عاش المواطن التونسي على امتداد عقود على وقع أنغام خطاب مبهرج و منمق وزائف, الأمر الذي عمق الهوة... بين المواطن و الخطاب السياسي خاصة بعد ثورة 14جانفي فالكل أصبح يشكك في مصداقية ما يرى و ما يستمع إليه و ما يقرأه من الأخبار المتعلقة بالأوضاع في البلاد سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. الكل أصبح حذرا و على درجة قصوى من الاستنفار تجاه أي خطاب رسمي بالخصوص ذلك الذي يصدر عن أطراف سياسية , لن نتحدث عن الخلفيات الفكرية للمواطنين من الأحزاب و لكن ما يهمنا هو كيف تكسب هذه الأحزاب و هذه الحكومة ثقة المواطن وأي خطاب سياسي يمكن أن تستعمله من اجل استعادة الثقة المفقودة حتى تكون حقيقة الوضع والإصلاحات على مرأى و مسمع الجميع ؟ كتب احد المواقع الالكترونية تصريحا جاء على لسان احد المشاركين في مؤتمر علمي بعنوان "الثورات والإصلاح والتحول الديمقراطي في الوطن العربي: من خلال الثورة التونسية" و الذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة وذكر المتحدث أن الخطاب الرسمي في تونس كان يتفنّن في الاستثمار السياسي لمعطيات و إحصائيات و قع التلاعب بها من اجل التدليل على مدى نجاح السياسة الاجتماعية التونسية في احتواء ظاهرة الفقر. وقال المشارك حسب ما نشر في الموقع إن لعبة الأرقام وفخّ القياس المضلّل وقصّة الترتيب الدولي الجيّد لتونس في بعض المجالات، وإن بدت مقنعة في بعض وجوهها، لم تكن كذلك في أغلب الأحيان حتى لدى هؤلاء الساهرين على إنتاج تلك الأرقام وصناعة ذلك الترتيب. وأضاف المتحدث أن أسطورة "المعجزة الاقتصادية" ظلّت وهما ونشيدا رسميّا ما فتئت السلطة السياسية في تونس تتغنى به وتستثمره لتلميع صورة النظام وتأكيد صواب الخيارات التنموية المتبعة في تونس في العقدين الأخيرين. لكنّ تلك الأسطورة، وإن بدت مقنعة في بداية الأمر ويسيرة التمرير، سرعان ما فقدت بريقها عندما اصطدمت بواقع محلّي ومعيشيّ يومي مختلف وداحض لها، وبدا المواطن التونسي البسيط، الذي يقال عنه إنه لا يستبطن العداء للسلطة السياسية إذا ما كان آمنا في خبز يومه وقوت عياله، أكثر استخفافا بأسطوانة "ازدهار الاقتصاد التونسي"، وانشرخت تلك الأسطوانة أمام واقع الغلاء المتزايد في أسعار المواد الأساسيّة والمحروقات والارتفاع المشطّ في مستوى المعيشة ومصاريف التنقل واستهلاك الماء والكهرباء والغاز، وانعكاسه على مختلف شرائح الخريطة الاجتماعية بمن فيهم أصحاب الجرايات المستقرة من المنتمين للطبقة الوسطى. وذكر نفس المصدر ان قصص الحرمان والفقر المدقع وصور البطالة طويلة الأمد وقصص قوارب الموت وأخبار غرق شباب الهجرة غير المشروعة وانتشار شركات السمسرة بالنفوذ وبيع الأحلام لطالبي العمل أو الهجرة أو الثراء غير المشروع، بقيت شواهد دامغة معبّرة بقوّة عن واقع اقتصادي واجتماعي لم يطله أثر "المعجزة الاقتصادية" من بعيد أو قريب، وإن بدت مناطق الشمال والساحل أقلّ تلميحا إلى ذلك الواقع فقد كانت المناطق الداخلية أكثر تصريحا وبوْحا به. من هذا المنطلق وجب توخي منحى سياسي أكثر شفافية وصدق منحى يقترب من المواطن و ينطلق من واقعه و يلم بمشاغله و تطلعاته ,خطاب يقطع مع الطوباوية واللغة الخشبية التي لا تخدم إلا مصالح النخبة و لا يفهم مضمونها و لا ابعادها المواطن البسيط . الوضع الراهن في تونس يتطلب حنكة في إدارة الأزمات لأننا شئنا أم أبينا نعاني شرخا عميقا في العلاقة بين المواطن و الخطاب السياسي و ليس من المنطقي بعد هذه الثورة و بعد الاستفاقة من دمغجة أدت بالشعب إلى تضليل نسبي العودة إلى أساليب الوعود و فتح الأفاق في الظلام فالكل بات واع و لم يعد هنالك ما يمكن إخفاؤه و أنجع وسيلة لتفادي منزلقات خطيرة و احتقان اخطر هو التواصل و بكل شفافية وصدق مع الشعب في كل الظروف و الوضعيات و عدم توخي سياسة الصمت و اللامبالاة لأنها سياسات تعمق الأزمات و هذا ما تشهد به جل نظريات الاتصال سواء السياسي أو الاقتصادي. نجوى عبيدي