عندما استعملت الصين وروسيا خلال الفترة الماضية الفيتو ضد مشروع قرار مجلس الأمن المتعلق بسوريا قال الرئيس الفرنسي ساركوزي ان استعمال بيكين ... وموسكو للفيتو يعني تشجيع بشار الأسد ونظامه على ما وصفه ب" الممارسات القميعة" ضد شعبه وبادر ساركوزي باقتراح تكوين ما يسمى ب "مجموعة أصدقاء الشعب السوري" التي جمعت الدول التي ترى ان الوضع السوري لم يعد يحتمل وذلك بهدف تجاوز مجلس الامن والتحرك خارج إطار الأممالمتحدة. · فتّش عن مصالح فرنسا في لبنان! وفرنسا بصفتها عضو دائم في مجلس الأمن من المفترض ان تسعى لحماية مبادئ ميثاق الأممالمتحدة وان لا تتدخل في السياسة الداخلية للدول الأخرى بل على العكس من ذلك سعت ومازالت تسعى الى إجبار الرئيس السوري بشار الأسد على التنحي عن السلطة. ولكن السؤال المطروح في هذا السياق هو التالي: أيعقل ان تكون فرنسا مدفوعة بإحساسها بالمسؤولية تجاه الشعب السوري وحماية المدنيين؟ وللإجابة عن هذا السؤال نقول ان لبنان يعد الخلاف الأكبر في العلاقات السورية الغربية وقامت فرنسا بعد الحرب العالمية الأولى باحتلال لبنان وسوريا وفي أربعينات القرن الماضي حصلت كل من لبنان وسوريا على استقلالهما ، لكن البلدين لم يؤسسا علاقات دبلوماسية لان سوريا لم تعترف باستقلال لبنان عنها واعتبرتها جزءا من أراضيها تمّ اقتطاعه من قبل المحتل الفرنسي. وخلال ماي 1967 قامت سوريا وتحت شعار " قوة الردع العربي" بدخول لبنان وفي افريل2005 اضطر الجيش السوري للخروج من ذلك البلد تحت ضغط دولي بعد اغتيال رفيق الحريري، وفي اكتوبر2010 قام البلدان بتأسيس علاقات ديبلوماسية بينهما وتبادلا السفراء ولكن وفي المقابل لم يتوقف النزاع الفرنسي السوري حول ممارسة التأثيرات في لبنان. · خلفيات الانتقام الفرنسي أضف الى ذلك هناك أمران لم تغفر هما فرنسا لسوريا إطلاقا: -أولا: اتهام دمشق باغتيال السفير الفرنسي لدى لبنان في سبتمبر1981 واتهمت دمشق بتقديم دعم لوجستي للأشخاص او الجهات التي نفذت عملية الاغتيال. -ثانيا:قيام فرنسا باتهام سوريا بتفجير معسكر فرنسي في بيروت في اكتوبر1984 أسفر عن مقتل نحو58 جنديا فرنسيا. ورغم ان كل هذه الملفات أصبحت قديمة إلا أنها لازالت عالقة خاصة في نظر الجانب الفرنسي وظلت العلاقات الثنائية بين دمشق وباريس متوترة بسببها رغم بوادر الانفراج التي تظهر فيها من حين لآخر، وهناك من المراقبين من يرى ان فرنسا عملت على استقلال الوضع الراهن في سوريا وما يكتنفه من وضع امني للانتقام من نظام الأسد. فرنسا وبقية الدول الغربية وحتى العربية المتدخلة من الملف السوري اليوم تدفعها خلفيات مختلفة للتحرك، ومنذ ان تزعمت فرنسا حلف الناتو للإطاحة بنظام معمر القذافي في ليبيا أصبحت ترى نفسها قوة لا تقهر وأرادت تكرار السيناريو نفسه مع بشار الأسد في سوريا كما أرادت فرنسا من وراء الإطاحة ببشار الأسد ان تقدم خدمة لأمريكا وإسرائيل والعالم الغربي ككل من خلال تحطيم الحلف السوري الإيراني الذي بناه حافظ الأسد بعد نجاح الثورة الإيرانية عام 1979 ومضى خلفه بشار الأسد في توطيده خاصة على المستوى الأمني الذي شهد في عهده تنسيقا عاليا واكتسى طابع التعاون العسكري الذي ظهرت تداعياته خلال ما يسمى ب "حرب تموز" على لبنان في جويلية 2006 والتي قام "حزب الله" الذراع العسكري لإيران وسوريا في تلك الحرب بسحق دبابات "الميركافا" مفخرة الصناعات العسكرية الإسرائيلية. وذلك بفضل التقنيات العالية الجودة التي حصل عليها الحزب من إيران عن طريق سوريا. ان عجز الغرب وأمريكا وإسرائيل والى حد هذا اليوم على ضرب المنشات النووية الإيرانية التي يعتبرها هذا الثالوث تهديدا لأمنه القومي ودفع أمريكا وفرنسا الى استغلال الظرف الأمني الداخلي الصعب الذي تمر به سوريا لتصفية حساباتهم مع إيران عن طريق ضرب سوريا أولا والإطاحة برئيسها ليسهل بعد ذلك تفكيك تحالف دمشق مع طهران وبعد ذلك يسهل أيضا التفرغ الى إيران وحزب الله. "سوريا أصبحت اليوم بمثابة برميل من المتفجرات" وهذا التوصيف أطلقه مؤخرا المحلل السياسي الفرنسي "رولاند هيرو" وحذر حكومة بلاده من ان قضية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي و القضية الكردية والقضية الفرنسية والفوضى العراقية والانقسام اللبناني وقضية الجولان والتهديد الإيراني كلها قضايا لها ارتباط بالملف السوري لذا على فرنسا وأمريكا وكل من له يد في هذا الملف ان لا يستسهل إشعال فتيل برميل المتفجرات لان ذلك ستكون له تداعيات خطيرة على كامل المنطقة وستطير شظاياه إلى الغرب وفرنسا وأمريكا.