يشهد نشاط قطاع البعث العقاري في تونس تراجعا وركودا أمام الصعوبات التي يعرفها ومن بينها رخصة الوالي وخسارة رهان التسويق للأجانب، مع تواصل ركود التسويق للتونسيين نظرا لارتفاع كلفة القروض المصرفية الممولة لشراء المساكن وارتفاع المقدرة الشرائية حيث إن التونسي بات اليوم عاجزا عن اقتناء مسكن، مما جعل الباعثين العقاريين يستنجدون بعمليات البيع للأجنبي والذي يبقى مشروطا برخصة الوالي مما عمق أزمة القطاع. وتتذمر شركات البعث العقاري من طول الاجراءات لتمليك الأجانب من غير حاملي الجنسيات الليبية والجزائرية والمغربية، وتطالب بمراجعة جذرية لقوانين التمليك وإلغاء رخصة الوالي التي يشترطها القانون لحصول الأجنبي على عقار سكني وتعمل الأطراف المعنية في قطاع البعث العقاري على إلغاء هذا الإجراء حيث كان للغرفة الوطنية للباعثين العقاريين لقاء مع وزيري المالية والاستثمار ومجلس نواب الشعب الذين أبدوا رغبتهم في إلغاء العمل برخصة الوالي وفق رئيس الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين فهمي شعبان. ما معنى رخصة الوالي: رخصة الوالي هو إجراء حدده المشرع التونسي وفق أمر صادر في 04 جوان 1957 ينظم المعاملات العقارية التي يجريها الأجانب بالبلاد التونسية، وتستوجب رخصة الوالي في العمليات العقارية التي يكون أحد أطرافها أجنبيا طبقا للأمر المذكور. ووُصفت اجراءات رخصة الوالي بالطويلة والمعقدة ( 15) ورقة ويبقى الاجنبي في الانتظار لسنوات لمن يريد أن يمتلك منزلا ، باستثناء العملية الاستثمارية في منطقة صناعية أو سياحية التي لا تخضع لرخصة. ووفق ما أفاد به فهمي شعبان رئيس الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين لموقع الجريدة، فإن إلغاء رخصة الوالي هو مطلب مُلح منذ 2011 ومجلة الاستثمار تعطي حق التملك لأي مستثمر أجنبي دون الخضوع لرخصة، في حال الاستثمار في تونس وإنجاز مشروع، ففي سنة 2005، رفع القانون التونسي العمل بالرخصة للأجانب الذين يستثمرون في منطقة صناعية لإنجاز مشروع (مصنع..نزل...إدارة..)، في حين يُمنعون من امتلاك منزل ويخضع ذلك لرخصة الوالي التي تدوم ثلاث سنوات واجراءات الحصول عليها طويلة ومعقدة. دول منافسة ألغت الرخصة وتونس لم تنزع عباءة القوانين "البالية" تواصل تونس العمل برخصة الوالي مما ساهم في تكبيل القطاعات الاقتصادية ومنها قطاع البعث العقاري الذي يشغل قرابة ألف مهنة على غرار البناء والتهيئة وقطاع الخزف.. في وقت تمكنت فيه العديد من الدول المغاربية والمتوسطية من فك كل القيود التي تمنع تمليك غير السكان الأصليين. وألغى المغرب العمل بالرخصة منذ حوالي 20 سنة الأمر الذي انعكس إيجابا على قطاع البناء والاقتصاد حسب ما تؤكده الأرقام المسجلة في هذا الصدد، شأنها في ذلك شأن تركيا التي تمنح الجنسية في 90 يوما عند شراء عقار والاستثمار بها، إضافة إلى دبي التي تمنح الإقامة القانونية وتمكّن المستثمر الأجنبي من قرض لإقامة مشروع. وغير بعيد عن بلادنا، إسبانيا التي نتقاسم معها الحوض المتوسطي، تمنح الإقامة، ونفس الأمر تقريبا نجده في كل من البلدين المتوسطيْن الآخريْن قبرصوالبرتغال، إلى جانب كندا. فالعديد من دول الاتحاد الأوروبي والدول العريبة تعطي حق التملك للمستثمر إلا تونس تصر على مواصلة العمل بقوانين مكبلة للاقتصاد ولقطاع البناء والبعث العقاري وفق فهمي شعبان. وتتالت الدعوات من قبل الباعثين العقاريين المطالبة بإعفاء الأجانب من رخصة الوالي عند التملك في تونس، خاصة بعد أن تم إصدار مذكرة بتاريخ 11 جوان 2018 تسمح للجزائريين بحق التملك في تونس دون رخصة الوالي، لتلتحق الجزائر بليبيا في هذا الحق بشرط ألا يقل سعر المسكن الذي سيتم اقتناؤه من طرف المواطن الليبي أو الجزائري عن 300 ألف دينار. ويسمح القانون التونسي لمواطني ليبيا والجزائر والمغرب شراء عقارات سكنيّة من دون الحصول على رخصة الوالي، بموجب اتفاقيات ثنائية موقعه مع طرابلس عام 1961 والجزائر عام 1963 والرباط 1964. الملف حارق ..والمردود المؤجل يعتبر ملف رخصة الوالي ملفا حارقا فالمطالبة بإقامة شرعية وإلغاء رخصة الوالي هو مجرد إجراء، يقول فهمي شعبان، يجب أن يتم لأن من يمتلك يستثمر ويساهم في العديد من الخدمات الصحية والتعليمية.. في بلادنا، وقطاع البناء يساهم بذلك في تحسين موارد الدولة لأن مردود الأجنبي يعود على الاقتصاد وموارد الدولة. ويشغل قطاع البعث العقاري، وفق محدثنا، حوالي ألف مهنة، وإعطاء الأجنبي حق التملك يساهم في تحسين موارد الدولة خاصة وأن مئات الأجانب دفعوا أموالهم لشراء منازل إلا أن وضعياتهم الإدارية بقيت معطلة ومنهم من خير الانسحاب. ويمكّن رفع القيود القانونية على المبيعات الاقتصاد التونسي، من تسجيل إيرادات هامة من العملة الصعبة، إلى جانب الضرائب التي ستساهم في تحسين موارد الدولة على هذا الصنف من العمليات التجارية. وأكد شعبان أن المستثمر الاجنبي لم تعد لديه أي رغبة في اقتناء العقارات في تونس نتيجة الانتظار لمدة تفوق السنتين للحصول على رخصة الوالي، ما تسبب في حالة من الركود. ويسعى أصحاب قطاع البناء والبعث العقاري إلى فتح منافذ جديدة على السوق الخارجية، عبر تسهيل تمليك العقارات للأجانب، بهدف إنعاش القطاع وجذب الاستثمارات للبلاد والاقتداء بعديد الدول على غرار تركيا والمغرب، لأن المستثمر يعتبر حق التملك ضمانة مهمة لدخول السوق التونسية. إلغاء رخصة الوالي.. والحلول البديلة تتواصل أزمة الباعثين العقاريين في تونس مع تواصل هذا الإجراء، و من بين الحلول المقترحة إلغاء رخصة الوالي وفي المقابل تكون المساكن والشقق التي تفوق 300 ألف دينار موجهة للأجنبي والتي قيمتها أقل من 300 ألف دينار للمواطن العادي حتى يتمكن التونسي من شراء مسكن. ويعتبر البعض أنه إذا تم إلغاء رخصة الوالي فإن سعر العقار سيرتفع بحكم أن الباعث سيوجه عقاراته للأجنبي فقط لأنه يقدر على شراء الشقق الفاخرة و يصبح سعر العقار بذلك مشطا على المواطن التونسي مما يستوجب على الباعث العقاري التوجه للطرفين من خلال (العقار الاجتماعي social). ومن الحلول المقترحة، أن يقوم الباعث العقاري ببناء عقارات اجتماعية على غرار البرتغال التي سمحت بالبيع للأجنبي دون رخصة شريطة بناء عقارات اجتماعية، وهناك من يطرح حلا وسطا في تونس، وهو أن يتم تمكين المستثمر من امتلاك منزل دون رخصة الوالي حيث يقوم الباعث العقاري بتوفير عقارات للأجنبي من جهة باعتباره قادرا على الشراء بأسعار باهظة نسبيا. وفي نفس الوقت يوفر للمواطن العادي عقارات تتماشى مع مقدرته الشرائية لأن الباعث اليوم يرغب في إلغاء رخصة الوالي وأصبح اهتمامه مركزا على العقارات التي قيمتها لا تقل عن 300 ألف دينار، ويبتعد عن كل عقار اجتماعي وهو ما يضر بالمواطن التونسي العادي الذي يرغب في شراء منزل والذي لم يعد بإمكانه ذلك. وتم تقديم مقترحات تتعلق بالاداءات (TVA) والغاء رخصة الوالي للاجنبي، الى الهياكل المعنية بهدف التسريع في نسق اقتناء المساكن من طرف هذه الشريحة وإعطاء دفع جديد لقطاع البعث العقاري، إلى جانب حزمة إجراءات جديدة في مجال البعث العقاري لمزيد تطويره ومساعدته على الخروج من حالة الركود التي يعرفها منذ عدة سنوات. وتعمل الغرفة الوطنية للباعثين العقارين على معالجة الصعوبات والإشكالات التي يشهدها القطاع للنهوض به وبالاقتصاد التونسي ككل .