المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون: افتتاح معرض للتكنولوجيا والتجهيزات وسوق البرامج    في عيد الجيش: سعيّد يُشرف على ترقية أميري لواء الى رتبة فريق.. #خبر_عاجل    وزير التربية يزور مركز اصلاح امتحانات شهادة ختم التعليم الاساسي ويدعو ال ضمان مبدأ تكافؤ الفرص    عاجل : وفاة الإعلامي وليد التليلي    نبيل الكوكي مدربا جديدا للمصري البورسعيدي    سليم الرياحي: "سأقاضي النادي الإفريقي من أجل كرامتي"    انطلاق إنجاز الدراسة الاستراتيجية للتنمية المندمجة لضفاف بحيرة السيجومي    الرابطة الدولية للنشر المستقل تعلن من تونس عن "خارطة السياسات العمومية للكتاب في العالم العربي"    هذا ما يفعله تخطّي وجبة الإفطار لاجسامنا..    جندوبة: محمد أيوب ورغي يتحصّل على أعلى معدل في شعبة علوم تجريبية    ماهر الكنزاري: ''جمهور الترجي حاضر كالعادة... ومواجهة تشيلسي فرصة لإثبات الذات''    موقف تونس الديبلوماسي مبدئي و يدين كل الاعتداءات التي تطال البلدان الإسلامية (النفطي)    عطلة بيوم بمناسبة رأس السنة الهجرية    قائمة الأوائل في مختلف الشعب بسيدي بوزيد    ترامب: لست راضيا عن إسرائيل ولا عن إيران    العراق يفتح الأجواء أمام حركة الملاحة الجوية الدولية    إيران: اعتقال 6 جواسيس في همدان    بلاغ هام لوزارة المالية..#خبر_عاجل    ايران تنفي إطلاق صواريخ على الكيان بعد بدأ وقف إطلاق النار..#خبر_عاجل    مجلس الأمن القومي الإيراني: أجبرنا العدو على الندم والاعتراف بالهزيمة ووقف عدوانه    في قضية " الرصد والاستقطاب": تأجيل محاكمة رجل الأعمال فتحي دمق وآخرين    9 آلاف لدغة عقرب في تونس خلال سنة فقط: أحمي روحك ودارك قبل فوات الأوان!    تونس جمعت قرابة 7ر5 مليون قنطار من الحبوب الى غاية يوم 22 جوان 2025    كأس العالم للأندية : برنامج مواجهات الدور ثمن النهائي إلى حد الآن    نوفل الورتاني يعود إلى موزاييك أف أم مديرًا للبرمجة ويطلق برنامجًا جديدًا    فقرات متنوعة تؤثث الدورة الرابعة لكرنفال فوشانة للفنون    غدا.. تحرّي هلال شهر محرم…    المغرب رابع مرشح لاستضافة نسخة 2029 من كأس العالم للأندية !    مدنين: مشروب "الكفير" منتج جديد من مشتقات حليب الابل او الماعز عالي الجودة وفوائده الصحية متعددة    للتونسيين: فرص التكوين المجّاني مفتوحة في وزارة الدفاع...ما تفلتهاش!    عاجل: تحرّي هلال محرم 1447 ه مساء الأربعاء.. وهذه أبرز التوقعات الفلكية    ''الكونترول'':كيف تعرف المواد التي يجب عليك إعادتها في دورة المراقبة؟    ناجي غندري يكشف عن استراتيجية بنك الأمان لمرافقة الشركات التونسية نحو انتقال طاقي مستدام    ''تريند الكركم'' يوصل للتوانسة: مشهد ساحر في كأس... لكن الأطباء يحذّرون!    احذر ''شرب القهوة'' مع هذه الأدوية    لماذا يختفي ''الفلوس'' الملون بسرعة من حياتنا؟    حريق يأتي على 5 هكتارات بمنطقة جرادو بزغوان..وهذه حصيلة الأضرار..    كأس العالم للأندية : برنامج مباريات اليوم الثلاثاء والنقل التلفزي    درجات الحرارة لهذا اليوم..    الجيش التونسي في عيده ال69: درع الوطن وحصنه في وجه الإرهاب والتهريب    عاجل - تصنع التاريخ: أول امرأة وأفريقية على رأس اللجنة الأولمبية الدولية...من هي ؟    تعرف على الفرق العربية التي غادرت كأس العالم للأندية بعد جولتين فقط!    عاجل/ قبل ساعات من وقف إطلاق النار.. إسرائيل تغتال عالما نوويّا ايرانيا آخر..    صابة الحبوب 2025: تونس تتجاوز 5.7 مليون قنطار وباجة في الطليعة!    جلسة عمل بولاية اريانة حول تقدم أشغال مشروع تهيئة و حماية مرفأ الصيد البحري بقلعة الأندلس    احتياطي العملة الأجنبية يُغطي 101 يوم توريد    بداية من اليوم: الانطلاق في رش المبيدات بالطائرة بهذه المناطق في ولاية تونس    افتتاح الدورة 25 للمهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون وتكريم نخبة من الإعلاميين ونجوم الدراما العربية    النفيضة .. . الدورة 12 من الملتقى الوطني للأدب التجريبي .. مختبر تجريب ،كتاب في الملتقى و للشعر والرسم نصيب    تصفيات بطولة ويمبلدون للتنس : التونسي عزيز دوقاز ينهزم امام الياباني شيمابوكورو    وزيرة الصناعة تؤكد في اول اجتماع للجنة الوزارية لتنفيذ عقد الاهداف للشركة التونسية للكهرباء والغاز اهمية المشروع في تحسين وضعية الشركة    أولا وأخيرا: «باي باي» أيها العرب    في الصّميم .. تونس.. الترجي وأمريكا    أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    مُشطّة ومرتفعة جدا: هذه كُلفة يوم واحد اصطياف لعائلة من 4 أفراد    منتجات تونس البيولوجية تغزو 38 دولة: زيت الزيتون في الصدارة    في العيد العالمي للموسيقى: الأوركستراالسيمفوني التونسي يقدّم روائع الموسيقى الكلاسيكية    جبال الظاهر: وجهة سياحية أصيلة تنبض بالسكينة والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ابنتي والربيع
نشر في الخبير يوم 10 - 12 - 2015

ملايين الناس تابعوا ذلك المشهد الرهيب ذات ليلة. شاهدوا ذلك الرجل يبكي ويمسح دموعه وهو يذكر موقفا وقفته ابنته تسأله عن المصير.
تندّر بها البعض وتغافل عنها اخرون، أما انا فاني رأيتها انفجار غضب ولوعة حزن وحرقة وجع. رأيتها رسالة منفتحة على الشعب والبلاد والانسانية كلها. رأيتها اجابة واضحة عن سؤال غامض ومعقد. لم تكن دمعة ضعف ولا استدرار عطف ولا لفت انتباه، انما هي دمعة رائعة نقية وصادقة من عين رجل عالم بأسرار الأمور، خبير بمتاهات التاريخ عارف بدقائق الأوضاع على يقين بما يفعل وما يقول.
وكنت على يقين انها ستكون دمعة ذا شأن. وحين اطلعت على صفحات بخط يد (الأستاذ عدنان منصور) لكتاب مازال في طور التأليف يحمل عنوان (ابنتي والربيع) قررت تلخيص دون العودة اليه معتمدا على حلمه ورجاحة عقله ورصانة موقفه. مرتكزا بقوة على قولته العظيمة: ما أسررته في نفسي فهو لي وما أعلنته للناس فهو للناس.
….لو ألقي عليّ ألف سؤال لاستطعت أن أجيب عنها ولو على جلسات. أما أن تقبل عليّ ابنتي وفي عينيها حيرة تغطي على كل طمأنينة في الحياة وتلقي عليّ أسئلة كلها شكوك واتهامات، أسئلة موجهة لي وكأنها سهام تصيبني بلا رأفة.
ابنتي تسألني بجرأة … تكاد تكون وقاحة.
– هل نحن جئنا بالربيع وصنعناه بإرادتنا أم أن الربيع طرق أبوابنا فجأة فاحتضناه واكتفينا باستضافته ؟ …
استرسلت في القاء أسئلتها بجرأة عجيبة مع ثبات الحيرة في عينيها، وواصلت ثباتي في مقعدي والنظر اليها في هدوء مع اعترافي بأنها فاجأتني وأربكتني.
وفي الأخير تماسكت وقلت برصانة:
– ألم تلاحظي يا ابنتي أن أسألتك كثيرة ومتعددة، وبقدر حقّك في عرضها علي بقدر حقي في استيعابها والرد عليها بأناة؟
أقولها حقا أن ردها كان أكبر من رجائي وهدوئي، كان ردّها مدعّما بحنقها وخوفها وحيرتها أكبر من هدوئي ورصانتي.
– هذا شأنك يا أبي. هذه ليست أسئلتي وحدي، انها أسئلة ملايين الشباب من حولي، أسئلة ملايين الشباب العاطلين والمهمّشين والتائهين. أنا أسألك باسمهم جميعا أنا أطلب منك باسمهم الردّ على أسئلتي والاجابة عنها.
الان أجعلكم –بكل لطف- في مكاني وموقعي فماذا يكون موقفكم؟ من ناحيتي لم أزد على وضع جبيني على راحة كفّي واسندت رأسي على ذراعي برهة ثمّ رفعت رأسي وواجهتها بسؤال فيه رجاء كبير .
– أيمكن أن تعطيني مساحة من الوقت أرد على أسألتك؟
شعرت لحظتها أنها هدأت قليلا فاستأذنت في الجلوس وقالت: أعتذر عن جرأتي يا أبي، فان صوت ملايين الشباب يدفعني الى ذلك وحيرتهم تلهمني السؤال.
– تيقنت أن ابنتي استعادت هدوءها فغمرني شيء من الاطمئنان وهززت رأسي مرتين موحيا اليها أني قبلت اعتذارها ورجوتها أن تجهّز لي فنجان قهوة فقالت بدلا ومحبة: على شرط أن تجهّز لي الاجابة عن أسئلتي. ونهضت وهي تداعب شعري الذي غزاه الشيب.
لحظتها قررت عازما، واثقا بنفسي ومبدئي وتاريخي ان أرد على كل سؤال سألتني اياه في شخص ملايين الشباب المهمش والمعطّل والمضيّع، وفي شخص كل الأطفال الذين سيكبرون يوما ما ويواجهون هذا الوضع. وكم أتمنى أن لا يهزهم هذا السؤال ولا تواجههم هذه الحيرة.
– من نحن ؟ وما هو موقعنا في الأرض وما مصيرنا؟ وما هي قيمتنا؟ وما دورنا في هذا العالم الانساني المتحول؟
– من نحن أمام الجميع وبين الجميع وماهو مركزنا بين هذه المجتمعات؟ ومن ؟ ومن؟
قررت أن أجيب ابنتي وأجيب كل أولادي وأحفادي بكل ما أحمل من صدق ومعرفة وبكل اخلاص متحللا من مهامي السياسية ومركزي الاجتماعي وموقفي الشخصي وانتمائي الفكري. سأجيبها وأنا على حياد تام.
سأقول بكل صدق وعمق غير ملتزم بالربيع وارهاصاته، والتاريخ وأحداثه والواقع ومصيره والحاضر وأتعابه. سأكتب اليها غير مرتبط بساسة ولا موقف. سأكتب لها ولكل الشباب عن التاريخ المعضلة والحاضر المشكلة والمستقبل الذي بدت ظواهر التخلّي عنه واضحة ووضعه في يد الاخرين جلية .
سأقول لابنتي ان هذا الربيع عملنا من أجله وناضلنا ولكننا لم نحدد يوم مجيئه بل هي الظروف التي فرضت علينا الموعد ولهذا لا يعدو أن يكون عرسا لم يحضره العريس ولم تتزين له العروس.
سأوجهها بكل جرأة هي وملايين الشباب وأقتحمها كما اقتحمتني بأسئلتها وأبسط أمامها الحقائق واضحة: ان الربيع أو الثورة ماهي الا حركة من حركات التاريخ لكبرى تصنعها الشعوب وتلتف حولها، وتحفظها من التراجع والانكسار، وان الارادة وحدها تصنع انتصارات الشعوب وان الصبر والتضحية والمكابدة والتفاني والاخلاص والايمان بالفعل والحركة هي احدى حلقات الانتصار الكبير وان الثورة قبل قيامها حلم وأمنية وبعد حدوثها فكر وعمل ونضال وان الشعوب اذا كانت كبيرة سيتصاغر أمامها الظرف مهما كانت صعوبته وعلى الشعوب أن تكون في مستوى الحدث وفي حجم الوطن. أما الشك والحيرة والضعف والتراخي فتلك علامات مرعبة وأحد أسباب الانكسار. سأقول لها يا ابنتي:
– ان نباح الكلاب لا يمحو سواد الليل
– ان الله لا يعطيك على قدر دعائك ان الله يعطيك على قدر عملك.
من صفحات كتاب « ابنتي والربيع»
للأستاذ المؤرخ عدنان منصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.