وفد برلماني يؤدي زيارة الى المعبرين الحدوديين حيدرة وبوشبكة من ولاية القصرين..    أخبار النادي الافريقي...فتح باب الترشحات لرئاسة الجمعية واشادات كبيرة بسيدات كرة اليد    وزارة الصحة تقدّم نصائح للوقاية من التسمّمات الغذائية في فصل الصيف..    المنستير: يوم إعلامي تحسيسي بجمال حول مخاطر نبتة الشويكة الصفراء الغازية وطرق التوقّي منها ومكافحتها    في يوم واحد: أكثر من 1.100 مهاجر يصلون إلى بريطانيا    تونس بوركينا فاسو في رادس...مقابلة ودية بنوايا «ثأرية»    صور: وزير الرياضة يسلّم رمز كأس تونس لكرة القدم للترجي الرياضي التونسي    درجات الحرارة لهذه الليلة..    بئر بورقبة: العثور على جثة خمسيني في منزله    المعهد الوطني للتراث يعلن اختتام الحفريات الاركيولوجية السابعة لموقع "ثوبوريو مايوس" بولاية زغوان    باريس سان جيرمان يحتفل مع الجماهير بلقب رابطة الأبطال في الشانزليزيه    الصيدليات تعلن عن توقيت العمل الصيفي..    مصر تطالب "إسرائيل" بالانسحاب من كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة    وفاة 22 رياضيا في حادث تحطم حافلة شمال نيجيريا    نابل: تضرر مساحات من الطماطم بسبب انتشار الفطريات وتقديرات بتراجع الصابة بنسبة تناهز 40 بالمائة    ماسك يرد على 'شائعات' إدمانه: نعم استخدمت الكيتامين كعلاج نفسي    قابس: انطلاق فعاليات الدورة السادسة للمهرجان الدولي للسينما البيئية    عروس برازيلية تثير الجدل بعد وصولها لحفل زفافها بسيارة جنازة.. والسبب أغرب من الخيال!    قفصة تكرّم "شيخ الأدباء "عبد العزيز فاخت    يوم 30 جوان آخر أجل للمشاركة في جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية    عاجل : إحباط محاولة استغلال حاملي تأشيرات الزيارة لأداء الحج بدون تصريح بمكة    إطلاق المرحلة التجريبية لتطبيق رقمي جديد لمراقبة وتركيز السخانات الشمسية في تونس    المؤبد وغرامة مالية لقاتل شاب خلال "براكاج"..وهذه التفاصيل..    عزيز دوقاز يطارد اللقب في نهائي زوجي بطولة ليتل روك الأمريكية    غدا الاثنين انطلاق اختبارات الدورة الرئيسية لبكالوريا 2025    جندوبة: العناية بالبيئة ومظهر المدينة أولوية    إيقاف مهندسين في ملف ملعب سوسة يثير جدلاً واسعاً: عميد المهندسين يدعو لتشريعات تحمي المسؤولية الفنية    حملة جهوية استثنائية للنظافة بولاية تونس    اليوم قرعة التناوب على عضوية المجالس الجهوية والتداول على رئاسة المجالس المحلية والمجالس الجهوية    04 مليارات تفك عزلة أكثر من 3 آلاف ساكن على المناطق الحدودية غار الدماء    اليوم الأحد: دخول مجاني للمتاحف والمواقع الاثرية والمعالم التاريخية    بين الترجي و«البقلاوة» ... نهائي الامتاع    عاجل : تسجيل رجة أرضية قبالة سواحل سوسة    جماهير الملعب التونسي.. «البقلاوة» عتيدة والكأس لن تُغادر باردو    كأس العالم للأندية – لوس أنجلوس الأمريكي يُكمل عقد مجموعة الترجي الرياضي    ديوكوفيتش يتأهل بسهولة لدور الستة عشر بفوزه 99 في رولان غاروس    اندلاع حريق في مستشفى بألمانيا يودي بحياة 3 مرضى وإصابة العشرات    انهيار جسر لحظة مرور قطار شحن عبره في مقاطعة كورسك الروسية    كندا.. حرائق الغابات تخرج عن السيطرة وتنتشر في مساحات شاسعة    الأسباب عديدة، أبرزها غلاء الأسعار .. هل يقاطع بعض التونسيين «علوش العيد» ؟    أولا وأخيرا .. الضربة الساكتة    ''السوشيال ميديا خطيرة''...نوال غشام تحذّر من انهيار الذوق الفني!    قلعة سنان: قتيلان و3 جرحى في حادث مرور    بالفيديو: تعرف على كيفية إحياء التكبيرات أيام الحج وفضلها    كيف تحمي نفسك من جلطات الصيف بخطوة بسيطة؟    العائلة التونسية تنفق شهريا بين 130 و 140 دينار لاقتناء مياه الشرب المعلبة    مراد الحطاب: اداء فريضة الحج مرتبط بالمشاعر الدينية لا بالنمط الاستهلاكي    الثلاثاء.. انطلاق بيع لحم الخروف الروماني بهذه الأسعار وفي هذه النقاط    د. كشباطي: المشي والسباحة مفيدان لمصابي هشاشة العظام    مُنتشرة بين الشباب: الصحة العالمية تدعو الحكومات الى حظر هذه المنتجات.. #خبر_عاجل    اليوم: درجات حرارة معتدلة إلى مرتفعة    الموافقة على لقاح جديد ضد "كورونا" يستهدف هذه الفئات.. #خبر_عاجل    صادم/ معدّل التدخين المبكّر في تونس يبلغ 7 سنوات!!    تونس تستعد للاحتفال باليوم الوطني في إكسبو أوساكا 2025    دعاء الجمعة الأولى من ذي الحجة    أسماء أولاد وبنات عذبة بمعاني السعادة والفرح: دليلك لاختيار اسم يُشع بهجة لحياة طفلك    السوشيال ميديا والحياة الحقيقية: كيف تفرّق بينهما؟    منبر الجمعة ..لبيك اللهم لبيك (3) خلاصة أعمال الحج والعمرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا معنى للمصالحة الإدارية دون الفصل في المظالم على مبدأ العدل والإنصاف وكشف الحقائق للرّأي العام قبل تغيير النظام
نشر في الخبير يوم 28 - 09 - 2017

إن ما يلفت الانتباه من ناحية الشكل في القانون المتعلق بالمصالحة في المجال الإداري أنه تمّ الخلط من الناحية اللغوية بين وضع قانون يتعلق بالعفو على الموظفين المتهمين ووضع قانون يتعلق بتقديم تنازلات تقوم عليها المصالحة بين هؤلاء الموظفين من ومن يخصهم القانون من جهة أخرى سواء كانت الدّولة أو الأشخاص الذين تعرّضوا إلى مظالم ونتج عنها الإضرار بمصالحهم وبحياتهم، كما أنه لا يوجد أي مانع للتمديد في الفترة المحدّدة لتطبيق ذلك القانون كلما دعت الحاجة لذلك خاصة بعد تضاعف حجم الفساد الإداري والمالي بالمؤسسات العمومية.
أمّا من ناحية المضمون، فإن تطبيق قانون المصالحة الإدارية كما هو عليه يقود مباشرة إلى إلغاء الأحكام التي يمكن على أساسها من الناحية العملية إدانة الموظفين على كلّ ما يصدر منهم من تواطئ وتآمر وتستر لفرض ديكتاتورية إدارية تقوم على المظالم والانتهازية والتشفي في كلّ من يطالب بحقوقه والذي يتضارب مع مبدأ العفو الذي ينبغي أن يصدر من المتضرّر نفسه وليس من الحاكم المطالب بتطبيق العدل بين الناس على عكس المصالحة التي تقوم على مبدأ إبرام الصلح عند تضارب المصالح بين الناس والتي يمكن أن يفرضها الحاكم على الرعية، كما أن التصريح بالعفو قبل المحاكمة يمثل في حدّ ذاته إقرار من الدّولة بنصرة الباطل على الحق ما عدا في الحالات التي تتعلق بوجود تهديدات على حياة الموظفين المتهمين عند الكشف على ملفات الفساد أو في الحالات التي تتعلق بتطبيق التعليمات والتي لا يمكن أن تمنع المحكمة من التحقيق في وجود تلك التهديدات أو التعليمات من خلال التحقيق في المنافع الراجعة إلى المتهمين.
حيث أن الفصل الثاني من القانون يتمّ بمقتضاه تمكين الموظفين من الانتفاع من العفو عند مخالفة التراتيب أو تعطيل الإصلاح القانوني بهدف تعطيل مصالح المواطنين وسلبهم مستحقاتهم إمّا بهدف تحقيق فائدة لصالح الغير أو بهدف وضعهم تحت الضغط والمساومة سواء تعلق ذلك بالصفقات العمومية أو بالانتدابات في القطاع العمومي أو بالتراخيص المهنية والتجارية، طالما أنه لا يمكن بمقتضى أي نص قانوني مسائلة هؤلاء الموظفين أو التحقيق معهم عند قيام الدّعوى ضدّهم في تلك التجاوزات الخطيرة التي قاموا بها، بما أن القيام بأي إجراء ضدّهم في تحميل المسؤولية الجزائية أو حتى المدنية يتطلب حسب نفس الفصل تقديم الإثباتات حول حصولهم على فائدة لا وجه لها لأنفسهم في حين أنه لا يمكن الانتظار منهم أن يتركوا أثرا لذلك وفي حين أن المظالم يمكن أن ترجع إلى أسباب غير مادية وبما أنه لا يمكن مؤاخذة الموظف جزائيّا مرتين على نفس الفعل حتى عند إثارة الفصل 315 من المجلة الجزائية فيما يتعلق بمخالفة التراتيب.
كما يتضح في نفس السياق أنه لا يمكن بمقتضى قانون المصالحة الإدارية مسائلة الموظفين والتحقيق معهم حتى بعد ثبوت تورطهم شخصيّا في نهب المال العام، وذلك حتى عندما يثبت التدقيق في المؤسسات أنهم قاموا شخصيّا بعمليات مشبوهة تتعلق بتدليس فواتير أو بتعيينات وهمية أو عند عدم تطابق المداخيل والمصاريف للمؤسسات مع ما يكشف عنه التدقيق، طالما أن مسائلة الموظفين المتورطين في تلك الإخلالات والتحقيق معهم يقتضي حسب نص القانون من القائم بالدّعوى توفير إثبات حول حصولهم شخصيّا على فائدة لا وجه لها والذي بات مستحيلا في غياب نص قانوني يسمح للمحكمة أن تقوم من تلقاء نفسها بالتحقيق في تلك الإثباتات.
أمّا فيما يتعلق بضرب عنصر الإثبات الذي يقوم عليه الاستثناء القانوني، فإن تمكين كلّ موظف من الحصول على شهادة العفو العام بمقتضى الفصل الثالث من قانون المصالحة الإدارية يترتب عنه مباشرة إيقاف جميع التتبعات ضدّه سواء كان ذلك أثناء التحقيق أو حتى بعد إدانته من طرف القضاء بمقتضى الفصلين 82 و96 من المجلة الجزائية، طالما أن نص القانون لم يوضح إن كانت شهادة العفو التي يسلمها الوكلاء العامّون لمحاكم الاستئناف لكل مشتبه في تورطه في الجرائم الإدارية لا تمنع المحاكم من التدقيق في الحسابات الشخصية للموظف المتهم ومسائلته على مصدر أمواله وممتلكاته في إطار مواصلة التحقيق ضدّه ولم يوضح كذلك إن كان محمول على الموظف إثبات المصدر الشرعي لأمواله وممتلكاته عند التدقيق في حساباته الشخصية بعد قيام الدّعوى ضدّه في تلك الجرائم وإن كان للمحاكم من أساسه أن تواصل التحقيق في تلك الجرائم وأن تواصل نشر القضايا المتعلقة بها بعد دخول قانون المصالحة الإدارية حيز التنفيذ.
ثمّ أن ما يمكن أن يكون عرضة للتأويل أو للتنقيح في الجانب المدني يتمثل في أن اعتبار الموظفين لم يقوموا بأخطاء مهنية أثناء مباشرتهم لوظائفهم في الحالات التي أشار إليها الفصل الثاني من قانون المصالحة الإدارية قد يترتب عنه عدم إمكانية تحميل الإدارة المسؤولية في جبر الضرر الناتج عن تلك الأخطاء بمقتضى الفصل 84 من مجلة الالتزامات والعقود علاوة على أنه يتضح من خلال نص القانون أنه لا يمكن بمقتضى الفصل 85 من تلك المجلة القيام مباشرة على الموظف عند رفض الإدارة تنفيذ حكم قضائي يقضي بتحميلها المسؤولية في جبر الضرر.
فخلافا للمصالحة الاقتصادية التي يمكن أن تشمل كذلك الموظفين الذين ثبت حصولهم على أموال بطريقة غير شرعية رغم أنه تمّ استثنائهم من قانون المصالحة الإدارية والتي يمكن أن ترجع بفائدة على المجموعة الوطنية عند دفع الخطايا وإرجاع ما تبقى من الأموال المنهوبة، فإن المصالحة مع الموظفين المتورطين في تجاوزات في حق المواطنين لا معنى لها دون الاعتراف بتلك التجاوزات كما أن محاسبة هؤلاء الموظفين أو ترك سبيلهم لا معنى له إن لم يكن ذلك مرتبط بضمان التعويضات المادية والمعنوية على ما تعرض إليه المتضرّرين من مظالم من هؤلاء الموظفين وإن لم تكن المحاسبة نفسها تهدف إلى إصلاح الإدارة من خلال تقصّي الحقائق عندما يمكن أخذ التدابير الضرورية بعد معرفة مدى تفشي ظاهرة الفساد الإداري والمالي.
وعلى هذا الأساس، فإنه يمكن الاستنتاج بأن من قام بوضع قانون المصالحة الإدارية كما هو عليه لم تكن له دوافع إصلاحية في حماية الموظفين المتورطين في الفساد الإداري والمالي وإنما كان ذلك محاولة منه لطمس الحقائق الموجعة التي يتمّ بموجبها التأكّد من أنه لا يمكن حاليّا لأي سلطة حاكمة أن تسيطر على الوضع في مرحلة متقدمة من الفساد والذي يجعل من الضروري التفكير في اللجوء إلى شريك خارجي يعهد له مؤقتا تسيير دواليب الدّولة في إطار صفقة تجارية يتحمّل وحده نتائجها بعد ضمان الإصلاحات الإدارية وتحسين الأوضاع الاجتماعية.
حيث أن كشف الحقائق للرّأي العام يمكّن من التأكّد بأنه أصبح من الضروري التخلي نهائيّا على جميع الأنظمة السياسية التي تقوم على الديمقراطية الوهمية بعدما تمّ إيهام الشعب بأن الرّأي الصالح لا يمكن أن يصدر إلاّ من تحت قبة البرلمان في حين انه لا يمكن أن يصدر إلاّ من الشارع الذي يعي بحقيقة الأوضاع وبعدما تبين بالكاشف أن الصراع على الحكم لم يكن بدافع العمل الصالح لتحقيق العدل وتحسين الأوضاع الاجتماعية بل أن ذلك كان يهدف بالأساس إلى حماية تكتلات بشرية من تكتلات أخرى عن طريق توظيف الديمقراطية للتحكم في سلطة القرار وفي موارد الدّولة حتى عند إدراك العجز التام على مقاومة الفساد الإداري والمالي.
ولذلك، فإنه يكون من الأجدر التوقع بأن المصالحة الإدارية يمكن توظيفها إيجابيّا في اقتراب الدّولة من المأزق الحقيقي الذي يتوقف فيه السلم الاجتماعي على تحقيق العدل بين الناس والذي يقتضي إيجاد توازن للتهدئة من خلال خلق مناخ لتسوية الوضعيات العالقة في المحاكم أو التي فات أجلها عن طريق الفصل في المظالم على مبدأ العدل والإنصاف وليس على مبدأ القانون مثلما أشار إليه الفصل 40 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية، وذلك في إطار مصالحة بين المواطن والديكتاتورية الإدارية تقوم بمقتضاها الإدارة مقام الموظفين المتورطين في التجاوزات تجاه المواطن وفي نهب المال العام على أساس جبر الضرر والكشف إلى الرّأي العام بحقيقة تلك التجاوزات وبمصير الأموال المنهوبة، حتى يمكن حينها تمرير قانون العفو العام على الموظفين الذي يتعلق فقط بالحق العام في إطار المصالحة الاقتصادية والذي يشترط في بنوده استرجاع الأموال المنهوبة وقبول المتضرّرين أفراد أو جماعات بالتنازل على حقهم الشخصي في المادة الجزائية مقابل الانتفاع بالتسوية في الجانب المدني من النزاعات على مبدأ العدل والإنصاف.
كلّ ذلك عندما تتوفر النوايا الحسنة لإعادة البناء والتخلي على المصالح الشخصية بعد الاقتناع بالفشل السياسي في إدارة دواليب الدّولة وبأن المصلحة الوطنية تقتضي عدم المغامرة من جديد بمصالح المواطنين في المواصلة بإدارة كانت تقوم على الثقة المغشوشة والتي يقتضي إصلاحها أن تقوم في المستقبل على الرقابة الخارجية ثمّ على رقابة مستقلة على السلطة الحاكمة سواء كان ذلك في تعيين الموظفين أو في أخذ القرار الإداري والتصرّف في المال العام
الهاشمي حمدي
ربّان وخبير بحرية تجارية
ماجستير الأكادمية البحرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.