تفاقمت ظاهرة الأخطاء الطبية في السنوات الأخيرة وتزايدت معدلاتها بصورة لافتة جعلتها تمثل هاجسا يؤرق الجميع، وقلة من ضحايا الأخطاء الطبية أو ذويهم يرفعون دعاوي قضائية ضد الأطباء المتسببين في الخطأ إلا ان أغلب حالات الأخطاء سيما الخطيرة منها ظلت محاطة بضباب كثيف من السرية والتستر والغموض. وقد كشفت وزارة الصحة أن الإحصائيات المتعلقة بالأخطاء الطبية التابعة للمؤسسات الاستشفائية العمومية والخاصة تشير إلى 249 قضية منشورة لدى المحاكم التونسية بين سنة 2013 و 2014 . سجلت 147 منها في المؤسسات العمومية لدى القضاء الإداري و 102 قضية في المؤسسات الخاصة المصحات والعيادات منشورة لدى المحاكم العدلية. وقد احتل الطب الجراحي النسب الأعلى من حيث الأخطاء الطبية خاصة في الجراحة العامة والعظام وجراحة التوليد التي سجلت ما يقارب 60. % لكن هناك اخطاء اخرى يمكن ان تكون قاتلة بدورها وتعتبر ضمن الأخطاء الطبية وهي "أخطاء التحاليل المخبرية" على اعتبار أن إجراء التحاليل المخبرية أصبح اليوم من الأمور الروتينية عند حدوث أي طارئ صحي، لأنها تساعد الطبيب في تشخيص المرض وعلاجه ومراقبة تطوّره. وعلى رغم التقدم الهائل الذي شهده عالم التحاليل الطبية، ما زالت الأخطاء في نتائج التحاليل تحصل بصمت في غالبية الأحيان و تضع حياة المريض في متاهات يمكن أن تقلب مستقبله رأساً على عقب إذا لم يتفطن المريض في الوقت المناسب، الامر الذي حصل للسيد وليد الجلاصي من معتمدية مرناق التابعة لولاية بن عروس والذي اتصل بال"جريدة" واكد لنا ان خطأ في التحاليل الطبية لابنته التي لم يتجاوز سنها الثلاث سنوات تسبب له في خسائر مادية ومعنوية اكثر. السيد وليد الجلاصي اكد أنه بسبب تعرض ابنته لوعكة صحية و ارتفاع درجة حرارتها لأيام متتالية طلب منه الطبيب المباشر لطفلته بان يقوم بتحليل لتشخيص حالتها ومعرفة سبب "الحمى" ولكن نتائج التحاليل التي قام بها في المنطقة التي يسكنها كانت صادمة له ولزوجته وحتى للطبيب الذي كان يعالج الطفلة على أساس انها مصابة بنزلة برد لا غير، حيث بينت التحاليل ان عدد الكويرات البيضاء بدم الصغيرة ضئيل جدا ولا يتقارب مع معدل عدد كريات الدم البيضاء بجسم شخص طبيعي. وحسب نتائج هذه "التحاليل" التي يفترض انها صحيحة، تم توجيه الطفلة للإقامة بمستشفى باب سعدون للصغار لتتلقى العلاج اللازم لحالتها وسط حالة من الخوف الهلع الذي أصاب الوالدين، وهو امر طبيعي حتى ولو كان المرض غير خطير. لكن يفاجئ الوالدين في المستشفى المذكور، بعد ان اعاد الطاقم الطبي كل التحاليل للطفلة، بأن نتائج تحاليل المخبر الاول غير صحيحة والطفلة لا تعاني من شيئ وعدد الكويرات البيضاء في دمها طبيعية. وعلى اثر ذلك توجه السيد وليد الجلاصي للمخبر معاتبا صاحبته عما تسببت له نتائج مخبرها من خوف وذعر على طفلته لكن صاحبة المخبر تصدمه ثانية بأن نتائج تحاليلها هي الصحيحة وأن الخطأ في التحاليل الأخرى فيقوم السيد وليد بإعادة التحليل لابنته الصغيرة في مخبر خاص آخر وكانت نتائج التحليل متطابقة مع نتائج تحليل مستشفى باب سعدون. لكن السيدة صاحبة المخبر لم تعتذر أو تحاول البحث في الخطأ الذي يوجد في مخبرها والذي يمكن ان يهدد حياة أشخاص آخرين بل تعمدت تهديد محدثنا والتوجه الى مركز الامن بالجهة حيث رفعت دعوى ضده تفيد بانه وزوجته يهددانها في كل مرة وهو ما نفاه السيد وليد لنا ولرئيس مركز مرناق. الحادثة تبدو بسيطة لكنها في عمقها خطيرة فصحيح ان الخطأ بشري ولكن ليس من المعقول ان يواصل المخطئ في أخطائه خاصة إذا تعلق الامر بصحة أشخاص وحتى بحياتهم في أغلب الأحيان. لذلك لا بد، في ظل خطورة نتائج التحاليل الطبية المغلوطة على مستقبل المريض وصحته، أن تفتح أجهزة الرقابة عيونها للتأكد من كفاءة العاملين في المختبرات، وكفاءة الأجهزة، وصلاحية المواد المستخدمة في الفحوص بحيث تطابق الشروط العالمية.