوا خطرا على استقرار المنطقة و على تونس ؟ إن تم تضييق الخناق على المسلحين في جبال إفوغاس فيمكن لهم أن يتسللوا إلى الصحراء التونسية و الليبية و هذا غير مستبعد و إنما طبيعي. و لتجاوز كل مخلفات الأزمة في مالي كان لا بد من التوافق في المغرب الكبير على مستقبل الوضع في مالي لكني لم ألمس أي مسعى في هذا الاتجاه على مستوى العلاقات الدبلوماسية و الحراك السياسي الحالي بين مختلف دول العالم العربي و خاصة منها المغاربية فالدول العربية متباعدة و غير متفقة بشأن مستقبل مالي و طبيعة الأزمة هناك. كيف يمكن التعاطي دبلوماسيا مع الأزمة السورية ؟ أدعو وزارة الخارجية التونسية و بمشاركة وزارات الخارجية في دول المغرب العربي و إفريقيا إلى توفير محور للخروج من الأزمة في مالي حتى لا تظل القوى الدولية هي المهيمنة في حل النزاعات و الأزمات التي تعيشها إفريقيا. أصبحت الحدود التونسية مجالا لمرور السلاح مما سيمثل إشكالا كبيرا على مستوى استقرار الأوضاع الأمنية بالبلاد فمن يقف وراء ذلك ؟ تعاني بلادنا و منذ اندلاع الثورة من مرور السلاح من و إلى تونس و داخل المغرب الكبير و في الشرق ،وهناك أطراف تعمل ضد الثورة التونسية و الليبية و هم أعداء الديمقراطية و الاعتدال و التمدن و هؤلاء هم الذين يقومون بادخار السلاح و هناك أيضا حسابات بعيدة لهز الاستقرار في تونس و هم يعدون أنفسهم لما بعد غد.