سهِر جمهور الدورة 54 لمهرجان قرطاج الدولي، الليلة الماضية، مع عرض "الحضرة 3" للفاضل الجزيري، بحضور جمهور غفير وشخصيات سياسية على غرار رئيس الحكومة ووزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين وعدد من أعضاء مجلس نواب الشعب. وتألف العمل من حوالي 100 عنصر بين منشدين وعازفين وراقصين وكورال وقد بدا شبيها إلى حدّ كبير ب "الحضرة 2"، رغم أنّ الفاضل الجزيري كان قد أكد على إيمانه ب "المشروع الحي والمتجدد"، وأن الجديد في "الحضرة 3" هو الآلات الموسيقية والمنشدين والإضاءة. ولم يكتف الجزيري في "الحضرتيْن" بالآلات الموسيقية المألوفة كالبندير والطبلة، بل أدخل الجزيري عليْهما آلات موسيقية غربية إيقاعية ونفخية ووترية كالساكسوفون والقيتار والقيتار باص والباتري والكمنجة، دون أن يفقد العرض سماته الروحية في المجمل، رغم إيقاعات موسيقى الروك الصاخبة التي غلبت على بعض المقاطع الغنائية، واعتبرها عدد من الحاضرين قد أفرغت الحضرة طابعها الأصيل. ودافع علي الجزيري، عازف القيتار في "الحضرة 3"، على التصوّر العام لهذا العرض وتطعيمه بآلات موسيقية غربية مشددا على أن انفتاح الحضرة على بعض الإيقاعات الغربية لم يُفقد العرض بريقه وخصوصياته الصوفية، بل كان الهدف منها أيضا استقطاب الفئات الشبابية حتى لا يكون هذا النمط الموسيقي حكرا على فئة كبار السن. أما الفاضل الجزيري، فقد برهن، من خلال العرض، على أن الموسيقى الصوفية ليست في قطيعة مع الأنماط الموسيقية الغربية بل هي منفتحة على الموسيقى الغربية إذا ما أُحسن الوصل بين هذين النمطين. وراوح العرض بين الأداء الفردي للمدائح والأذكار وبين الأداء الجماعي في التغني بالخالق ومدح رسوله والأولياء الصالحين، على غرار "يا الله" و"مولاي صلّ وسلم" و"يا محمد يا جد الحسنين" و"يا بلحسن يا شاذلي" و"يا فارس بغداد". وأنشدت "الحضرة 3" كذلك "جارت الأشواق يا أحبابي" و"يا شيخ محرز" و"الليل زاهي" التي أدتها الفنانة آمنة الجزيري، في ما أدّى الفنان هيثم الحضيري "رايس البحار". وتخلّل مختلف هذه الأغاني الصوفية لوحات تعبيرية راقصة وصلت حدّ الانتشاء والتخميرة في بعض الأحيان، وفي ذلك إبرازٌ للاعتقاد السائد لدى المتصوفة بتطهير الروح وتحريرها من سلطة الجسد.