كان لابد للعدو الصهيوني أن يتدخل ليخيم السرطان الإسرائيلي بظلاله على سماء الشرق الأوسط وان تمتد زعانف أحفاد بن غوريون... في خريطة ارض الشام التي تم تفتيتها منذ سقوط الرجل المريض الإمبراطورية الإسلامية العثمانية سنة 1924. كان لابد من ان يتورط البعث السوري في مسعاه للهيمنة على التراب الصغير لبلد الأرز لبنان فوجد النظام البعثي نفسه في اصطدام مباشر مع حكومة أمين الجميل المسيحية لتشتعل نيران أخرى من حرب السوريين مع الكتائب. "وتصدرت إسرائيل للدفاع عن المسيحيين وأعلنت من القدس انها "لن تقف موقف اللامبالي" اذا استمرت "مذبحة" المسيحيين في زحلة. وكان الجميل قد اخبر الإسرائيليين بأنه إذا سقطت زحلة وسقط جبل صنين فان السوريين سيضمنون هيمنتهم على لبنان كله. وكان من الواضح ان ذلك شرك لجر الإسرائيليين الى لبنان. ومن المؤكد ان هذا هو ما رآه الميجر –جنرال يهوشوا ساجوري رئيس مخابرات الجيش الإسرائيلي فيما قاله الجميل. إلا أن رفائيل ايتان رئيس اركان الجيش الإسرائيلي اقترح القيام بغارة جوية على الطوافات التي كانت تزود القوات السورية على سفوح صنين بالإمدادات." ولان الحرب تستبيح كل عناوين التضليل الأعلامي يقصد وصفت القوات السورية تلك الطوافات على جبل صنين كما يلي: "ان تلك الطوافات التي قال السوريون بنها لم تستخدم إلا في أعمال الشحن شنت هجوما مفاجئا على الكتائبيين في صنين. وفي 28 أفريل أرسلت إسرائيل طائرات ف-15وف-16 لمهاجمة الطوافات السورية وأسقطت اثنتين منها. إلا أن هذا لم يفد الكتائبيين الذين تواروا في مراكزهم الخلفية." فماذا كانت ردود القوات المسيحية على هذه التظليلات السورية؟ "في أواسط عام 1981 وجدت الميليشيا المسيحية ترابط في مربض مدفعية مورتر قذر تحيط به أكياس الرمل على علو 7500 قدم فوق جبل صنين. واضطر الكتائبيون بسبب هذا العلو الى ربط دوارق الماء بصدورهم لكي لا يتجمد. وكانوا يجثمون في خنادقهم الصلبة المكسوة بالصقيع بينما كانت تمر فوق رؤوسهم قذائف طائشة تطلقها دبابة سورية على بعد ميل. وكان من الصعب على المرء هناك ان يتنفس بسبب قلة الهواء وانخفاض درجة الحرارة الى ما دون الصفر. ووجدت نفسي هناك ألهث كالحيوان وابتلع الهواء المتجمد الذي كان يلسع داخل رئتي ويجعلني اسعل. ورحب بنا الكتائبيون في مركزهم الصغير المنعزل بحماسة شبيهة بحماسة المسنين الذين يتساءلون لماذا نسيهم أقرباؤهم في أخريات حياتهم. وكانوا يحومون بسرعة حول عشهم ويطلقون بضعة قذائف من مدفع المورتر، حتى إذا رد السوريون اخذوا يصرخون بصوت غريب يمتزج فيه الخوف والإثارة. وكانت هذه الحرب كما وصفها ملازم كتائبي من محبي الفرنسيين عندما ركضنا وجثمنا وراء أكياس الرمل "حربا كئيبة"، إذ كانت من الحروب التي لايرغب أي من الطرفين كثيرا في كسبها. واستطاع السوريون أن يمنعوا الكتائبيين من إكمال الطريق الى زحلة، ومنع الكتائبيون السوريين من الوصول الى فاريا منطقة التزلج والطريق المؤدية الى البحر. وكان السوريون فوق أعلى قمم صنين. لكن المسيحيين كانوا تحتهم وعلى مسافة تقل عن خمسين قدما. وبدا وكان الطرفين كانا راضين بهذا الترتيب الجغرافي. على انه هنا فوق صنين كان من السهل على المرء أن يلاحظ أن كلا منهما كان يخشى قوة الآخر. قال الملازم الكتائبي: "انظر إلى حافة أكياس الرمل. اذا رفعت عينيك قليلا فانك ترى البقاع". وفعلت ذلك فاستطعت رؤية وادي البقاع الأخضر ينعم بالحرارة في مكان بعيد الى الشرق، ووراء الجبال على حدود سوريا." قراءة وتعليق: منذر شريط