تحركت حوله محامل على شبكة التواصل الاجتماعي تنسب اليه «دعوة للتحالف مع الاسلاميين لإنقاذ البلاد»، فأشار دون تردد الى وقوف بعض رفاقه القدامى في حزب العمال وراء حملة مقصودة، وفي سياق رده على ما قيل، ذكر بانه كان من السباقين للتنبيه من خطورة تحالف 18 أكتوبر المطبوخ في خطة «الشرق الأوسط الجديد»... كما توجه مباشرة الى حزب العمال قائلا بأنه مازال يتحالف نقابيا مع الاسلاميين... تحدث عن الهيئات التي صارت فوق الدولة، عن المصالحة، عن نظام سياسي فقد البوصلة منذ وضع له نظام انتخابي يشتت القوى ويغيّب ملامح حاكم واضح... تحدث عن اليسار الذي لم يعثر على خيط ناظم وعن نخبة سياسية لم ترتق الى مستوى الحدث، وقال انه يحاول... وأنه متعود على «خط النار»... محمد الكيلاني الأمين العام للحزب الاشتراكي تحدث ل«الصحافة اليوم» عن هواجس المرحلة وواجه الأقاويل، وقلب الطاولة. توارد في مواقع التواصل الاجتماعي حديث عن دعوة الكيلاني للتحالف مع الاسلاميين لإنقاذ البلاد ما الحكاية؟ الحديث كان في فيفري 2016 وزد على ذلك أنني لم أصرح بما يفيد التحالف مع الحركة الاسلامية، إنما تم تداول عنوان اختاره الصحفي، غير أنني كنت أتحدث عن إنقاذ الجمهورية، وقلت أننا مجبرون على النقاش مع النهضة، وكنت أيضا قد انتقدت الجبهة الشعبية. هل نسوا مواقف الكيلاني؟. هذه عملية استفزازية مباشرة، ومن الجبهة الشعبية تحديدا وكان الجيلاني الهمامي توجه بكلام يفهم منه ذلك. وإن دواعي ذلك هو اشعال صراع، وهناك قلق من علاقتي بمبادرة عبيد البريكي. وأنا مع كل خطوة لتوحيد اليسار. إنهم يرون السياسة كإيديولوجيا مغلقة ولا يتفاعلون مع الواقع. مرت 12 سنة على قيام تحالف 18 أكتوبر 2005 ،أين تراه في 18 أكتوبر 2017؟! أرى أنه مازال يمد عروقه في 2017 ...هذا المشروع كان وليد خطة الشرق الأوسط الجديد، وتلك فلسفته، المرتبطة بأجندة خارجية لإيجاد مقبولية للاسلاميين داخل الفضاء الدولي بادخالهم في تحالف مع «قوى علمانية»... لقد ظلوا شركاء حتى حصلوا على السلطة، وما كانوا يبتغونه هو السلطة أساسا. وإنهم الى الآن في المنظمات الجماهيرية والنقابات ضد الديمقراطيين والتقدميين، حزب العمال ما يزال يعقد تحالفات في اتحاد الشغل ضد الوطد، ومع الاسلاميين تحديدا (انظر النقابة الأساسية للتعليم الثانوي في المنستير ومدنين). رفيق دربك حمة الهمامي لم يجن السلطة، بل ظل في المعارضة، فأين تراه الآن؟ الرفيق والصديق حمة راهن أيام بن علي فيما يتعلق باسقاط النظام واعادة بنائه وبالتالي الوصول الى السلطة على تحالف 18 أكتوبر الذي يمثل فيه الاسلاميون القوة الرئيسية والتي تحدد في النهاية كل شيء. وقد كان بذل جهدا جبارا في ما بعد 14 جانفي للمحافظة على هذا التحالف وصيانة علاقته بحركة النهضة وبالمرزوقي ويكفي أن نتابع من جديد أحاديثه التلفزية ولقاءه التلفزي براشد الغنوشي كي نتبين هذه الحقيقة؟ أما الآن وقد ظل في موقع المنزلة بين المنزلتين، لا هو في السلطة ولا هو في المعارضة أصبح يشدد في معارضته على حركة النهضة والنداء معا، ويرفع شعارات «راديكالية» تطالب بانتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لأوانها، والسؤال يطرح نفسه: لمن تدق الطبول؟ إن القوة المهيمنة والقادرة على أن تذبح الكل في أي انتخابات في ظل التشتت والتشرذم الذي عليه اليسار والحركة الديمقراطية هي حركة النهضة. كنت طرحت مباشرة بعد 14 جانفي مشكلة تغول التيار الديني ودعوت الى توحيد حركة اليسار والحركة الديمقراطية، لماذا لم يحصل ذلك؟ كان لقاء المشتل هو بمثابة ندوة صحفية نظمتها بعض القوى الديمقراطية للتنديد بما تعرض له جوهر بن مبارك في قبلي من محاولة تعنيفه الى حد تهديد حياته. وكنت قد أشرت وقتها الى أن الحركة الإسلامية وحركة النهضة ماضيتان في فرض نمط الحكم والمجتمع الذي يعملان على فرضه في بلادنا، وفي سائر البلدان التي غزتها موجة الربيع العربي. لقد قلت أن مواجهة هذا الخطر لا يمكن أن تتحقق إلا بوحدة اليسار والحركة الديمقراطية بتشكيل قوة مضادة قادرة على رد هذه الهجمات وعلى كسب ثقة الشعب فيها باعتبارها حامية ومدافعة عن مطالبه العامة وقادرة على تحقيقها ومؤتمنة على الجمهورية. وفي هذا الصدد فإن رفاقي في حزب العمال وعدد من الوطنيين الديمقراطيين يرفضون إمكانية التوحد مع اليسار، ويعتبرون أن الجبهة الشعبية هي فضاء اليسار الأوحد، وبالتالي فإنهم يعتبرون كل محاولة للم الشتات سعيا مملى من السلطة لضرب الجبهة الشعبية. وعلى هذا الأساس فهم يضعون قوى اليسار الداعية الى الوحدة في مقام الأعداء، ويرفضون كل التقاء معها. والغريب في الأمر أن هؤلاء الرفاق هم الذين وضعوا بالأمس اليد في اليد مع حركة النهضة في 18 أكتوبر... دعنا نتحدث عن جملة من المآزق الراهنة: مأزق النخبة السياسية، مأزق تغول الهيئات، ومأزق النظام السياسي؟ في الحقيقة، النخب السياسية من مختلف التيارات، هي في اعتقادي نخب عاجزة تعيش لحظة التعطل في مرحلة الانتقال، ولم تستوعب اللحظة السياسية. وهنا أعتبر أن اليسار نفسه بوضعيته الحالية لن يستطيع أن يقود دولة لأن ذلك يتطلب حذقا ومعرفة وجاهزية تنظيمية وبرنامجا استراتيجيا ملموسا يستجيب لمتطلبات تغيير الواقع، وليس قائما على الشعارات. والخطير في الأمر أن هذه النخبة تتوهم أنها عارفة بالدنيا والدين وأنها «قادت ثورة»، فكيف سنتحدث معها. ّ أما في ما يتعلق بالهيئات المعرفة بأنها هيئات رقابة وتنفيذ للإرادة العامة بصورة مستقلة، فقد تحولت الى موطن للصراع حول المحاصصات بين الحزبين الكبيرين أساسا زيادة على الطموحات الشخصية الجارفة لأعضائها. هذا وضعنا في مأزق، هيئة الحقيقة والكرامة عطلت العدالة الانتقالية واعتبرت نفسها معارضة للدولة في وقت أنها مطالبة بالتحكيم والبحث عن الحلول بحياد وتجرد. هيئة الانتخابات صارت بدورها فوق الدولة، تفعل ما تريد وفي داخلها عناصر موجودة في كافة المراحل التي مرت بها الهيئة، وترفض ترك مكانها وفقا للقوانين المعمول بها. بالنسبة للنظام السياسي، خطره أنه أعطانا سلطة بثلاثة رؤوس لا يستطيع أحد منها أن يحكم بوضوح، ثانيا، إن هذا النظام السياسي كان منتوجا لنظام انتخابي ل يعطي أي صورة واضحة عن حزب أغلبي يتحمل مسؤولية الحكم ويحاسب على ذلك... وتلك هي المشكلة التي أنتجت منظومة «التوافق» المغشوش الحالية بين النداء والنهضة. هو نظام أنتج خلطة هجينة بين الفائز والمهزوم في الانتخابات فمن نحاسب، ومن نحمل المسؤولية: الفائز يقول لا أستطيع أن أحكم دون حركة النهضة، والمهزوم يقول أنا لا أتحمل المسؤولية باعتباري حزبا ثانيا. هذا يتطلب نقاشا عميقا حول تغيير قواعد النظام السياسي والنظام الانتخابي. قانون المصالحة أصبح في طريق مفتوح، وورقة الحسم صارت بيد رئيس الجمهورية، هل تعتبر هذا القانون مكسبا لتونس؟ لدي مشكلة في التسمية، هذا ليس قانون مصالحة بالمفهوم الشامل، وهو محصور في إطار العفو عن الإداريين الذين ارتكبوا مخالفات قانونية بتسهيلهم لتجاوزات قامت بها قوى متنفذة في النظام السابق. لم يشمل هذا القانون رجال الأعمال الذين استثروا من علاقتهم بالنظام السابق، لم يشمل أيضا المنظومة السابقة التي فتحت الطريق أمام الاستثراء غير المشروع، ولم يعد الاعتبار لمصالح الذين تضرروا من المنظومة السابقة وبصورة خاصة في الجهات المحرومة. لذلك اعتبره مجرد عفو عن الإداريين، ومازال طريق المصالحة الوطنية مفتوحا ولا أعتقد بأنه يمكن غلقه دون مساءلة ومحاسبة ومقاضاة... كان بالإمكان إصدار عفو صريح عن مجموعة من الإداريين الذين أجبروا على التجاوزات بإملاءات. المشكلة أن النقاش الجاري في البرلمان والشارع يركز فقط على كلمة المصالحة، والحال أن الذي حصل مجرد عفو على إداريين، وهو ما أحدث تشويشا وارتباكا في علاقة بملف «الحرب على الفساد»... أين وصلت نقاشاتكم في موضوع توحيد اليسار علما وأن المبادرات تعددت كمبادرة سوسة ومبادرة عبيد البريكي؟ ّ مازلنا في الخطوات الأولى لهذا المسار، ونحن الآن وهنا لا يمكن أن نتحدث عن توحيد اليسار برمته، بل بتوحيد قوى منه، لذلك فإن طريق الوحدة معطل وطويل، خاصة وأنه يشهد عرقلة من «نيران صديقة»... ألم تحددوا بدقة مصدر النيران؟ لقد تعودت طول حياتي أن أسير على خط النار، وكنت قد تعرضت لمثل هذا التشويه سابقا من رفاقي بالأمس، ولم يثنني ذلك عن مواصلة الطريق الذي رسمته لنفسي. وليس غريبا أن تواصل هذه التشويهات الصدور خاصة لما نعلم أن كتابة مقال أو سلسلة من المقالات في جريدة «الصباح» كان ومازال يعد في ذهن هؤلاء بأنه «تحالف مع النظام السابق»!!!