قطاع العقارات في تونس يعيش مشاكل هيكلية وتشريعية بالجملة ويحتاج إلى إصلاحات عميقة وجذرية عبر استراتيجيات وبرامج واضحة، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي والمالي الصعب الذي تمر به تونس والذي ما فتئ يتفاقم في السنوات الأخيرة. ولعل القشة التي قصمت ظهر البعير هي نسبة ال 13 بالمائة كأداء على القيمة المضافة التي ضُمنت في إطار قانون المالية لسنة 2018 ولولا "ألطاف الله" لبلغت تلك النسبة 19 بالمائة، وهي نسبة من المقرر بلوغها بحلول سنة 2024 بعد أن تم التخلي عن مسألة تطبيقها في 2020. عندما نقول قطاع عقارات فإننا نقصد دورة اقتصادية بأتم معنى الكلمة لا تشمل فقط الباعث العقاري، بل تتجاوزه ليتدخل في دورة بناء الوحدة السكنية كل من البنوك وشركات التأمين ومكاتب الدراسات والمكاتب المراقبة والمهندسين بمختلف أنشطتهم من بناء وكهرباء إلى جانب مقاولي نجارة الخشب والألمنيوم واللحام الصحي والقائمة طويلة جدا. ما بعد ال 13 بالمائة ليس كما قبلها مازال الباعثون العقاريون والمتعاملون معهم لم يفهموا إلى حد اليوم هل اتخذت الحكومة قرار الترفيع في نسبة الأداء على القيمة المضافة بداعي تعبئة موارد الدولة أم عن رغبة في إصلاح القطاع الذي بدأ يدخل في منعرج الازمة الحقيقية منذ سنة 2014 عندما شهدت مبيعات الوحدات السكنية تراجعا ملحوظا حيث هوتْ مبيعات الشقق من 400 شقة في الربع الأول من سنة 2016 إلى 70 شقة في نفس الفترة من سنة 2017. فالمواطن أو المشتري الذي يُفترض أنه الحلقة الأقوى في القطاع العقاري بات هو الحلقة الأضعف بسبب تدهور مقدرته الشرائية وعدم قدرته على اقتناء مسكن جديد مهما حاول التنازل عن بعض الشروط أو المواصفات في بيت المستقبل. ومع تراجع الطلب على الوحدات السكنية تعطل نشاط التشييد والبناء الأمر الذي أثر على الأطراف الرئيسية المتدخلة في القطاع على غرار البنوك ومن ورائها شركات التامين، والدولة نفسها شحّت مواردها المتأتية من القطاع. فلصالح من تم إقرار هذا القانون؟ قطاع بنكي ومالي يئنّ.. والسبب ال 13 بالمائة بعملية مقارنة بسيطة على مستوى الأرقام نلاحظ أن أزمة قطاع العقارات ككرة الثلج يزداد حجمها وثقلها كلما تدحرجت أكثر خاصة في ظل تدحرج الدينار التونسي وزيادة نسبة التضخم وتراجع نسبة النمو وارتفاع أسعار المحروقات. ففي سنة 2011 كانت بلادنا تنشئ 18 ألف وحدة سكنية موزعة بين القطاعين العام والخاص، ليتراجع العدد إلى 9 آلاف وحدة سكنية في 2017، وينحصر في 2019 عند ال 4 آلاف وحدة سكنية، ومع توقعات بأن يتهاوى العدد أكثر مع نهاية السنة الجارية حسب ما أكد للجريدة رئيس الغرفة النقابية للباعثين العقارين فهمي شعبان. ويحذر خبراء اقتصاديون يراقبون السوق العقارية ببلادنا من انهيار القطاع البنكي بسبب انهيار قطاع البعث العقاري الذي يمثل حوالي 14 بالمائة من مجموع الاستثمارات بالبلاد، ويساهم بما قدره 8 بالمائة من جملة القروض المصرفية الممنوحة للقطاعات الاقتصادية. وبهذا الشكل يتهدد البنوك أزمة خانقة في الأفق خاصة إذا ما نظرنا إلى حجم ديون الباعثين العقاريين من القروض والتي تصل إلى 5.2 مليار دينار بعد أقل من سنة من إقرار الترفيع في نسبة الأداء على القيمة المضافة. هذا إلى جانب أزمة شركات التأمين التي تراجع نشاطها بسبب تراجع إقبال المواطن على القروض البنكية المخصصة للسكن. خزينة الدولة.. متضررة أيضا يتساءل العاقل هل نجحت الدولة في زيادة منسوب إيراداتها من قطاع البعث العقاري، وهي التي أقرت الترفيع في الأداء المذكور لتعبئة موارد الدولة؟ الإجابة قطعا لا كما أكد للجريدة فهمي شعبان وعدد من الخبراء الاقتصاديين حيث تراجعت المداخيل الجبائية بسبب النقص في بناء وبيع الوحدات السكنية. مثال ذلك تراجعت مداخيل البلديات بعد تراجع عدد رخص البناء وما يترتب عنها من معاليم مالية كما تضررت مداخيل إدارة الشؤون العقارية (دفتر خانة)، وتقلصت مداخيل القباضات المالية التي تتقاضى معلوما خاصا عند تسجيل العقارات. هذا إلى جانب اضطرار عدد من الباعثين العقاريين إلى تسريح عدد من العمال والفنيين والمهندسين بسبب تراجع النشاط، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على المساهمات الموجهة إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والقائمة تطول إذ تنطبق عليها قاعدة الشيء بالشيء يُذكر. ما الحل؟؟ سؤال مؤلم والإجابة عنه أكثر إيلاما. ما الذي أوصلنا إلى هذه الوضعية، وما الحل لتداركها والحد من انعكاساتها. هذه النقطة يجيب عنها رئيس الغرفة النقابية للباعثين العقاريين فهمي شعبان الذي رسم حلا للخروج من الأزمة في 4 إجراءات على الأقل لابد من اتخاذها بشكل عاجل وأكيد: أولا لابد من خلق نسبة فائدة مديرية عقارية مخفّضة تتمايز عن نسبة الفائدة المديرية التي حددها البنك المركزي ب 6.8 بالمائة. وتقترح الغرفة النقابية نسبة تتراوح بين 3 و3.5 بالمائة ستساهم في إنعاش القدرة الشرائية للمواطن إذْ أن توظيف هذه النسبة المخفّضة سيجعل قيمة السداد الشهري للقسط لدى البنوك حوالي 1600 دينار على أساس قرض سكني بقيمة 250 مليون دينار والحال أن قيمة القسط الشهري لنفس القرض اليوم تفوق ال 2300 دينار وهو أمر يصعب كثيرا على موظف يرغب اقتناء منزل حتى لو تقاسمت معه زوجته أعباء القرض السكني. ثانيا ضرورة العودة إلى التسجيل بالمعلوم القار الذي تم التخلي عنه بشكل تدريجي منذ 2013 عندما تم إقرار المعلوم التصاعدي للتسجيل. وهو يأمر سيمكّن الباعث العقاري من العودة إلى النشاط وستكون له القدرة على تسديد ديونه وأداء واجبه الجبائي تجاه الدولة، فضلا عن السيطرة على مشاهد البناءات الفوضوية إذ أن التسجيل بالمعلوم القار الذي لا ينطبق إلا على المساكن الجديدة سيشجع المستهلك على اقتنائها بدلا من المساكن المستعملة الأخرى. ثالثا دعت عديد الأطراف المهتمة بقطاع العقارات في تونس إلى التخلي عن شرط رخصة الوالي لتمليك الأجانب التي أحدثها أمر 4 جوان 1957 وذلك لتسهيل عمليات البيع للأجانب إذ تمتد إجراءاتها إلى حوالي الثلاث سنوات وهو أمر لا يشجع أي أجنبي على التملّك ببلادنا. رابعا وأخيرا وهو الإجراء الجوهري والاكثر ضرورة، يطالب الباعثون العقاريون بتخفيض نسبة الأداء على القيمة المضافة إلى حدود 7 بالمائة إن كان هذا الأداء شرا لابد منه. وهو أمر يرى المهنيون وبعض الخبراء الاقتصاديين أنه معقول يحقق قاعدة "لا يجوع الذئب ولا يشتكي الراعي".