فتح استعادة الرقة من بطش تنظيم داعش الإرهابي، أبواب التساؤل حول وجهة عناصره الإرهابية، وأدى ذلك الى اعلان حالات استنفار في عديد دول العالم، وبشكل خاص منطقة شمال افريقيا، ما اضطر وزراء دفاع دول الاتحاد الاوروبي إلى ضرورة تشكيل هيئة دفاع اوروبية مشتركة لدحر العائدون من سورياوالعراق إلى أوروبا، كما سارعت الجزائر الى توسيع اتصالاتها مع دول الجوار وأوروبا لوضع خطة عمل مشتركة لمواجهة الظاهرة. و اكد خبراء السياسة أن أحد المسارات التي سيسير فيها عناصر داعش، هو العودة إلى دولهم، خاصة تلك التي صدرت عددا كبيرا من الدواعش، غير ان تمسك التنظيم الإرهابي بالمقاتلين الأجانب يصعب من مهمة معرفة وجهة الفارين من سوريا و العراق، على اعتبار ان التنظيم يعول على القوة البشرية التي يعتبرها العمود الفقري، و هو ما يخيف الجزائر و تونس و باقي دول شمال افريقيا و أوروبا، حيث أوضح الخبير الأمني الجزائري، بوعلام فاروق، في تصريح ل"الجريدة"، انه لا ينبغي تفسير تبدد نشاط تنظيم داعش، على أنه يعكس عدم اهتمامه بمواصلة الحكم والتصرف كدولة، حيث سيبحث عن فرصة من جديد، بدليل تحركه في ليبيا، اين يبحث إنشاء قاعدة يمكنه من خلالها العودة بقوة. وفرض التراجع الذي يتعرض له التنظيم الإرهابي بعد خروج كثير من عناصره سورياوالعراق، إشكالية جديدة أمامه تتعلق بنوعية العناصر التي يمكن أن يقوم بتجنيدها خلال المرحلة القادمة، في ظل ضعف الإقبال على الانضمام إليه من قبل إرهابيين مستعدين لتنفيذ أفكاره، وبقدر ما استنفر فرار الإرهابيين من الشام دول العالم، يبحث تنظيم داعش عن الحفاظ على بقاءه عبر الظهور في بؤر بديلة خلال المرحلة القادمة، فمع بداية تأسيسه، كان تنظيم داعش يقوم بتجنيد الإرهابيين من كل أنحاء العالم بغض النظر عن القناعات الفكرية القائمة بينهم، غير ان الوضع تغير في ظل الفشل الذي ساهم في اهتزاز صورته بشكل كبير، بعد أن أدركت العناصر التي انضمت إليه أنه لم ينجح في تحقيق أهدافه، و من اجل عودته يبحث في هذه المرحلة على نمط معين من العناصر التي يمكن أن تنضم إليه، تختلف عن النوعية التي تمكن من استقطابها عند بداية تأسيسه وسيطرته على مناطق واسعة داخل العراقوسوريا. و في خضم الاحداث المتسارعة في سوريا و العراق مع سقوط تنظيم داعش، و ارتفاع النشاط الإرهابي في منطقة الساحل، و استمرارا الازمة الأمنية في ليبيا، استحوذت مسألة عودة المقاتلين الأجانب على مباحثات اجتماع جزائري - أوروبي، انعقد في بروكسل، حيث أكدت المفوضية الأوروبية، أن رئيسة الدبلوماسية الأوروبية فيديريكا موغريني، جددت عزم الاتحاد الأوروبي على تجسيد تام لقدرات التعاون الأمني مع الجزائر التي تعد شريكا إقليميّا مهما بالنسبة للاتحاد الأوروبي، بهدف مواجهة خطر عودة الإرهابيين الأجانب الى دولهم، و تحديد وجهاتهم بعد فرارهم من الشام. ولم تتضح معالم التعاون الجزائري - الأوروبي في مجال مواجهة فرار المقاتلين الأجانب من سورية والعراق وليبيا، غير ان المخاوف تتقاطع مع تحذيرات من استخدام آلاف المقاتلين الأجانب، قوارب الهجرة السرية انطلاقا من السواحل الليبية، للوصول إلى أوروبا. و أشار المحلل الأمني الجزائري، بوعلام فاروق، ل"الجريدة"، الى ان الجزائر و دول الجوار و كذا الاتحاد الأوروبي، يتخوفون من لجوء تنظيم داعش الى استقطاب الراغبين في الانتقام، و لها الاستعداد للرد على الانتهاكات التي تعرضت لها أو الخسائر التي تكبدتها من أطراف وميليشيات منخرطة في الصراعات المسلحة التي شهدتها دول الأزمات، والتي ترى أن الانضمام إلى التنظيم يمثل آلية لتحقيق ذلك، و تابع ان استغلال المتخوفين من التطهير الطائفي، نقطة مهمة عملت عليها الاستخبارات الجزائرية، الى جانب تجنيد شباب بطال يبحث عن عوائد اقتصادية. و حسب الأوضاع في مختلف مناطق العالم، فان فروع داعش يمكن ان تصنع الحدث بضربات و اعتداءات، غير ان ذلك لا ينفي في الوقت نفسه، أنها تواجه مشكلة تتعلق بعزوف الارهابيين عن الانضمام إليها، سواء بسب المعارك الفكرية التي تتعرض لها من قبل التنظيمات الأخرى المنافسة، وفي مقدمتها تنظيم "القاعدة"، كما هو الحال في منطقة الساحل و شمال افريقيا، أو بسب الضربات القوية التي تشنها القوى العسكرية المحلية المنخرطة في الحرب ضد التنظيم، الامر الذي يدفع تلك الفروع الى التركيز على تجنيد فئات معينة، مثل استهداف قيادات تنظيم القاعدة، و هو ما يؤكد تركيز داعش على التمدد في مناطق نفوذ القاعدة، مثل ما يحصل مع حركة "شباب المجاهدين" في الصومال، وتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" في منطقة الساحل والصحراء، وحركة "بوكو حرام" في نيجيريا، حيث مثلت عناصر تلك المجموعات المكون الرئيسي لفروع داعش في هذه المناطق، كما ان هدا المخطط دفع 4 جماعات ارهابية تابعة للقاعدة الى التوحد في منطقة الساحل، كما ستعتمد فروع داعش على العناصر الإجرامية، التي من شأنها توسيع مصادر التمويل، عبر عمليات الخطف والتهريب، بالإضافة الى اعتمادها هي المرتزقة التي تسعى للانضمام إلى تلك التنظيمات من أجل الحصول على عائد اقتصادي، بصرف النظر عن توجهاتها الفكرية. وعلى ضوء ما سبق يمكن القول إن الضغوط التي يتعرض لها تنظيم "داعش" سوف تفرض عليه خيارات محدودة فيما يتعلق بالفئات التي يستطيع استقطابها للانضمام إليه، وهو ما سوف يقلص من تأثيره رغم المخاوف الدولية.