قالت مجلة "فورين بوليسى" الأمريكية إن التوترات فى شرق البحر المتوسط تهدد بأن تتحول إلى صراع متعدد الجنسيات، لاسيما مع استمرار التصعيد بإرسال السفن الحربية وتبادل الاتهامات مما ينذر بدوامة أوروبية – شرق أوسطية. وعن بدايات الصراع الجيو سياسى، وقالت المجلة إنه في منتصف أوت الماضي، اندلعت أول شرارة عندما اصطدمت سفينة حربية تركية وأخرى يونانية في شرق البحر الأبيض المتوسط ، الأمر الذي كان ينذر باشتعال مواجهة بحرية لم تشهدها المنطقة منذ 20 عاما على الأقل. واستمرت فرين بوليسي في سرد تفاصيل بدايات الأزمة مضيفة أنها كانت قد بدأت قبل يومين ،عندما نشرت تركيا سفينة لاستكشاف الطاقة مع مرافقتها البحرية للبحث عن النفط والغاز الطبيعي في المياه بالقرب من جزيرة كاستيلوريزو اليونانية التي تدّعي أثينا أنها تابعة لإقليمها البحري. وقالت "فورين بوليسى"، إن مراحل التصعيد الأخيرة خطيرة لأنها تنذر بتحول الصراع إلى صراع متعدد الجنسيات. ففي استعراض للدعم القوي لليونان ضد تركيا، أرسلت فرنسا سفنا حربية إلى المياه المتنازع عليها ووعدت بالمزيد. كما أعربت مصر وإسرائيل ، اللتان تجريان تدريبات عسكرية مشتركة مع اليونان، عن تضامنهما مع أثينا. وإذا أخذنا بعين الاعتبار وجود فرنسا ومصر في صراع مفتوح وفعلي مع تركيا في ليبيا، فإن المراقبين في جميع أنحاء العالم يتوجسون من أن أي تصعيد إضافي في شرق البحر المتوسط يمكن أن يؤدي إلى دوامة أوروبية-شرق أوسطية. وتضيف المجلة، أن نزاعات الحدود البحرية لشرق البحر الأبيض المتوسط كانت تُعدّ ولعقود طويلة شأنا محليا، وكانت تنحصر في التنافس على المطالبة بالسيادة بين كيا واليونان وقبرص. غير أن شكل الصراع تحول بشكل واضح في الخمس سنوات الماضية بسبب بروز الرقم الأقوى والأصعب في شرق البحر الأبيض المتوسط ألا وهو موارد الغاز الطبيعي البحرية التي حولت مياه المنطقة إلى ساحة استراتيجية رئيسية تلتقي من خلالها خطوط الصدع الجيو سياسية الأكبر التي تشمل الاتحاد الأوروبي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حسب التحليل الذي قدمته فورين بوليسي التي اعتبرت أن ما غير قواعد اللعبة بشكل حاسم هو اكتشاف حقل ظهر الضخم للغاز الطبيعي في مصر في أوت 2015 من قبل شركة إيني الإيطالية الكبرى للطاقة. ووصفت "فورين بوليسى" الاكتشاف بأنه الأكبر للغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط حتى الآن ،معتبرة أن اكتشاف الحقل كان معناه أن المنطقة تمتلك فجأة كميات قابلة للتسويق من الغاز الطبيعي. وبدأت إيني ، وهي أيضًا المشغل الرئيسي في تطوير الغاز الطبيعي في قبرص ، في الترويج لخطة لتجميع الغاز القبرصي والمصري والإسرائيلي واستخدام مصانع تسييل الغاز في مصر لتسويق غاز المنطقة بشكل فعال من حيث التكلفة إلى أوروبا كغاز طبيعي مسال. وفي عام 2018 ،وجهت شركة الطاقة الفرنسية العملاقة طوطال ،ثالث أكبر شركة في الاتحاد الأوروبي من حيث الإيرادات ضربة أخرى لتركيا من خلال الشراكة مع إيني في جميع عمليات تطوير الغاز للشركة الإيطالية في قبرص ،مما وضع فرنسا في وسط مستنقع الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط. وفي نفس الوقت تقريبا ،وافقت قبرص رسميا على توريد مصانع الغاز الطبيعي المسال المصرية للتصدير. بعد توقيع قبرص لتلك الصفقة حذت إسرائيل ،التي كانت تفكر في السابق في بناء خط أنابيب للغاز تحت البحر بين إسرائيل وتركيا ،حذوها وتعاقدت على بيع غازها إلى مصر أيضا. وفي المقابل، أعربت تركيا عن استيائها من هذه التطورات من خلال الانخراط في سلسلة من التدريبات المحسوبة لدبلوماسية الزوارق الحربية ،وإرسال سفن الاستكشاف والتنقيب إلى المياه القبرصية ،مع كل منها بمرافقة بحرية عسكرية. وفي وقت سابق ادعت تركيا أنها تدافع عن حقوق القبارصة الأتراك في النصف الشمالي من الجزيرة المقسمة، والذين تم استبعادهم من تطوير احتياطيات الغاز الطبيعي البحرية في قبرص على الرغم من كونهم المالكين الشرعيين للموارد الطبيعية لقبرص، وفقا لمجلة "فوريس بوليسى". مع كل إجراء تركي ، اكتسبت الجبهة المصرية القبرصية - اليونانية دعما عسكريا متزايدا من فرنسا وإيطاليا والولاياتالمتحدة ،ولكل منها استثمارات اقتصادية كبيرة في غاز شرق البحر المتوسط. أما بالنسبة إلى تركيا ،فإن دعم حلفائها في الناتو لهذه المجموعة هو خيانة ،وهو في نظرها بمثابة سياسة احتواء لا يمكن أن تتسامح معها. في محاولة للخروج من عزلتها الإقليمية ، وقعت تركيا في نوفمبر 2019 اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الخاصة بها مع حكومة الوفاق الوطني التي تتخذ من طرابلس مقرا لها في ليبيا التي مزقتها الحرب. وكانت الصفقة محاولة لاكتساب مكانة قانونية أكبر لتحدي الحدود البحرية التي أنشأتها اليونان مع قبرص ومصر ،والتي تعتمد عليها خطط تطوير الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط. ترافق اتفاق الحدود البحرية بين أنقرةوطرابلس ،باتفاق تعاون عسكري يوفر لحكومة الوفاق الوطني ضمانة أمنية ضد جهود قوات الجنرال خليفة حفتر المدعومة من فرنسا ومصر، للإطاحة بالحكومة. وقامت حكومة الوفاق الوطني بتنشيط اتفاقها العسكري رسميا مع أنقرة في ديسمبر الماضي وربط المواجهة البحرية المتوترة بالفعل في شرق البحر المتوسط بالحرب الأهلية الليبية. ووصفت "فورين بوليسى" أسلوب تركيا في رسم خريطة أنقرةوطرابلس بالمضلل والواهي، حيث تتجاهل الخريطة وجود جزيرة كريت ، التي تبلغ مساحتها 3219 ميلا مربعا. وتضيف فورين بوليسي أن المادة 121 من اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار ،وهي مادة تتناول الوضع القانوني للجزر، تؤكد أن سواحل الجزر تولد أرففًا قارية ومناطق اقتصادية خالصة مثل أي تكوين أرضي ساحلي، باستثناء تلك التي "لا يمكنها الحفاظ على السكن البشري أو الحياة الاقتصادية الخاصة بها". وجزيرة كريت، التي يبلغ عدد سكانها 650.000 نسمة تقريبا (أي تقريبا نفس عدد سكان أثينا)، ستولد بلا شك منطقة اقتصادية خالصة. وفي 6 أوت من هذا العام ،قررت اليونان الرد على تركيا بالمثل من خلال توقيع اتفاقية مماثلة لترسيم الحدود البحرية مع مصر. وتتساءل المجلة في خاتمة دراستها التحليلية: ماذا بعد؟ فتحاول الإجابة بالقول إن هناك حوافز قوية لمعظم الأطراف في المنطقة والاتحاد الأوروبي لاحتواء التصعيد الحالي وإيجاد مخرج للأزمة، لأن الجميع لا يريد التورط في صراع عسكري، مشددة على وأضافت أن تركيا تلعب "على حافة الهاوية". فإذا ما توغلت كثيرا، فسوف يقف الاتحاد الأوروبي وكذلك الولاياتالمتحدة بشكل واضح إلى جانب اليونان، مشيرة إلى أن الخط الأحمر الذي لا تستطيع تركيا تجاوزه هو جزيرة كريت التي يُعتقد أن مياهها الجنوبية تحتوي على كميات كبيرة من النفط أو الغاز الطبيعي. وقالت إنه إذا أرسلت تركيا سفينتها للتنقيب عن الطاقة بالقرب من السواحل الجنوبية لجزيرة كريت ، فإن كل الرهانات ستنتهي، وهو ما لم تجرؤ أنقرة إلى حد الآن على الإقدام عليه.