وزير الفلاحة: سنُعالج الإخلالات الواردة في تقرير هيئة الرقابة الادارية    المنتخب الوطني للأكابر: موعد الإعلان عن القائمة وبرنامج التربص    فتح باب الترشح للدورة 36 لمهرجان المحرس الدولي للفنون التشكيلية    بداية من اليوم.. مدينة الثقافة تحتضن الدورة السادسة للمهرجان الدولي للموسيقيين والمبدعيين من ذوي الإعاقة    من سويسرا: وزير الصحة يستعرض الاستراتيجيات الوطنية في مجال علاج أمراض القلب الروماتيزمية    %50 خسائر قيمة الدينار بسبب إملاءات صندوق النقد    رئيس الدولة يُغادر أرض الوطن في اتجاه الصين    27 ألف مشجّع للنادي الافريقي في دربي العاصمة    كرة اليد: 2200 تذكرة فقط لنهائي الكأس    عاجل : شكاية جزائية ضد وزيرة العدل ليلى جفال    الشركة التونسية للبنك STB : تعيين نبيل الفريني مديرا عاما    الجفاف يفاقم مشاكل التشغيل في المغرب    بطولة رولان غاروس: تأهل الكازاخستانية الينا ريبكاينا الى الدور الثاني    عاجل : الديوانة بميناء حلق الوادي تحبط محاولة تهريب'' زطلة و مخدرات ''    حجز أكثر من 67 ألف قرص مخدر على الحدود التونسية الجزائرية    بن عروس: متابعة ميدانية لوضعية المحصول بالمساحات المخصّصة للزراعات الكبرى    تذمّر المواطنين بسبب غلاء أسعار الأضاحي..التفاصيل    رسميا: إستبعاد نجم ريال مدريد من منافسات يورو 2024    لأول مرة : اعتماد الكشف الطبي الاستباقي للحجاج التونسيين سواء على متن الطائرات أو فى أماكن إقامتهم    عاجل/ اعتراف إيرلندا بدولة فلسطين يدخل حيّز التنفيذ    عاجل/ حريق مستودع الحجز البلدي ببنزرت: إصدار بطاقة إيداع بالسجن    جلسة في البرلمان غدا الاربعاء    حادث مرور مروّع في القصرين    وزير التجارة الجزائري يدعو إلى عقد منتدى أعمال ثلاثي جزائري تونسي ليبي    الدوري المصري: سيف الدين الجزيري يرفع عداده مع الزمالك    بعد 17 ميدالية في بطولة اليابان... المنتخب الوطني لذوي الإعاقة يصل تونس    عاجل : حريق داخل مصنع التبغ و الوقيد بالقيروان    عاجل :عطلة بيومين في انتظار التونسيين    هيونداي تونس تتوج بعلامة "أفضل علاقات عامة" في المؤتمر الإقليمي لشركة هيونداي موتور في جاكرتا    بنزرت الجنوبية: حريق يأتي على 3 هكتارات من القمح    طفل من كل 8 في العالم ضحية مواد إباحية و هذه التفاصيل    حوادث: 8 حالات وفاة خلال 24 ساعة..    قفصة: القبض على 5 أشخاص من أجل ترويج المخدّرات    عاجل/ هذا ما أمر به رئيس الدولة وزير الداخلية الجديد..    سليم شيبوب :'' الأهلي المصري أهان جماهيرنا و يتحمل المسؤولية''    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    اتصالات تونس تتيح استعمال تطبيق هويّة رقميّة "E-Houwiya"    المرصد التونسي لحقوق الإنسان : هذا موعد إعادة فتح معبر رأس جدير    في الملتقى الوطني للتوعية والتحسين البيئي... ياسين الرقيق يحرز الجائزة الأولى وطنيا    في إطار تظاهرة الايام الوطنية للمطالعة بعين دراهم ...«الروبوتيك» بين حسن التوظيف والمخاطر !    هذا فحوى لقاء رئيس الدولة بالصحفي الفلسطيني وائل الدحدوح..    سعيّد يُشرف على جلسة عمل لاستكمال تنقيح الأحكام المتعلقة بالشيك دون رصيد    فضيحة ساعات "الروليكس" تلاحق رئيسة بيرو.. شكوى دستورية في حقّها    سعيد.. حق الشعب التونسي لن يسقط بالتقادم أو، كما يتوهّم البعض، بأوراق الاقتراع    4 ألوان تجذب البعوض ينبغي تجنبها في الصيف    وزير الصحة يؤكد مواقف تونس الداعمة لاعتماد معاهدة الوقاية من الجوائح الصحية    بسبب ارتفاع درجات الحرارة .. تقديم موسم حصاد الشعير ببنزرت    النجمة سيلين ديون ستغني في حفل مباشر للمرة الأخيرة في حياتها    بن عروس : اختتام الدورة الثالثة والثلاثين لمهرجان علي بن عياد للمسرح    ميناء حلق الوادي: حجز 12 صفيحة من مخدّر القنب الهندي وحوالي 1000 قرص إكستازي لدى مسافر تونسي    ثلاثة أفلام تونسية في الدورة 24 من مهرجان روتردام للفيلم العربي    بن عروس : 14 مؤسسة تربوية تشارك في الملتقى الجهوي للمسرح بالوسط المدرسي    يقلل مؤشر نسبة السكر في الدم...فوائد لا تعرفها عن تجميد الخبز    هذه أعراض الإصابة بضربة شمس دكتورة توضح    أولا وأخيرا «عظمة بلا فص»    أليست الاختراعات التكنولوجية كشفٌ من الله لآياته في أنفس العلماء؟    معهد الفلك المصري يكشف عن موعد أول أيام عيد الأضحى    مواقف مضيئة للصحابة ..في حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البنك المركزي بين الاستقلالية و المسؤولية
نشر في الخبير يوم 24 - 03 - 2019

عاد الجدل من جديد حول جدوى استقلالية البنك المركزي التونسي عن السلطة السياسية، وذلك اثر قرار مجلس إدارة البنك المركزي التونسي يوم الثلاثاء 19 فيفري 2019 الترفيع في نسبة الفائدة المديرية للبنك المركزي التونسي ب 100 نقطة أساسي، وما صاحبه من ردود أفعال مستهجنة ورافضة لهذا القرار، وذلك لتداعياته المباشرة على الاقتصاد الوطني وخاصة منه الاستثمار .
بدأت فكرة استقلالية البنك المركزي عن السلطة السياسية تشق طريقها إلى أرض الواقع مع نشوب الخلاف بين الرئيس السابق المنصف المرزوقي ومحافظ البنك المركزي في ذلك الحين مصطفى كمال النابلي لتتجسد في قانون عدد 35 لسنة 2016 مؤرخ في 25 أفريل 2016 باستقلالية جهاز من أجهزة الدولة بعهدته الإشراف على جزء مهم من السياسة الاقتصادية العامة لبلاد.
الجدل حول استقلالية البنوك المركزية عن الحكومات ليس بالجديد، وقد تناوله كثير من المهتمين بالشأن المالي والاقتصادي بالبحت و الدراسة.
فمنذ أكثر من عشرين سنة بدأت فكرة تحويل مسؤولية السياسة النقدية من الحكومات إلى البنوك المركزية، استجابة للشروط المسبقة التي فرضتها معاهدة ماستريخت » Maastricht « على الدول الأوروبية الراغبة في تحقيق الوحدة الاقتصادية والنقدية. فقرت الهيئات التشريعية في معظم بلدان الإتحاد الأوروبي تفويض البنوك المركزية بعبء السياسة النقدية. وشمل هذا الاتجاه فيما بعد كثير من بلدان العالم.
لكن ماذا تعني استقلالية البنك المركزي؟
الاستقلالية ترتكز بالأساس على أربعة أبعاد:
* استقلال قانوني عن الدولة، خاصة فيما يتعلق بتعيين ومدة ولاية محافظ البنك أو هيئته التنفيذية.
* استقلال أدوات السياسة النقدية: معدل الفائدة، السيولة، وما إلى ذلك.
* الاستقلال أهداف السياسة النقدية: كاستهداف نسبة معينة من التضخم.
* قواعد الحد من تمويل الخزينة العامة للدولة.
يبقى الهدف النظري من إعطاء البنوك المركزية المزيد من الاستقلالية عن السلطة السياسية هو ضمان استقرار الأسعار وضبط معدلات التضخم في حدود منخفضة و مستقرة.
جملة من الأسئلة تتبادر إلى الذهن.
هل من الحكمة تكليف شخص، أو مجموعة صغيرة من الأشخاص تعد على أصابع اليد، أو ما يعرف بالبيروقراطية المالية، بالتصرف بآلية خطيرة كالسياسة النقدية ؟ أقتبس مقولة الاقتصادي المعروف ملتون فريدمان – Milton Friedman – صاحب جائزة نوبل لسنة 1976 حين يقول في خصوص البنوك المركزية » النقد أخطر من أن نجعله بين أيدي موظفي البنوك المركزية «
هل أن البنك المركزي لا يمكن أن يكون مستقلاً إلا اذ تمرد على السلطة التنفيذية ؟
وهل عدم انضباط البنك يخدم الاقتصاد الوطني ؟
لنلقي نظرة على بعض بنوك مركزية قوية وفعالة و محترمة في الأوساط المالية العالمية.
فبنك انكلترا أحد أقدم البنوك المركزية في العالم، تأسس سنة 1694 بهدف تقديم قرض للحكومة الإنكليزية مقابل منحه امتياز إصدار النقود. فبالرغم من أن البنك كان ملكية خاصة، كانت الكلمة الأخيرة للحكومة في حال وجود تباين في وجهات النظر بين البنك و الحكومة الإنكليزية، وهذا ما بينه اللورد مونتاغو نورمان ( Montagu Norman) محافظ بنك انكلترا لمدة 24 سنة (1920-1944) حين سئل عن العلاقة بين البنك و الحكومة فيما يتعلق بالسياسة النقدية، فأجاب بأن للبنك الحق في تقديم المشورة إلى الحكومة إلى درجة الإلحاح على تبني وجهة نظره، ولكن الكلمة الأخيرة ترجع بطبيعة الحال للحكومة. حتى بعد تأميم البنك عام 1946 تضمن القانون الأساسي للبنك، نصاً يفيد بأن لوزارة المالية الحق، وبعد استشارة محافظ البنك إصدار توجيهات للبنك تراها في خدمة الصالح العام. في سنة 1997 كلفت لجنة السياسة النقدية (Bank's Monetary Policy Committee) بمسؤولية تحديد نسب الفائدة، وبالرغم من أن اللجنة مستقلة عن السلطة السياسية وتابعة لبنك إنكلترا، فمن واجبها دعم السياسات الاقتصادية للحكومة، ومساعدتها على تحقيق أهدافها للنمو والتشغيل. لذلك كان من بين الأعضاء الثمانية المتكونة منهم اللجنة أربعة أعضاء معينين من قبل وزير المالية.
أما بنك اليابان الذي تأسس عام 1882، أحد البنوك الثلاثة المركزية الرئيسية في العالم، اكتسب استقلاله عن الحكومة اليابانية وفقا لقانون 1 أفريل 1998، و مثل جميع البنوك المركزية الكبرى، فهو المسؤول عن تنفيذ السياسة النقدية للبلاد، وضمان استقرارها المالي. والجدير بالذكر أن المادة 4 من القانون البنك تنص على أنه في تسيير السياسة النقدية وسياسة سعر الصرف، يحتفظ بنك اليابان باتصال وثيق مع الحكومة اليابانية، وذلك تمشيا مع السياسة الاقتصادية لهذه الأخيرة. فالمثير للدهشة أن نرى تمكن هذا البلد من الحفاظ على معدلات تضخم منخفضة ومستقرة بالرغم من ضعف درجة استقلالية البنك عن الحكومة.
نفس النتائج التي حققها الاقتصاد الألماني الذي يعرف بنكه المركزي Bundesbank بأعلى درجات الاستقلالية عن الحكومة الألمانية. فالبنك المركزي الألماني يعتبر النموذج للبنك المستقل عن السلطة السياسية منذ سنة 1949، ونجاحه في إدارة السياسة النقدية يعتمد بالأساس على التنسيق التام مع الحكومة الألمانية.
فقوة و تأثير هذان البنكان، بالرغم من تفاوت درجة الاستقلالية عن السلط السياسية، تكمن بالأساس في قدرة مسؤوليه على التواصل مع أجهزة الحكومة، وقدرتهم على الإقناع بوجهة نظرهم، فضلا على علمهم وكفاءتهم.
أما مجلس الاحتياطي الفيدرالي » Federal Reserve System » البنك المركزي الأمريكي، فهو ملزم بمساندة النمو الاقتصادي و ضمان التوظيف الكامل لليد العاملة. يشرف على المجلس، مكتب المحافظين، يضم سبعة أعضاء معينين من طرف الرئيس الأمريكي و مصادق عليهم من مجلس النواب.
أما دول جنوب شرق آسيا، – كما في حالة اليابان – فمن أسباب نجاح هذه البلدان في التنمية الاجتماعية و الاقتصادية ، توجيه آليات السياسة النقدية والادخار لتنمية مختلف القطاعات الاقتصادية ، فتبعية بنوكها المركزية للسلط السياسية و الإدارية كان خير معين لتصنيع هذه البلدان.
أن السياسة النقدية هي جزء لا يتجزآ من السياسة الاقتصادية العامة للحكومة فلا يمكن لهذه الأخيرة إنجاح برنامجها الاقتصادي و الاجتماعي بدون التنسيق بين مكونات هذه السياسة، كسياسة الأجور و الأسعار، و سياسة القروض، وسياسة النقد، و سياسة ميزانية الدولة، … فلا يمكن للبنك المركزي رسم السياسة النقدية بمعزل عن الأجهزة الأخرى للدولة. ففي حال التضارب بين السياسية النقدية وسياسة الميزانية، وتمسك كل من البنك المركزي و الحكومة بموقفهما، فالنتيجة الحتمية شلل اقتصادي يصيب البلاد.
فنظرية البنك المركزي المستقل لا تؤدي بالأساس إلى التحكم بالتضخم و الأسعار ولكن تناغم البنك مع منظومة مؤسسات الدولة هي التي تسمح بالوصول لهذا الهدف.
أرى من الضروري ، التفكير في بعث هيئة مستقلة تابعة للبنك المركزي تشرف على السياسة النقدية للبلاد ، تضم ثلة من الخبراء و المفكرين في ميادين النقد و المالية و الاقتصاد، تمثل مختلف المدارس الاقتصادية وممثلين عن الحكومة و مجلس النواب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.