"نلعب ولاًّ نحرّم" من منّا لا يعرف هذه المقولة الشهيرة التي كان يطلقها شاب نزل للميدان متأخرا ولم يجد مكانا له للعب مباراة كرة قدم في البطحاء، ليس همّه... أن يكون مع فريق بذاته، المهمّ أن يكون مع أي فريق كان، أو أن يحرّم على الآخرين. من منّا لا يتذكر ملامح هؤلاء الذين يريدون اللعب أو يحرّمون؟ أتذكّر ملامح العديد منهم، كلّها شبيهة ببعضها البعض، أتذكرها جيّدا جيّدا، فعادة ما يكون هذا الذي يريد أن يلعب أو يحرّم متأخّرا، لو وصفته لقلت بأنه منحرف، مفتخر بعضلاته، يمشي مختالا، نظراته حادة لكن لا معنى لها فهو لا يقدر أن ينظر لنا مباشرة في أعيننا، فهو ينظر بين الوجوه، وبين الأعين، أكيد لأنّه يعرف نفسه مخطأ، هو لا يعرف معنى التواصل والتخاطب، ليس للصبر معنى لديه، مدلّل، يريد أن يقضي حاجته في التوّ، صاحبنا ذو هشاشة نفسية كبيرة، آليّات دفاعه النفسية تمنعه من أن يكون متّزنا أو ناضجا، كلماته قبيحة، كلّها كفر وسب وشتم، لا تحمل سوى معاني الجنس، ومعنى الشهوة، ومعنى الشبق، ومعنى الرغبة، كلماته تدور حول نصفه الأسفل من الأمام ومن الخلف. كان يعتقد أن من حقّه اللّعب مع أحد الفريقين. تراه يدخل الملعب، يفتك الكرة، يدفع حارس المرمى، يرمي بالحجارة التي نرسم بها حدود المرمى حتى لا يكون للمرمى حدود، ويمحو ما رسمناه من خطوطٍ للتماس حتى يربكنا ويكون ذلك مصدر خلافاتنا وصراعاتنا، يختار من في الفريقين معروف بطيبته وأخلاقه، فيشتمه، ويرمي بساقيه ضاربا ساقيه، يرمي بالحجر هذا الفريق وذاك، المهم بالنسبة له أن يحرّم اللعب ما لم يلعب. كنت أتذكر أن هناك من يتدخّل ليردّ عليه بمثل ما فعل، فيعنّفه، أو يرميه بحجارة، أو يدفعه، لتأخذ العلاقة شكلا من أشكال الحرب الفردية، وتكبر أحيانا المعركة، وتسيل الدماء، ويتعاطف مع الذي يريد أن يحرّم البعضُ من أصدقائه وأصحابه وجيرانه الشبيهين به والتي تجمعهم نفس المصالح، والبعض من بني بلدته وقريته تأخذهم نعرة العصبية القبلية والجهوية، وتكبر المعركة، لتصير معركة سيوف وأحجار، ويُحرم الجميع من اللّعب، وهنا وصل هذا الشاب إلى مبتغاه فقد قال منذ البداية نلعب وإلا نحرّم. كما أتذكّر أنه في أحيان أخرى هناك من كبار الفريقين من يذهب إليه ويفسّر له بأن عدد الفريقين إكتمل ولا مجال له أن يلعب الآن، وأنّ عليه أن يصبر لآخر الشوط الأوّل أو بداية الشوط الثاني، وأنّ عليه إذا أراد اللعب من أوّل المباراة أن يأتي باكرا، وأن يساهم في إعداد الملعب، وأن يتواصل مع الجميع فلا يكون عدوانيا، ولا يكون متكبّرا، ولا يكون حادّ الطباع، ولا يتلفّظ بعبارات نابية، ولا يسبّ أحدا ولا يشتم. ورغم كلّ ما يبذله كبار الفريقين من مجهودات في إقناعه، إلا أن عقدَه النفسية ونزعتَه المرضية، وسلوكه اللاّإجتماعي، وحقده، وحسده، وعدم قبوله بمبدإ الربح والخسارة، كلّ هذا يجعل منه لا يقبل حديث أيّ كان ويواصل في تعنّته وتشبّثه باللعب في الحال والتوّ... وهنا أتذكّر حلولا أخرى كان يجدها البعض منّا، وكانت تأتي أكلها في أغلب الأحيان...