لا يختلف اثنان على أن الثورة قامت على الفقر والبطالة والمحسوبية وكل أنواع الظلم التي يعيشها المواطن داخل المجتمع التونسي أملا في تحسين ظروفه... الاجتماعية والاقتصادية وتوفير السبل الضرورية للعيش الكريم.لكن الطريف في الأمر والذي أعتبره شخصيا من المضحكات المبكيات هو أن الثورة التي أوقد شرارتها الأولى البطالة بما في ذلك أصحاب الشهائد العليا ومتخرجي الجامعات وقد تم استغلالها من طرف الموظفون وأصحاب المناصب وذوي النفوذ طمعا في زيادة الأجور والتمتع بالمزيد من المنح .وكل هذا على حساب المواطن البسيط الذي بقي على نفس الحال هذا إن لم نقل قد تعمقت مأساته ومعاناته بصفة محزنة.وفي ظل هذا الوضع تبقى الحكومة المتهم الأول والمسؤول الوحيد عن كل ما يحصل وكيفما كانت ردة فعلها إزاء هذا الوضع وطريقة تجاوبها مع المطالب التي تنهال عليها من كل صوب.وتبقى ممزقة بين الطرفين,فإما أن تستجيب لمطالب الطبقة البسيطة جدا والتي ترزح تحت درجة الصفر وتمد لها يد العون في حدود ما تقدر عليه,وإما أن تخضع لرغبات أصحاب مواطن الشغل والوظائف العمومية والخاصة طمعا في تحقيق الكماليات إذا جاز القول,فتبقى الحكومة في حالة مد وجزر بين هذا وذاك ولا تقدر على تحسين وضعية كلا الطرفين. فمن المفارقات التي قامت عليها الثورة هو أنها ثورة للقضاء على البطالة كهاجس جماعي نجد أنها بلغت ما نسبته 18c/o وأصبح صاحب الوظيفة بلا عمل لينظم بذلك إلى لائحة ال"عاطل عن العمل" التي بدأت تطول بسبب الإضرابات والإعتصامات والمطالبة بالزيادة في الأجور وتنظيم الوقفات الاحتجاجية وهو ما يزيد الطين بلة وعوض أن يحسن الأوضاع يزيد من تفاقمها وتأزمها جراء إغلاق المصانع والشركات الأجنبية المستثمرة في البلاد والتي حولت وجهتها إلى محيط أكثر وعيا وعلى درجة كافية من المسؤولية وبالتالي سيبقى المجتمع التونسي هو المتضرر الوحيد من كل هذا نظرا لتراجع الإنتاج وضعف المردودية وتردي الاقتصاد بصفة عامة.وهو ما يشكل خطورة على وضع البلاد الذي يستوجب منا الحذر وتضافر كل الجهود لإنقاذ ما أمكن وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة لأن الحكومة بمفردها لن تقدر على فعل شيء "يد وحدة ما تصفقش" ومهما فعلت فستظل في كل الحالات مدانة من بعض الأطراف,لأنه من باب المستحيل إرضاء الجميع وحل مشاكل تراكمت على امتداد 23 سنة في وقت قياسي وأن تصلح ما أفسده النظام السابق بين ليلة وضحاها.فالمطلوب في هذه الفترة الحرجة هو أن لا نثقل كاهلها بالمطالب ولا نعطل عجلة الاقتصاد بالاعتصامات وأن نمنحها الوقت اللازم ونوفر لها الأرضية الملائمة لتطبيق برنامجها الإصلاحي وإرساء خططها التنموية في البلاد لتوفير مواطن الشغل المرجوة.فما يجب أن يعيه كل فرد هو أن الفرج درجات لا يأتي دفعة واحدة وأن نتبع سياسة المراحل في ذلك,لأن الاعتصامات والإضرابات لن تفيد في شيء بل على عكس ذلك هي أنجع طريقة لانهيار البلاد وخنق الاقتصاد,وإن دلت هذه الثقافة والعقلية الرجعية على شيء فعلى قصر في النظر وانعدام الإحساس بالمسؤولية وطغيان نزعة الأنانية والركض وراء المصالح الخاصة والزائلة. وما المعتصمون والمضربون ومثيري الشغب إلا امتدادا لنظام بن علي الذي نجح إلى حد الآن في ضمان استمرار سلالته داخل البلاد.وهو ما يجب علينا أن نتفاداه ونجنب تونس من أن تكون مسرحا لمعارك حزبية وتيارات متضاربة, وهو ما يجب اعتباره رهانا وطنيا وعلى الحكومة أيضا أن تسعى من جهتها إلى منع حصول هذا بكل ما تقدر عليه من إمكانيات. فتحية علاية