بعد حصار ديبلوماسي صلب فرضه الغرب على نظام الرئيس بشار الأسد متداعيا من غبار التفجير المدوّي الذي ذهب بحياة الرئيس الحريري ها أن فرنسا ساركوزي تمزّق الوثيقة الصامتة للمقاطعة فاتحة أبواب عاصمتها ليحلّ فيها الرئيس بشار الأسد ضيفا مبجّلا مشاركا الفرنسيين احتفالاتهم بذكرى ثورتهم التاريخية مدشّنة عصر الحرية والمساواة والأخوّة. الأسد في باريس هو ببساطة ضربة قاصمة لكل القوى التي عملت على عزل دمشق ووضعها في زاوية ضيّقة لخنق كل امكانية لخروجها من حالة الاضعاف والعزلة وانسحاب معظم أوراق المناورة الاقليمية واللبنانية من أيديها. نحن أمام تفسيرات عديدة للموقف الفرنسي المفاجئ إذ أنه من الأكيد أن الأمر لم يتعلق بنور دمشقي مفاجئ غمر صدفة قلب الرئيس ساركوزي ذات أمسية من أماسي التجلي الصوفي جعل روحه ترقّ للسوريين بقدر ما تبدو الصورة متصلة بمعادلات جديدة طارئة على لوحة حسابات المصالح والتوازنات السياسية المعقّدة التي تحاول هضم خارطة الشرق الأوسط ومستقبل تحالفاته. دمشق أبدت قدرا من التوازن والحكمة في دعم اتفاق الدوحة والتشجيع على انجاحه بالشروط التي اتفق عليها كل الفرقاء اللبنانيين، أما انجازها الاكبر الذي خلط الأوراق فكان ركونها لطاولة التفاوض مع اسرائيل عبر البوابة التركية في تطور مثير لا يمكن إلا أن ينال تعاطف واعجاب الغرب والولايات المتحدةالأمريكية تحديدا. لقد أكدت الأزمة الأخيرة في لبنان قوة حلفاء سوريا وقدرتهم على ربح معارك الميدان والاستفادة من مناخات التأزم والاحتكاكات العنيفة على الارض دون أن تستطيع أية قوة أخرى أن تعادل الكفة أو تردع هذا التفوق بما فيها محاولات التحرّش الأمريكي التي استعرضت قوتها بشكل عبثي لما أرسلت المدمّرة كول أمام السواحل اللبنانية. بان واضحا أنّ حلفاء سوريا في لبنان هم الأقوى ولكنّهم في نفس الوقت كانوا الأقدر على ضبط الاستقرار وإيقاف الانزلاق السريع نحو حرب أهلية بدت مقدماتها أكثر من جديّة خلال الأزمة الأخيرة. خرجت دمشق من ثنايا هذه التداعيات منتصرة برداء الحكمة الذي تزيّنت به وهي تفاوض مبعوثي أولمرت إلى تركيا أو وهي ترسل إشارات التشجيع والمباركة لمشروع الوفاق اللبناني، أما الوجه الآخر للطارىء الجديد الذي سيحمل الأسد إلى باريس تحديدا دون غيرها من العواصم فالأكيد أنه لا يقتصر على الملف الشائك اللبناني أو الإسرائيلي بل إنه أعمق من ذلك قد يهمّ تغيرا تكتيكيا جديدا في موقف الغرب من «التهديد الإيراني» خفف منطق التهديد والتلويح بخيار القوة لفائدة لعبة المناورة السياسية القائمة على اختراق الحلف السوري-الإيراني وفكّه باستيعاب أهم حليف لطهران التي لن يكون موقعها مريحا إذا قدر لها أن تفقد أهم حليف لها بالمنطقة. الرئيس ساركوزي دخل بقوّة حلبة المناورات الدولية، بذكاء وفطنة لن تزيدها تصريحات وزير خارجيته سوى تشويقا سينمائيا ظريفا!!!