العدالة الانتقاليّة الوهميّة ما بعد الثورة إشكال في تسويّة الوضعيّات الإداريّة بعد تكليف الحكومة بمراجعة النصوص الترتيبيّة للقوانين.... إن تسلسل الأحداث يكون كافيا لإدراك وجود اثر لأصحاب نفوذ حقيقي فوق جميع الحكومات المتتالية يصعب تحديدهم ولهم القدرة على تركيب النظام في شكل لعبة سياسيّة تكون في ظاهرها ديمقراطيّة وتمكّن من الدّفع بالسّلطة الفعليّة نحو عدم التوصّل تحت الضّغط إلى السّيطرة على الوضع و إلى إيجاد الحلول المناسبة في الوقت المناسب وذلك بعد دراسة المشاكل الرئيسية مقارنة مع الإمكانيّات البشريّة والماديّة المتاحة في إطار تنفيذ مخطّط دمار شامل باستعمال جميع وسائل إحباط العنصر البشري وبالتعاون مع منظومة الفساد والاستبداد التي لا تزال تتحكّم في القرار بأغلب هياكل الدّولة على غرار الإدارة العامة للبحريّة التجاريّة التي لم يبالي جميع المكلفين بإدارتها في المغالطة والتستر على التجاوزات المتعلقة بإصدار وتطبيق قوانين لا تعتمد القاعدة المنطقيّة. وعلى ما يبدو فان أصحاب النفوذ الحقيقي لهم ما يكفي من الوقت ومن المال حتى يحوّلوا البلاد إلى اّرض تحكمها الهمجية وغير قابلة للاستغلال في انتظار تسليمها إلى من يخدم مصالحهم أو يقبل بشروطهم خاصة إذا تسبب تدهور الأوضاع في تصادم بين الحكومة والمعارضة وفي حالة من الانفلات تفقد التوازن الأمني كما أن منظومة الفساد والاستبداد لها القدرة على التستر على التجاوزات وعلى إرباك الحكومة عن طريق المظالم والمحسوبيّة في انتظار إعادة التمركز السّياسي ليتحوّل الوضع إلى معادلة يصعب حلها في الوقت الرّاهن رغم توفر النوايا الحسنة لتحقيق العدالة الانتقالية وترديد شعارات المسائلة ثم المحاسبة ثم المصالحة وكأنها إجراءات عادية يسهل تفعيلها في إطار قانوني ينظم الآليات المختصّة علاوة على أن إعادة فتح ملفات الفساد تتطلب متابعة من الرّأي العام. أمّا من ناحية أخرى فإن الحكومة قد تتجنب في حالة عدم الاستقرار الوقوع في مأزق عند محاولة تحقيق العدالة الانتقالية بما أن الأطراف المتورّطة في المظالم تتحكّم حاليّا في سير اغلب المؤسسات العموميّة وبإمكانها أن تسبّب عجزا في إدارة دواليب الدّولة كما أن التعويض عن الأضرار الناتجة على تركة ثقيلة من الاستبداد قد يتجاوز بالفعل قدرات الميزانية الموضوعة على ذمّة الحكومة غير أن قلب الموازين لإعادة البناء تدريجيّا بالتخلص من كل من يقود البلاد نحو الدّمار الشامل يكون من الحلول الضروريّة التي توفر في نفس الوقت فائض أجور تدفع حاليا إلى العابثين والانتهازيين ويتمّ ذلك في إطار قانوني يتمثل في إجراءات وقائية واستثنائية تعتمد فقط على توفر أسباب الشبهات في اخذ قرارات الإقالة أو الإبعاد من مركز النفوذ بالرجوع إلى ملفات الفساد. إن الإشكال المطروح في تسويّة الوضعيّات الإداريّة بمقتضى القانون المنظم للسّلطات العموميّة يتمثل في تكليف الحكومة بمراجعة النصوص الترتيبيّة للقوانين والتي قامت منظومة الفساد والاستبداد باستغلالها لتغطية جميع الانتهاكات المتعلقة بالأساس بحق الشغل وبالتالي فانه من غير المنطقي تكليف العناصر المتورّطة بتغيير نصوص قانونيّة سبق وان وضعتها بنفسها لأهداف اقصائيّة على غرار الشروط التعجيزيّة المتعلقة بتجديد فاعلية المؤهلات البحرية والتي مكّنت من إحداث أزمة يد عاملة لتبرير الحاجة إلى مساعدات فرنسيّة تمّ منحها على أساس إحداث مركز بحري في مجال الرّسكلة والتكوين حسب اتفاق التمويل المبرم في الغرض كما وفرت أرضية مناسبة للمساومة والمحسوبيّة من طرف المتآمرين بإدارة رجال البحر الخارجة حاليّا عن سيطرة وزير النقل. وبالتالي فإن الإصلاح القانوني والمتمثل في الطّعن في شرعيّة النصوص الترتيبيّة للقوانين عن طريق هيئة قضائية يكون أوّل خطوة لتحقيق العدالة الانتقاليّة بما انّه يثبت أسباب تعطيل المصالح وكذلك إدانة المتورّطين في التلاعب بالقوانين ولا يكون بإمكان المحاكم الإداريّة أو الدستوريّة لاحقا تعديل النصوص الترتيبيّة حتى وان صدرت أحكام في إلغائها ويكون ذلك من مشمولات لجان استشاريّة يقع تعيينها بتفويض من المجلس التأسيسي حسب الاختصاص والطّعون وبعد التوصّل إلى إحداث هيئة موازية وقارة تكون لها شرعيّة قانونيّة وكفاءة في تعيين الخبراء وفي اخذ القرار ولذلك فان استحالة التنفيذ في الوقت الرّاهن تجعل المصالحة الوطنيّة مع منظومة الفساد والاستبداد من الخيارات المطروحة لتسوية الوضعيّات الإداريّة مقابل التخلي عن التتبعات العدليّة في الحق الخاص وفي الحق العام بعد التفاوض في المسائل المعطّلة وفي إجراءات التعويض للمتضررين. الهاشمي حمدي ربّان بحريّة تجاريّة وخبير في النزاعات البحريّة